قصة اخطر جاسوس إسرائيلى - ايلي كوهينالياهو بن شاؤول كوهين يهودي من اصل سوري حلبي، ولد بالإسكندرية التى هاجر اليها احد اجداده سنة 1924. وفي عام 1944 انضم ايلي كوهين الى منظمة الشباب اليهودي الصهيوني في الإسكندرية وبدا متحمسا للسياسة الصهيونية وسياستها العدوانية على البلاد العربية، وفي سنة وبعد حرب 1948 اخذ يدعو مع غيره من اعضاء المنظمة لهجرة اليهود المصريين الى فلسطين وبالفعل في عام 1949 هاجر أبواه وثلاثة من أشقاءه إلي إسرائيل بينما تخلف هو في الإسكندرية .وقبل ان يهاجر الى اسرائيل عمل تحت قيادة (إبراهام دار) وهو أحد كبار الجواسيس الإسرائيليين الذي وصل إلى مصر ليباشر دوره في التجسس ومساعدة اليهود علي الهجرة وتجنيد العملاء، واتخذ الجاسوس اسم( جون دارلينج) وشكل شبكة للمخابرات الإسرائيلية بمصر نفذت سلسلة من التفجيرات ببعض المنشأت الأمريكية في القاهرة والإسكندرية بهدف افساد العلاقة بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية و في عام 1954 تم إلقاء القبض على أفراد الشبكة في فضيحة كبرى عرفت حينها بفضيحة (لافون)، وبعد انتهاء عمليات التحقيق كان أيلي كوهين قد تمكن من إقناع المحققين ببراءة صفحته إلي أن خرج من مصر عام 1955 حيث التحق هناك بالوحدة رقم 131 بجهاز أمان لمخابرات جيش الدفاع الإسرائيلي ثم أعيد إلي مصر ولكنه كان تحت عيون المخابرات المصرية التي لم تنس ماضيه فاعتقلته مع بدء العدوان الثلاثي ضد مصر في أكتوبر 1956.
وبعد الإفراج عنه هاجر إلي إسرائيل عام 1957, حيث استقر به المقام محاسبا في بعض الشركات, وانقطعت صلته مع "أمان" لفترة من الوقت, ولكنها استؤنفت عندما طرد من عمله وعمل لفترة كمترجم في وزارة الدفاع الإسرائيلية ولما ضاق به الحال استقال وتزوج من يهودية من أصل مغربي عام 1959.
وقد رأت المخابرات الإسرائيلية في ايلي كوهين مشروع جاسوس جيد فتم إعداده في البداية لكي يعمل في مصر, ولكن الخطة ما لبثت أن عدلت, ورأي أن أنسب مجال لنشاطه التجسسي هو دمشق. وبدأ الإعداد الدقيق لكي يقوم بدوره الجديد, ولم تكن هناك صعوبة في تدريبه علي التكلم باللهجة السورية, لأنه كان يجيد العربية بحكم نشأته في
الإسكندرية.
ورتبت له المخابرات الإسرائيلية قصة ملفقه يبدو بها مسلما يحمل اسم (كامل أمين ثابت) هاجر وعائلته الى لاسكندرية ثم سافر عمه الى الارجنتين عام 1946 حيث لحق به كامل وعائلته عام 1947 وفي عام 1952 توفى والده في الارجنتين بالسكتة القلبية كما توفيت والدته بعد ستة اشهر وبقى كامل وحده هناك يعمل في تجارة
الأقمشة.
وتم تدريبه على كيفية استخدام اجهزة الارسال والاستقبال اللاسلكي والكتابة بالحبر السري كما راح يدرس في الوقت نفسه كل اخبار سوريا ويحفظ اسماء رجالها السياسيين والبارزين في عالم الاقتصاد والتجارة. مع تعليمه اصول الايات القرآنية وتعاليم الدين الإسلامي.
وفي 3 فبراير 1961 غادر ايلي كوهين إسرائيل إلي زيوريخ, ومنها حجز تذكرة سفر إلي العاصمة التشيلية سنتياجو باسم كامل أمين ثابت, ولكنه تخلف في بيونس ايرس حيث كانت هناك تسهيلات معدة سلفا لكي يدخل الأرجنتين بدون تدقيق في شخصيته الجديدة.
وفي الارجنتين استقبله عميل اسرائيلي يحمل اسم( ابراهام) حيث نصحه بتعلم اللغة الاسبانية حتى لا يفتضح امره وبالفعل تعلم كوهين اللغة الاسبانية وكان ابراهام يمده بالمال ويطلعه على كل ما يجب ان يعرفه لكي ينجح في مهمته. وبمساعدة بعض العملاء تم تعيين كوهين في شركة للنقل وظل كوهين لمدة تقترب من العام يبني وجوده في العاصمة الأرجنتينية كرجل أعمال سوري ناجح فكون لنفسه هوية لا يرقى إليها الشك, واكتسب وضعا متميزا لدي الجالية العربية في الأرجنتين, باعتباره قوميا سوريا شديد الحماس لوطنه وأصبح شخصية مرموقة في كل
ندوات العرب واحتفالاتهم، وسهل له ذلك إقامة صداقات وطيدة مع الدبلوماسيين السوريين وبالذات مع الملحق العسكري بالسفارة السورية, العقيد أمين الحافظ.
وخلال المآدب الفاخرة التي اعتاد كوهين أو كامل أمين ثابت إقامتها في كل مناسبة وغير مناسبة, ليكون الدبلوماسيون السوريون علي رأس الضيوف, لم يكن يخفي حنينه إلي الوطن الحبيب, ورغبته في زيارة دمشق لذلك لم يكن غريبا ان يرحل اليها بعد ان وصلته الاشارة من المخابرات الاسرائيلية ووصل اليها بالفعل في يناير 1962 حاملا معه الآت دقيقية للتجسس, ومزودا بعدد غير قليل من التوصيات الرسمية وغير الرسمية لأكبر عدد من الشخصيات المهمة في سوريا, مع الإشادة بنوع خاص إلي الروح الوطنية العالية التي يتميز بها, والتي تستحق أن يكون محل ترحيب واهتمام من المسئولين في سوريا. وبالطبع, لم يفت كوهين أن يمر علي تل أبيب قبل وصوله إلي دمشق, ولكن ذلك تطلب منه القيام بدورة واسعة بين عواصم أوروبا قبل أن ينزل في مطار دمشق وسط
هالة من الترحيب والاحتفال. و أعلن الجاسوس انه قرر تصفية كل أعماله العالقة في الأرجنتين ليظل في دمشق مدعيا الحب لوطن لم ينتمي اليه يوما. ايلي كوهين وبعد أقل من شهرين من استقراره في دمشق, تلقت أجهزة الاستقبال في أمان أولي رسائله التجسسية التي لم تنقطع علي مدي ما يقرب من ثلاث سنوات, بمعدل رسالتين
علي الأقل كل أسبوع. وفي الشهور الأولي تمكن كوهين أو كامل من إقامة شبكة واسعة من العلاقات المهمة مع ضباط الجيش و المسئولين الحربيين.وكان من الأمور المعتادة أن يقوم بزيارة أصدقائه في مقار عملهم, ولم يكن مستهجنا أن يتحدثوا معه بحرية عن تكتيكاتهم في حالة نشوب الحرب مع إسرائيل, وأن يجيبوا بدقة علي أي سؤال فني يتعلق بطائرات الميج أو السوخوي, أو الغواصات التي وصلت حديثا من الاتحاد السوفيتي أو الفرق بين الدبابة تي ـ52 وتي ـ54... الخ من أمور كانت محل اهتمامه كجاسوس. وبالطبع كانت هذه لمعلومات تصل أولا بأول إلي إسرائيل, ومعها قوائم بأسماء و تحركات الضباط السوريين بين مختلف المواقع والوحدات. وفي سبتمبر1962 صحبه أحد أصدقائه في جولة داخل التحصينات الدفاعية بمرتفعات الجولان.. وقد تمكن من تصوير جميع التحصينات بواسطة آلة التصوير الدقيقة المثبتة في ساعة يده, وهي احدي ثمار التعاون الوثيق بين المخابرات الإسرائيلية والأمريكية. ومع أن صور هذه المواقع سبق أن تزودت بها إسرائيل عن طريق وسائل الاستطلاع الجوي الأمريكية, إلا أن مطابقتها علي رسائل كوهين كانت لها أهمية خاصة سواء من حيث تأكيد صحتها, أو من حيث الثقة في مدي قدرات الجاسوس الإسرائيلي. وفي عام 1964, عقب ضم جهاز أمان إلي الموساد, زود كوهين قادته في تل أبيب بتفصيلات وافية للخطط الدفاعية السورية في منطقة القنيطرة, وفي تقرير آخر أبلغهم بوصول صفقة دبابات روسية من طراز تي ـ54, وأماكن توزيعها, وكذلك
تفاصيل الخطة السورية التي أعدت بمعرفة الخبراء الروس لاجتياح الجزء الشمالي من إسرائيل في حالة نشوب الحرب. وازداد نجاح ايلي كوهين خاصة مع بإغداقه الأموال على حزب البعث وتجمعت حوله السلطه واقترب من ان يرشح رئيسا للحزب او للوزراء!.
وهناك اكثر من رواية حول سقوط ايلي كوهين نجم المجتمع السوري لكن الرواية الأصح هي تلك التى يذكرها رفعت الجمال الجاسوس المصري الشهير بنفسه.. <(... شاهدته مره في سهرة عائلية حضرها مسئولون في الموساد وعرفوني به انه رجل اعمال اسرائيلي في امريكا ويغدق على اسرائيل بالتبرعات المالية.. ولم يكن هناك اى مجال للشك في الصديق اليهودي الغني، وكنت على علاقة صداقة مع طبيبة شابه من اصل مغربي اسمها (ليلى) وفي زيارة لها بمنزلها شاهدت صورة صديقنا اليهودي الغني مع امرأة جميلة وطفلين فسألتها من هذا؟ قالت انه ايلي كوهين زوج شقيقتي ناديا وهو باحث في وزارة الدفاع وموفد للعمل في بعض السفارات الإسرائيلية في الخارج، .. لم تغب المعلومة عن ذهني كما انها لم تكن على قدر كبير من الأهمية العاجلة، وفي أكتوبر عام 1964 كنت في رحلة عمل للاتفاق على افواج سياحية في روما وفق تعلمات المخابرات المصرية وفي الشركة السياحية وجدت بعض المجلات والصحف ووقعت عيناي على صورة ايلي كوهين فقرأت المكتوب أسفل الصورة، (الفريق اول على عامر والوفد المرافق له بصحبة القادة العسكريين في سوريا والعضو القيادي لحزب البعث العربي الإشتراكي كامل امين ثابت) وكان كامل هذا هو ايلي كوهين الذي سهرت معه في اسرائيل وتجمعت الخيوط في عقلي فحصلت على نسخة من هذه الجريدة اللبنانية من محل بيع الصحف بالفندق وفي المساء التقيت مع (قلب الأسد) محمد نسيم رجل المهام الصعبة في المخابرات المصرية وسألته هل يسمح لي ان اعمل خارج نطاق إسرائيل؟
فنظر لي بعيون ثاقبة..
- ماذا ؟
- قلت: خارج اسرائيل.
- قال: اوضح.
- قلت: كامل امين ثابت احد قيادات حزب البعث السوري هو ايلي كوهين الاسرائيلي مزروع في سوريا واخشى ان يتولى هناك منصبا كبيرا.
- قال: ما هي ادلتك؟
- قلت: هذه الصورة ولقائي معه في تل ابيب ثم ان صديقة لي اعترفت انه يعمل في جيش الدفاع.
ابتسم قلب الأسد واوهمني انه يعرف هذه المعلومة فأصبت بإحباط شديد ثم اقترب من
النافذة وعاد فجأة واقترب مني وقال..
- لو صدقت توقعاتك يا رفعت لسجلنا هذا بإسمك ضمن الأعمال النادرة في ملفات
المخابرات المصرية....)>
وعقب هذا اللقاء طار رجال المخابرات المصرية شرقا وغربا للتأكد من المعلومة وفي مكتب مدير المخابرات في ذلك الوقت السيد صلاح نصر تجمعت الحقائق وقابل مدير المخابرات الرئيس جمال عبد الناصر ثم طار في نفس الليلة بطائرة خاصة الى دمشق حاملا ملفا ضخما وخاصا الى الرئيس السوري أمين حافظ. وتم القبض على ايلي كوهين وسط دهشة الجميع واعدم هناك في 18 مايو 1965
وقد صدر كتاب سورى اخر يتحدث عم ايلى كوهين
الجاسوس إيلي كوهين.. القصة الحقيقية وحقائق لم تنشر*
صدر مؤخراً في دمشق كتاب بعنوان حقائق لم تنشر عن الجاسوس الصهيوني إيلي كوهين وقصته الحقيقية للواء المتقاعد صلاح الضللي الرجل الذي رأس المحكمة العسكرية السورية التي حكمت بالإعدام على فريق الجواسيس وجاء هذا الكتاب رداً على الكتب التي تتحدث عن كوهين خاصة كتاب (الجاسوس الإسرائيلي وحرب الأيام الستة ـ للكاتب زفيل دوي جيرولد بالينغر) وكتاب وحيد في دمشق لـ شيمون شيغف الذي وصف حالة كوهين النفسية كما وصفتها زوجته التي قالت انه كوهين يعلم انه ذاهب إلى دمشق ليلاقي حتفه لأنه حاول عدة مرات أن ينهي مهمته في سورية إلا أن الموساد كانت ترفض واليهود الغربيون الذين ارسلوه لا يريدونه أن يعود لأنه من اليهود الشرقيين وذلك حسب اعترافات كوهين ، ومنذ اعدم في دمشق العام 1965 لا تزال قضيته تثير الكثير من القصص والحكايات التي قد تكون من نسج وصنع المخابرات الصهيونية (الموساد) كنوع من التضليل السياسي والإعلامي الذي يستهدف أظهار هذا الجهاز وكأنه قادر على اختراق جميع الأمكنة العربية، والوصول إلى مواقع القرار والأسرار، ولكن عندما يروي الحقيقة أحد الأشخاص الذين ساهموا في الكشف عنها، وهو اللواء المتقاعد صلاح الدين الضللي ، فإن الوضع يكون أكثر تأثيراً ووضوحاً، وهو يصل إلى درجة "الصدمة" الكثير من الجوانب الغامضة في هذه القضية التي لا تزال تشغل اهتمام الرأي العام حتى الآن، وذلك بالرغم من مرور هذه السنوات الطويلة على الحدث.*
بداية يفترض اللواء صلاح الضللي الضابط السوري المتقاعد ورئيس المحكمة العسكرية التي حكمت على كوهين بالإعدام، أن هذا الأخير قد يكون احد اليهود الذين عاشوا في مدينة دير الزور، شرق سوريا، مؤكداً وجود شبه وتشابه كبير جداً بين الجاسوس كوهين وبين تاجر يهودي سوري من دير الزور، كان يدعى (كرجي) ويمتلك محلا تجاريا لبيع الألبسة الجاهزة في الشارع العام وسط المدينة. وبالقرب من حلاق يدعى حمدي الخضر، كان المؤلف يحلق ذقنه وشعره عنده. ويضيف الضللي انه في عام 1948 أثناء نكبة فلسطين، قامت مظاهرات في دير الزور، تستنكر المذابح التي قام بها اليهود و أثناء مرورها بالشارع العام وأمام محل التاجر (كرجي) قام المتظاهرون بتحطيم واجهة محله الأمر الذي دفعه إلى مغادرة المدينة إلى جهة مجهولة خوفاً مما قد يحدث له من غضب الجمهور.*
ويؤكد أن صورة كرجي، ظلت ماثلة في ذاكرته وعندما القي القبض على الجاسوس كوهين، ووقع نظر الضللي عليه، شعر بأن كرجي أمامه وبادره بالسؤال عن صلة القربى بينه (كوهين) وبين المدعو كرجي، مشيراً إلى أن كوهين دهش لطرح السؤال وأحس انه ، اكتشف حقيقته، فارتعد وارتعش، لان اسم كرجي متداول بين اليهود. ويضيف أن لليهودي الشرقي صفات معينة في الوجه والأنف وانحناء الظهر، وهي كلها كانت تنطبق على الجاسوس كوهين. ومنها أن كوهين كان على درجة كبيرة من البخل الذي وصل إلى حد التقتير على نفسه، وذلك بخلاف كل المعلومات التي نشرت عنه سابقاً، والتي ادعت بأنه كان يبذخ كثيراً وينفق المال على أقامة الحفلات والموائد في دمشق.*
والمؤلف يؤكد أن ذلك كله مجرد كذب وافتراء حيث يقول أن كوهين لم يقم بأي حفلة على الأطلاق وان الدعوات كانت تأتيه من الآخرين طمعاً بالتعرف عليه كونه ثري ومغترب وتاجر وله مشاريع تجارية كثيرة في بلاد الله الواسعة. فقد قدم إلى سوريا على انه مغترب من الأرجنتين باسم كامل ثابت أمين ويضيف المؤلف إن الجميع كانوا يريدون أن يزوجوه طمعاً في ماله. ولهذا لم تنقطع الدعوات للغداء أو العشاء أو السهرات أو آكلات التبولة.*
وانه لم يسبق أن دعا أي شخص إلى بيته سوى معزى زهر الدين، وكان معزي يقدمه لكوهين أثناء حضوره إلى مدينة أدلب لزيارته. ويؤكد الضللي إن الأعلام العربي والصهيوني هو الذي رسم صورة غير حقيقية عن بذخ كوهين، وذلك حتى يوهم الرأي العام العربي والعالمي بأن هذا الجاسوس استخدم المال من أجل تحقيق الاختراق للمجتمع السوري! وفي سياق الكتاب يرد المؤلف على الكثير من الافتراءات والأضاليل التي حاولت المصادر الصهيونية ترويجها عن كوهين والدور الذي قام به أثناء وجوده في سوريا. ويتوقف بصورة خاصة عندما ورد في كتاب "الجاسوسية الإسرائيلية وحرب الأيام الستة" حيث جاء فيه أن كوهين خطط لانقلاب 8 مارس الذي أوصل حزب البعث إلى السلطة، وساهم في وضع قرارات التأمين وانه انتخب عضواً في القيادة القطرية وكذلك القومية لحزب البعث ورشح وزيراً للأعلام ونائباً لوزير الدفاع وأنه هو الذي أحبط محادثات الوحدة الثلاثية وتوسط بين الرئيس أمين الحافظ وتجار دمشق، وهو الذي أعاد صلاح البيطار إلى رئاسة الوزارة من الأردن إلى سوريا، وضرب مدينة حماة، وخطط لضرب مشروع تحويل نهر الأردن، ويؤكد المؤلف أن ما ورد في محاضرات محاكمة كوهين يدحض كل هذه الأكاذيب موضحاً أن جواز سفر كوهين لم يتم العثور فيه على تأشيرة لدخول الأردن، كما يدعي مؤلف كتاب "الجاسوسية الإسرائيلية وحرب الأيام الستة" ويكشف كوهين أمام المحكمة انه لم يسافر إلى الأردن، وبالتالي لم يكن له أي دور في أعادة البيطار إلى سوريا، كما ينفي المؤلف أن يكون كوهين، تعرف على أمين الحافظ أثناء وجوده في الأرجنتين، مؤكداً أن أمين الحافظ سافر إلى الأرجنتين ووصل إليها ليلة رأس السنة لعام 1962، كما هو ثابت في جواز سفره، وانه قضى تلك الليلة في الفندق وحيداً، في الوقت الذي كان فيه كوهين على ظهر الباخرة من نابولي إلى الإسكندرية، ومن ثم إلى بيروت، حيث وصل إليها يوم 8/11/1962 وأمضى يومين في بيروت، سافر بعدها مع ماجد شيخ الأرض العميل السري لوكالة المخابرات
المركزية الأميركية إلى دمشق يوم 10/1/1962 معتبراً أن ذلك ينفي كل ادعاء بأن كوهين تعرف على أمين الحافظ في الأرجنتين، ويضيف أن من بين كل الشخصيات التي تعرف عليها كوهين أثناء وجوده في سوريا لم يكن هناك أي واحد ممن هو قيادي أو وزير أو ذو مرتبة عالية في الدولة بل كلهم من التجار والناس العاديين! موضحاً أن هناك ثلاثة أشخاص ساندوه، وهم: ماجد شيخ الأرض "عميل المخابرات المركزية" ومعزى زهر الدين ابن شقيقة رئيس الأركان آنذاك وجورج سيف مدير الدعاية والأنباء في تلك الفترة. ويؤكد المؤلف في كتابه أن الموساد الصهيوني، هو الذي أراد هذا المصير للجاسوس كوهين بالموت شنقاً في دمشق، موضحاً أن الكيان الصهيوني الذي لم يكن جاداً في إنقاذه و كان قادراً على ذلك لو انه استخدم الامكانات التي كانت متاحة لديه آنذاك بالرغم من الضجة الإعلامية والسياسية والدبلوماسية التي أثارتها بعد القبض عليه ومحاكمته، والحكم عليه بالإعدام، ويكشف المؤلف موشتي دايان أنه طلب من الملكة إليزابيث الأم التي كانت تزور بلجيكا لكي تتدخل لإنقاذ إيلي الذي كان بمقدوره الضغط على الموساد التي استطاعت خطف أنجمان من الأرجنتين التي تبعد ألاف الكيلو مترات عن فلسطين، بأعداد خطة لاختطاف رئيس المحكمة العسكرية السورية آنذاك، وهو المؤلف اللواء صلاح الدين ضللي أثناء زيارته للأردن خلال الفترة من 19 ـ 20 مارس 1965، وذلك قبل أيام من صدور الحكم ضد كوهين، وهو لا يبعد سوى عشرات الأمتار من الحدود مع الأردن، ويضيف أن الزيارة استمرت لمدة عشرة أيام.وهي شملت مدينة قلقيلية والقدس الشرقية وبوابة "مندلبوم" التي يمر منها كوهين إلى الأردن ومن ثم سوريا وان الكثير من أصحاب المحلات التجارية تعرفوا عليه أي رئيس المحمكة العسكرية السورية مؤكداً أنه أمضى عشرة أيام في الأردن والضفة الغربية، وكان بمقدور جهاز الموساد أن يقوم باختطافه شخصياً، والمساومة عليه لإطلاق سراح كوهين، ولكن هذا لم يحدث بالرغم من أن إسرائيل كانت تتعقب زيارة الوفد السوري لحظة بلحظة، وهو يؤكد أنه كان باستطاعة الموساد إنقاذ حياة كوهين ولكنه لم يفعل بالرغم من أن رئيس الموساد قد ابلغ كوهين قبل سفره إلى سوريا بأنه إذا حدث له شيء "نهاجم دمشق وننقذك". وبالفعل فقد اكتشف كوهين، وهو في السجن انه خدع من قبل رؤسائه بالموساد أن إسرائيل لم تفعل شيئاً لإنقاذه ربما لأنه كان من اليهود الشرقيين، حيث أن التمييز العنصري على أشده!*
المهمة الحقيقية : ويميط الكتاب اللثام عن حقيقة المهمة التي أوفد كوهين لأجلها إلى سوريا في البداية، وهي لم تكن بقصد التجسس وجمع المعلومات عن سوريا، بل من اجل البحث عن مساعد الضابط النازي أنجمان، الذي تم اختطافه من الأرجنتين إلى إسرائيل، فقد كان مساعده هو لويس برونر الذي توفرت لدى المخابرات الصهيونية ـ الموساد ـ معلومات انه موجود في دمشق، وهي طلبت من كوهين تعقبه والعثور عليه بأي ثمن. وأمضى الجاسوس الصهيوني قرابة الستة أشهر وهو يبحث في دمشق عن برونر أو شبيه له ولكن دون جدوى. وبعد عودته إلى فلسطين المحتلة، حيث تم تعليق مهمته من قبل ـ الموساد ـ عرض كوهين على المخابرات الصهيونية أن تعيده مرة أخرى إلى دمشق بعد أن كون شبكة من العلاقات مع تجار ومسؤولين وبالتالي صار وجوده في سوريا أمراً مفيداً للموساد! وبسبب هذا الإلحاح أعيد كوهين إلى سوريا حتى لقي مصيره. أما الأمر المهم الآخر الذي يؤكده المؤلف، فهو تأكيده انه ليس للقاهرة أي علاقة بموضوع المساهمة في الكشف عن إيلي كوهين، موضحاً أن الحكومة السورية أرسلت كتابا رسميا إلى الحكومة المصرية تسألها عن هذا الموضوع الذي تم نشره في الصحف، فأرسلت الحكومة المصرية كتاباً تنفي فيه نفياً قاطعا هذه المعلومات، مؤكدة انه ليس لديها أي معلومة بهذا الخصوص.ويضيف انه تبين أخيرا أن هذا الموضوع ملفق تلفيقاً من عبد الهادي البكار وغسان كنفاني حيث نشر اعترافهما بإحدى الصحف اللبنانية، الأمر الذي يؤكد أنه لا علاقة للمخابرات المصرية في الكشف عن كوهين. ومن النقاط الأخرى التي يثيرها الكتاب نفيه لكل الاتهامات التي وجهت إلى سليم حاطوم حول علاقته بكوهين، مشيراً إلى انه كان عضوا في المحكمة العسكرية التي حاكمته. ويقر الكتاب انه تم الكشف عن كوهين، بعد شكوى تقدمت بها السفارة الهندية بدمشق، من أن الوقت الذي بثت فيه لاسلكيا، يتعرض للتشويش، تمت محاصرة المنطقة وفاجأت المخابرات السورية كوهين في شقته، وألقت القبض عليه، ومن ثم أودع السجن وطويت الأسطورة!
قالوا ايضا عنه
"بقناع رجل الأعمال"
كمال أمين
إيلي كوهين .. العميل الذي صار صديقاً للرئيس
اختلفت الروايات في قصة سقوطه و«الخطأ»الذي أوقعه في الفخ
تُرك على حبل المشنقة ست ساعات أمام جمهور التليفزيون السوري*
طرازه فريد بعض الشيء لكنه عميل إسرائيلي نجح بامتياز في التخفي وراء قناع في لسانه لأكثر من خمس سنوات اقترب فيها من القيادات العليا السورية بل وجلس على كرسي قريب جدا من رأس القيادة ذاتها لكنه سقط.*
سرب للكيان الصهيوني أدق المعلومات وأخطرها كان من شأنها تمكين عصابة إسرائيل من إجهاض الخطط التي حاولت سوريا باستماتة أن تستعيد بها الحق المسلوب في الجولان المغتصبة لكنه أعدم وفي مشهد أقل ما يوصف به أنه «مشهد رائع حقا» وبين الصعود والسقوط تفاصيل هي جد عجيبة مشوقة والأهم أنها تثير فيك رغبة نارية للانتقام منه رغم أنه الآن يرقد تحت «التراب».*
النشأة*
ولد إيلي كوهين في مدينة الإسكندرية عام 1928وتحديدا في 26 ديسمبر، لأبوين يهوديين من أصل سوري تمتد جذوره حتى مدينة حلب تربى إيلي على المعتقدات والعادات اليهودية ورضع معها مبادئ الحركة الصهيونية. وتشرب ثقافة «الجيتو» اليهودي بكل ما تحمله تلك الثقافة من انغلاق على الذات والنفور من الآخر والإحساس بالدونية وسط السواد الأعظم من المجتمع الذي يظهر فيه «الجيتو» كأنه ورم خبيث! ورحل الأبوان والاخوة الثلاثة لإيلي إلى إسرائيل عام 1949 في حين أصر هو على البقاء في مصر ليواصل أنشطته التخريبية التي كان يمارسها في ذلك الوقت شباب اليهود الذين انضمت أغلبيتهم إلى الجمعيات السرية الصهيونية. وفي عام 1953 ألقت السلطات المصرية القبض على منفذي العملية الشهيرة «سوزانا» وتمت محاكمتهم بسجن بعضهم وإعدام البعض الآخر وكانت هذه هي بداية المتاعب مع السلطات المصرية حيث قبض على إيلي لاستجوابه والتحقيق معه على الرغم من أنه لم يكن متورطاً في عملية «سوزانا».*
العودة والرحيل*
بعد هذه الضربة التي أنزلتها السلطات المصرية بشبكات التجسس اليهودية في مصر رحل إيلي إلى إسرائيل وهناك خاض دورة تدريبية شاملة في أعمال التجسس وكان ذلك في صيف 1955 الغريب أنه تلقى تلك الدورة في نفس المقر الذي كان يدرب فيه منفذو عملية «سوزانا» وعاد مرة ثانية إلى مصر عام 56 وكانت السلطات له ولأمثاله بالمرصاد حيث وضع تحت أعين الرقابة الدائمة الدقيقة عقب العدوان الثلاثي على مصر وفشله في تحقيق مآربه. وكانت القيادة السياسية المصرية قد قررت إغلاق ملف اليهود في مصر حيث قررت طرد جميع اليهود وعلى الأخص يهود الإسكندرية للأنشطة التخريبية التي كانوا يمارسونها في مصر، ووصل إيلي إلى إسرائيل مطرودا من مصر عام 1957، يوم الثامن من فبراير.*
العرض مرفوض*
لدى عودته من إسرائيل عرض إيلي خدماته على وكالة الاستخبارات الإسرائيلية «عمره في ذاك الحين كان 29 عاما» لكن قوبل عرضه بالرفض حدث هذا الموقف مرتين! أغرب من ذلك أن السلطات الإسرائيلية رفضت ضمه إلى صفوف الخدمة العامة واكتفت بوضعه ضمن تشكيل تابع لقوات الاحتياط الجوية كان سبب رفض خدمات الشاب إيلي تقريرا رفعته الاستخبارات العسكرية عنه جاء فيه أنه يمتلك نسبة ذكاء عالية وشجاعة بارزة وذاكرة حديدية وقدرة على كتمان الأسرار لكنه وهذا هو السبب الحقيقي لرفض خدماته في البداية لديه إحساس مبالغ فيه بالأهمية رغم تواضع مظهره فضلا عن معاناته من توتر داخلي عال وانتهى التقرير إلى أن إيلي لا يقدر الخطر تقديرا سليما بصفة دائمة ويعرض نفسه لمخاطر غير ضرورية بالمرة! .*
ناديا*
تزوج إيلي في أغسطس 1959 من فتاة يهودية جميلة من أصل عراقي اسمها ناديا مجالد واضطر الزوج إلى العمل في وظيفة غير دائمة كمحاسب إذ كان سوق العمل في ذلك الوقت غير مستقر وتندر فيه فرص العمل المستديمة في عام 1960 أعادت الاستخبارات الإسرائيلية النظر في إيلي فهو على مابه من نقاط سلبية من بلد عربي وملامحه شرقية ولا تبدو فيه علامات الخوف أو الجبن وأهم من هذا كله يجيد العربية والفرنسية والإنجليزية حدث كل هذا في وقت كان الموقف فيه على الحدود السورية قد وصل إلى نقطة الغليان وبات الصدام العسكري على مرمى البصر.*
البداية*
في العام ذاته استدعت الاستخبارات الإسرائيلية إيلي وطلبت منه الانضمام إلى صفوفها في البداية رفض! لكن بعد مرور شهر تقريبا فقد وظيفته في تل أبيب ثم استدعته الاستخبارات الإسرائيلية مرة ثانية وعرضت عليه نفس الطلب «يوحي الأمر أن طرده من وظيفته كان من ترتيب الاستخبارات ذاتها» انتهز إيلي الفرصة ووافق وعلى الفور بدأت التدريبات الشاقة المتنوعة التفصيلية حيث درب أولا على قيادة السيارات بسرعات جنونية مع القدرة على المراوغة ثم على استخدام أسلحة الجواسيس «صغيرة الحجم» إلى جانب التدريب على بعض المهارات الدقيقة كمسح المسطحات الجغرافية قراءة الخرائط أعمال التخريب «وخاصة المرافق العامة» وعلاوة على ذلك كله علم التشفير ونقل الرسائل عبرالأثير تلك كانت المهارات الأساسية التي ستكون بمنزلة الساعد الأيمن لرجل الأعمال السوري كمال أمين إلا أن أصعب المهام التي تدرب عليها إيلي هي تحدث العربية باللكنة السورية فقد كانت لكنته المصرية غالبة على نطقه العربية أما مدربه فكان يهودياً من أصل عراقي سبق له تدريب كثيرين على تحدث العربية بمختلف اللكنات المحلية فضلا عن تعليم عادات العرب وتقاليدهم.*
كمال أمين*
صاغت الاستخبارات الإسرائيلية هوية جديدة تماما لإيلي كوهين فاسمه اصبح كمال أمين وصفته رجل أعمال سوري ولد في بيروت لأبوين سوريين مسلمين الأب أمين ثابت.. والأم سعدية إبراهيم وطبقا لتلك الهوية الجديدة من المفترض أن عائلة ثابت أمين قد ارتحلت إلى الأرجنتين منذ عام 1948 وهناك أسست مشروعا ناجحا في مجال الغزل النسيج وبعد تدريبات مضنية مكثفة على كل كبيرة وصغيرة في مطلع 1961. وقع شاييم هرتزوج رئيس الاستخبارات العسكرية آنذاك وثيقة اعتماد عمل إيلي كوهين في الاستخبارات الإسرائيلية..كجاسوس.*
وفي المطار ودعته زوجته ناديا ليبدأ رحلة الصعود والسقوط لكن قبل سفره ادعى إيلي أنه مسافر للعمل في الأرجنتين لحساب وزارة الدفاع الإسرائيلية دون أن يفصح عن مكان إقامته أو مدتها ولم تكتشف الزوجة حقيقة الأمر إلا بعد سقوط إيلي في أيدي السلطات السورية!*
في الأرجنتين*
ذهب إيلي كوهين كمال أمين إلى العاصمة الأرجنتينية بوينس أيرس ليبدأ أول خطوة في مهمته وتأسيس هويته الجديدة كلاجئ سياسي سوري، لم يمض وقت طويل إلا وكان القناع الجديد قد انطلى على أبناء الجالية السورية في الأرجنتين دخل كمال أمين إلى أوساط الحياة الاجتماعية والدبلوماسية والثقافية للسوريين في الأرجنتين وبرز اسمه كرجل أعمال ثري سخي محبوب يعشق حياة الليل وأضواءه بعد فترة وجيزة صار كمال أمين اسما ووجها لامعين وصارت هناك اتصالات دائمة*
وزيارات مستمرة مع أسماء سياسية ودبلوماسية وتجارية هامة للسوريين في الأرجنتين وكان أهم تلك الأسماء وأشهرها أمين الحافظ ومع كثرة الاتصالات وتشعبها وحفلات الغذاء والمناسبات الاجتماعية والشخصية مع أهم الأسماء السورية وجهت دعوات عديدة لكمال أمين لزيارة دمشق وإنشاء مشروع تجاري هناك بل ونال وعودا بتسهيلات كبيرة في حالة موافقته على الانتقال بنشاطه التجاري إلى سوريا.*
كان أصحاب تلك الدعوات يرون في ثروة كمال أمين «وهي في الأصل أموال تضخها الاستخبارات الإسرائيلية» وسيلة تشبع طموحاتهم المالية في حين رأها البعض من منظور وطني يسعى إلى صهر هذه الثروة وجذبها للاستثمار في الوطن الأم في أواخر 1961عاد إيلي إلى إسرائيل في زيارة خاطفة يرى فيها زوجته ناديا لكن الهدف الحقيقي للزيارة كان رفع التقارير الأولية عما قام به في الأرجنتين فضلا عن أخذ دورة تدريبية يطور بها أدواته وقبل رحيله من إسرائيل حصل على بيانات حساسة حول المهمة الخطيرة المنوط القيام بها في سوريا.*
في قلب دمشق*
وصل كمال أمين إلى دمشق في فبراير 1962 قدم نفسه للمجتمع على أنه رجل أعمال سوري جاء من غربة طويلة في الأرجنتين ليستقر في الوطن الأم قبل مجيئه إلى سوريا وتحديدا في نهاية 1961 كانت الوحدة القومية بين مصر وسوريا قد أعلنت عن فشلها بعد أن كافحت للبقاء لثلاث سنوات فقط، في ذلك الحين كان حزب البعث يشق طريقه بقوة إلى منصة الحكم وكان قد أصر إيلي على أن يبدأ مهامه في سوريا خاصة وأن حزب البعث صار قاب قوسين أو أدنى من الحكم وواصل إيلي في حرص وتأن. اتصالاته مع قادة حزب البعث ومن بينها اللواء أمين الحافظ الذي تعرف عليه إيلي كوهين وقت كان الحافظ ملحقا عسكريا في الأرجنتين ومارس إيلي حياته الاجتماعية في دمشق على النحو الذي يقربه أكثر وأكثر من نخبة النخبة وكان يقضي معظم وقته في المقاهي والكازينوهات وأماكن تجمع أبناء الطبقة العليا في المجتمع السوري كما لجأ إلى إقامة الحفلات في منزله، وكان يدعو فيها كبار الأسماء السياسية والوزراء ورجال الأعمال حتى تحول منزله إلى وكر يمارس فيه الكبار حياتهم بعيدا عن المتلصصين والرسميات في تقاريره أوضح إيلي أن المدعوين في تلك الحفلات كانوا يطلقون العنان لأحاديثهم فهناك من يتحدث عن الخطط العسكرية السورية وآخرون يتطرقون للصفقات الاقتصادية الضخمة السرية كل هذا في جو مفعم بالابتسامات اللامعة والمجاملات الرقيقة بين المدعوين.*
صديق الكل*
تحول كمال أمين إلى مستودع أسرار صديق عزيز مصدر ثقة وغير ذلك الكثير لعدد كبير من الأسماء الهامة والحساسة في المجتمع السوري ووقعت حادثة تبين خطورة المكانة التي كان قد وصل إليها بعد فترة وجيزة من انتقاله إلى دمشق.*
كان كمال أمين يجلس في مكتب جورج سيف «أحد أهم المسؤولين السوريين في وزارةالإعلام في ذلك الوقت» يقرأ مستندا حساسا في الوقت الذي كان يتحدث فيه سيف مع طرف آخر عبر الهاتف دخل الغرفة فجأة أحد المديرين في وزارة الإعلام ورأى إيلي وهو يقرأ المستند بتمعن واهتمام فثار على سيف وسأله : كيف تسمح للأغراب قراءة مثل هذه المستندات الحساسة رد سياف في هدوء وطمأنينة قائلا: ما عليك إنه صديق موثوق فيه! انتهى الموقف وصار لإيلي مكان « مرموق » في قلب القيادة.*
هنا إيلي*
وصل حزب البعث إلى السلطة عام 1963 في وقت كان إيلي كوهين قد وطد فيه علاقاته مع نخبة المسؤولين الإسرائيليين في سوريا وبدأ كمال أمين يمارس لعبته كجاسوس حيث اعتاد كل بضعة أيام على إرسال تقرير يحوي معلومات سرية إلى إسرائيل مستخدما في ذلك جهاز إرسال كان يخفيه في غرفة نومه وبدأت الزيارات المكوكية إلى تل أبيب تحدث بصفة منتظمة ليناقش مع الإسرائيليين التقارير السرية المرفوعة منه إليهم فقد زار إسرائيل ثلاث مرات خلال الفترة من 1962 إلى 1965.*
نشاط محموم*
في مطلع 1964 تمكن إيلي من أن يسرب عبر الأثير إلى تل أبيب معلومات سرية عن القناة التي تشقها الحكومة السورية بطول مرتفعات الجولان بهدف استقبال المياه المحولة من نهر بنياس «أحد أهم مصادر المياه في الأردن». استطاع إيلي أن ينقل بكل دقة كافة التفاصيل المتعلقة بهذا المشروع إلى الاستخبارات الإسرائيلية بهذه المعلومات تمكنت القوات الجوية الإسرائيلية ضرب كافة المعدات والبلدوزورات المستخدمة في شق القناة الأمر الذي أدى إلى إحباط المشروع السوري وضربه في مقتل في أولى مراحله.*
ولعل من أخطر العمليات التي قام بها إيلي زيارته لهضبة الجولان فبفضل اتصالاته القوية مع المسؤولين السوريين تمكن من زيارة هضبة الجولان التي تمثل واحدة من أخطر المواقع الاستراتيجية السورية كانت الهضبة من المواقع التي تحاط بسرية بالغة ولا يدخلها سوى كبار القادة العسكريين وبالرغم من كل هذا زار إيلي كل موقع داخل الهضبة وفي صحبة كبار القادة العسكريين الذين شرحوا المنطقة لإيلي بالتفصيل.*
انتقلت معلومات في غاية الخطورة إلى إسرائيل ومعها قائمة بأسماء كبار القادة في الجيش السوري ومن تلك الزيارة نقل أيضا إيلي معلومات عن التوزيعات الجبلية في الجولان فضلا عن تصوير كل مواقع التسليح في الهضبة من مدافع ودبابات وتحصينات وأفخاخ وفي أثناء الشرح الذي كان يسمعه عن التحصينات الدفاعية من أحد القادة العسكريين السوريين اقترح إيلي على المتحدث زراعة المنطقة وتسييجها بالأشجار لتضليل الإسرائيليين وإظهار الهضبة كما ولو كانت غير محصنة فضلا عن إضفاء لمسة جمالية على المكان الذي يتحصن فيه الجنود السوريون داخل معسكراتهم.*
وأبدى القائد السوري إعجابه بالفكرة حتى أن أمر بتنفيذها وعلى الفور نقل إيلي الخدعة إلى الإسرائيليين حيث حددوا بعدها مواقع التحصينات بدقة من الأماكن التي زرعت أشجارا ولم تظهر قيمة المعلومات التي مررها إيلي إلى الإسرائيليين عن هضبة الجولان إلا عام 1967 حين تمكنت القوات من غزو الهضبة واحتلالها في غضون يومين فقط وقيل أن العامل الأول والأخير لنجاح هذا الغزو يرجع إلى كمال أمين!*
إيلي..نائب الوزير*
ربطت صداقة عميقة بين أمين الحافظ وإيلي منذ تعارفهما الأول في الأرجنتين وازدادت العلاقة حميمية بعد أن تولى الحافظ رئاسة الجمهورية فبعدها طرح اسم كمال أمين «إيلي كوهين..اليهودي» ورشح لمنصب نائب وزير الدفاع السوري.*
أحمد سويداني*
في الوقت ذاته بدأ المسرح السياسي السوري يشهد تطورات سريعة وهي تطورات أثارت فزع إيلي وترقبه وكان الكولونيل أحمد السويداني قائد المخابرات السورية لا يثق في أي فرد ولا يعجبه «هذا المدعو كمال أمين» بل وكان يرتاب في أمره تسربت المخاوف إلى صدر إيلي وخاطب المخابرات الإسرائيلية في ذلك الشأن وأعرب عن رغبته في إنهاء مهمته أثناء الرحلة الأخيرة التي قام بها إلى تل أبيب في نوفمبر 1964 إلا أن السلطات الإسرائيلية طلبت منه العودة مرة ثانية والبقاء لفترة من الوقت ثم العودة إلى إسرائيل والاستقرار فيها بصورة نهائية.*
كيف سقط؟*
وعاد إلى سوريا، لكن عودته تلك كانت قد شابها تغييرات خطيرة في سلوكياته كجاسوس فقد قل حرصه في العمليات التي كان يقوم بها وعلى الأخص الرسائل التي كان ينقلها عبر الأثير إلى إسرائيل وصار من المعتاد أن ينقل تلك الرسائل بصفة يومية وأحيانا مرتين في اليوم الواحد والأخطر أنه أعتاد على وقت محدد ينقل فيه الرسائل وكان في الثامنة صباحا وأصبحت الرسائل التي يرسلها طويلة الأمر الذي نبه المخابرات السورية إلى وجود إشارات ما تصدر في وقت ما من مكان ما..غريبة انتبهت المخابرات السورية وقررت على الفور نصب فخ لمعرفة مصدر تلك الإشارات وصدر قرار بإيقاف جميع عمليات البث الأثيري الرسمية على مدار 24 ساعة وحدث هذا في وقت كان يرسل فيه إيلي إشاراته إلى إسرائيل ومع توقع وجود مصدر واحد فقط تصدر منه تلك الإشارات وهو بالطبع موقع الجاسوس استخدمت المخابرات السورية فريقا خاصا تولى البحث في أرجاء دمشق عن المصدر وذلك باستخدام رادار روسي عالي التقنية تم جلبه من روسيا خصيصا لهذه العملية ونجح الرادار بالفعل في تحديد مصدر الإشارات منزل إيلي كوهين أو كمال أمين.*
وفي صباح 24 يناير 1965 قامت فرقة سرية تابعة للمخابرات السورية باقتحام منزل إيلي كوهين في دمشق حيث قبض عليه متلبسا وهو يمارس نشاطه في نقل الرسائل الأثيرية إلى إسرائيل.*
اختلاف الروايات*
هناك من يقول أن كشف حقيقة كمال أمين جاء على أيدي المصريين وتحديدا من عضو كان في الوفد المصري الذي تقابل مع الإسرائيليين على الحدود السورية كان هذا العضو قد تذكر وجه إيلي حين كان في السجون المصرية قيد التحقيق في أوائل الخمسينيات لكن هناك من يتساءل «أو قل يشكك» عن حقيقة الدور المصري الذي جاء بمحض الصدفة في كشف العميل الإسرائيلي إيلي كوهين خاصة وأن هناك تلميحات تقول ان المصريين تعمدوا نشر هذا الادعاء للتقليل من شأن المخابرات السورية وإعلاء لتفوق نظيره المصري بل وهناك رواية ثالثة تقول إن سقوط كمال أمين جاء عن طريق الجاسوسين الأمريكيين اللذين وقعا في أيدي المخابرات السورية كان هذان الجاسوسان على اتصال بإيلي كوهين داخل دمشق وقد اعترفا وكشفا عن أمره قبل الحكم عليهما بالإعدام؟ ورواية أخرى رابعة تقول إن كشف إيلي جاء بمحض الصدفة عن طريق الجاسوس المصري المعروف رفعت الجمال «رأفت الهجان كما يعرفه المصريون». ففي منزل سيدة إسرائيلية رأى رفعت الجمال صورة شخصية لإيلي فلفتت نظره وسأل السيدة عن صاحب الصورة حيث ردت عليه قائلة : ابن عمي أخذ الجاسوس المصري يتذكر صاحب الوجه والأماكن التي كان يراها فيها وبالفعل تذكر رفعت الجمال أن صاحب هذه الصورة من الوجوه التي كانت تظهر بصفة مستمرة مع القيادات السورية وخاصة العسكرية في الصحف والزيارات الرسمية على الفور أبلغ الجمال المسؤولين المصريين بهذا الأمر وبعدها أبلغوا السوريين بحقيقة كمال أمين فكان السقوط.*
حبل المشنقة*
أعدم العميل إيلي كوهين أمام حشد من السوريين بلغ عدده أكثر من عشرة آلاف فرد هذا في صباح الثامن عشر من مايو عام 1965 وأذاع التليفزيون السوري مشهد الإعدام لحظة بلحظة وشاهد الجمهور السوري جثمان العميل وهو معلق في حبل المشنقة لست ساعات متواصلة بعدها نقل إلى موقع دفنه داخل أحد المواقع العسكرية بعد مرحلة لاحقة زود قبره بكتلة إسمنتية ضخمة خاصة بعد محاولة فاشلة قام بها ضابط استخبارات إسرائيلي لسرقة الجثمان ونقله إلى إسرائيل.
طالبت عائلة الجاسوس الإسرائيلي الشهير ايلي كوهين، الذي اعدم في سوريا، إلى جانب ممثلين عن الطلاب اليهود في العالم من الرئيس بشار الأسد تسليمهم رفاته لدفنها في في اسرائيل.
وقالت العائلة: "نريد رفات والدي.لقد دفع الثمن (عندما أعدمته الحكومة السورية) إلا أن دفنه هو طقس ديني لا يتعلق بعقوبته". وبادر إلى اقتراح توقيع العريضة رئيس الاتحاد العالمي للطلبة اليهود دانييل ترانسلاتور الذي طرح الفكرة على صوفي كوهين.
وتدعو الرسالة التي يوقعها ترانسلاتور و200 من الطلبة اليهود من 50 بلدا الأسد باسم الشعب اليهودي في جميع أنحاء العالم إلى القيام ببادرة إنسانية لبناء الثقة عبر إعادة رفات ايلي كوهين إلى عائلته في إسرائيل.
واعتبرت كوهين إن الحكومة الإسرائيلية أيضاً تتشارك جزءا من المسؤولية في إهمال قضية والدها وقالت "إسرائيل لا يمكنها الاستمرار في نسيان والدي عليها أن تقول لجنودها أنها تقف إلى جانبهم حتى النهاية وما بعدها".
وقالت صوفي ابنة كوهين لصحيفة جيروزاليم بوست "ندعو بشار الأسد لان يظهر لنا بان نواياه المعلنة يقينية".
وتجسس كوهين لصالح إسرائيل خلال فترة الستينات في دمشق وكاد يشغل منصبا رسميا سوريا وقدم معلومات قيمة ساهمت في انتصار إسرائيل خلال حرب الأيام الستة.
مع ذلك يبقى كوهين لغزا من الغاز المخابرات لكنه اخذ حجما اكبر من الدور الذي اداه .......
شقيق الجاسوس المشهور ايلي كوهن الذي أعدم بسوريا يروي قصة التجسس والعائلة .*
بقلم / دكتور سمير محمود قديح
باحث في الشئون الامنية والاستراتيجية*
مورس كوهن (80 عاماً) شقيق الجاسوس المشهور ايلي كوهن الذي أعدم بسوريا يروي قصة التجسس والعائلة .*
موريس كوهين : حسبما يعرف نفسه هو عميل موساد متقاعد متخصص في علم التشفير، ولد في مصر لوالدين يهوديين من أصل سوري حلبي وفرّ إلى إسرائيل في أعقاب حرب الاستقلال عام1948،وهو يقيم اليوم في رمات غان، إسرائيل
الرواية كما كتبها موريس كوهن :
"أحـارس أنـا لأخـي؟"
أمضيت الجزء الأكبر من حياتي محتفظا بالأسرار. أسرار الدولة، أسرار العائلة والأسرار العاطفية. وقد صنت هذه الأسرار، واحتفظت بها قريبًا إلى قلبي، حبستها ذهنيا. كل سرّ منحني لحظات من الفخر، الفرح والألم.
ولكن، ثمة سر يحطم قلبي منذ عام 1962. من الممكن أن يكون هذا السر قد أنقذ وطني، لكنه، بالتأكيد، كلّفني جزءًا من روحي. إنه سر إلياهو كوهين، الجاسوس الإسرائيلي الأكثر شهرة.
واضاف:مر على موت إيلي 40 (أربعين )عامًا حتى الآن، وعلى الرغم من أنني لم أقتله، إلا أنني مدرك تمامًا أن فشلي في الكشف عما عرفته من الممكن أنه قد حسم مصيره. كنت مثل إيلي عضوًا في الاستخبارات الإسرائيلية، عميل في الموساد، متقاعد الآن. وكان تقاطع حياتنا في تلك الوكالة هو الأمر الذي أدى إلى جحيمي الشخصي
في الحقيقة لم أكن أعرف عن هذا الجاسوس الأشهر كامل أمين ثابت ( إيلي كوهين ) إلا ما كنت أسمعه من هذا وذاك ولم أكن قد قرأت عنه شيء مكتوب ولم يكن أحد منا على دراية بمهنة الآخر الجاسوسية وحتى لو كنا على دراية بذلك، فما كان بإمكاننا التباحث في عملنا. كنت مثل إيلي عضوًا في الاستخبارات الإسرائيلية، عميل في الموساد لقد علمت بمعظم الأمور عن هذا الجاسوس الإسرائيلي الأشهر في تاريخ سورية وكيف تم كشفه من قبل المخابرات وعن تأريخ حياته والتي سأطلعكم عليها لثوي في السنوات التي تلت موت إيلي. إليكم القصة الجاسوسية الشيقة بكاملها ولكن دعوني أبدأ أقرب ما يمكن من البداية .
عـائـلـة مـن الـلاجـئـيـن
ترك والدنا شاؤول جندي كوهين يهودي من أصل سوري حلبي ، الذي كان في سن 12 عامًا، مع والديه بيتهم في حلب في سوريا عام 1914 وهاجروا إلى الإسكندرية في مصر. كان الآلاف من اليهود قد تركوا حلب تلك السنة، من بينهم، أيضًا، والدتنا، صوفي التي كانت في السابعة من عمرها آنذاك. كانت مصر هي الدولة التي التقى فيها والدينا وفيها ولدت أنا وإيلي – ولد إيلي عام 1924 وولدت أنا بعد ثلاث سنوات من ذلك، وكنا المولودان الثاني والثالث من أصل ثمانية أطفال، بقي منهم سبعة على قيد الحياة حتى سن الرشد.
كنّا منبوذين على نحو مضاعف كيهود. عداء المسلمين المصريين نحو اليهود كان في تزايد مستمر، ولم يفعل البريطانيون، الذين حكموا مصر حتى عام 1954، شيئا لمعالجة هذا التمييز. لقد أدركنا، منذ نعومة أظفارنا، أننا دخيلون على مصر وكنا توّاقون لخلق مكان ننتمي إليه بشكل حقيقي.
عند بلوغي سن العاشرة، كانت الحركة الصهيونية قد اكتسبت الكثير من الزخم بين أوساط اليهود أمثالي. انضممت إلى "هحالوتسيم" (الطلائعيين)، وهي نوع من كشافة الأولاد تابعة للشبيبة الصهيونية، ومع بلوغي سن 14 عامًا، أصبحت قائد فرقة كشفية. كنا نحن الكشافة وطنيين بشكل كامل لوطن لم يكن موجودًا، وكانت مهمتنا استخدام معرفتنا للتاريخ والثقافة اليهوديين من أجل حث الأحداث اليهود على الانضمام إلينا. وعلى الرغم من أننا لم نكن بالغين، إلا أننا سعينا من أجل تسريع إقامة دولة يهودية، أرض نستطيع الاحتفاء فيها بإرثنا بدون خوف أو حياء.
كان إيلي، الذي كان أكبر سنًا من أن يلتحق بالكشافة، ناشطًا في الحركة الصهيونية السرية. وفق القانون المصري آنذاك، فرض على جميع الذكور، بمن فيهم اليهود، الخدمة في الجيش، لكنه تم رفض إيلي على أساس ولاء مشكوك فيه . دفع والدي عنه بدل عسكري وغرامة مالية فائقة. بدلاً من ذلك، التحق إيلي بجامعة القاهرة ليدرس للحصول على لقب في الهندسة الإلكترونية. تم اضطهاد إيلي وطلاب يهود آخرين في الجامعة من قبل الإخوان المسلمين، وهكذا انسحب إيلي ليتابع دراسته في البيت. علمت لاحقًا أن هذا الأمر مكنه من العمل بحرية من أجل القضية الصهيونية. نحن في العائلة لم نكن، لحسن الحظ، على علم بحقيقة كون إيلي مشكوك بأمره من قبل السلطات المصرية. وكان هذا سر إيلي الأول من بين العديد من أسراره.
عندما بلغت السن الملائمة للالتحاق بالجيش المصري، قام أبي بتدبير إعفاء لي، دفع بدل عسكري واستخدم علاقاته من أجل عدم التحاقي بالجيش وانضمامي بالحرس الملكي.
ثم ذهبت في العام 1948 للعمل كموظف في أرشيف الجيش البريطاني في المقر الرئيسي لخدمة الجيش الملكي الانكليزي في الإسماعيليةRoyal Army Service Corp
. درست في الليل موضوع المحاسبة في المعهد الفرنسي La Société de Comptabilité de France”" والفن المعماري في المعهد البريطاني ”British Institute of Engineering Technology”
إلا أن ظروف اليهود في مصر كانت تتفاقم بشكل متزايد، تم اعتقالي وسجني، في إحدى الأمسيات، بعد أن تبين أنه لم يكن بحوزتيّ بطاقة شخصية لإثبات الهوية. في غياب سجن ملائم في منطقة فأيد، احتفظ بي من اعتقلني في مرحاض خارجي خلال الليل، قبل أن يأخذوني إلى مركز الشرطة في الإسماعيلية للتحقيق. في السيارة إثناء السفر على الطريق، لحظت أن في حوزتي أوراق كتبت عليها باللغة العبرية أغاني وطنية شعبية فأصبحت رهينة لما في جيبي
بحذر، مزّقت الأوراق إربًا إربًا، مضغتها حتى أصبحت عجينة ورقية ثم قذفت بها خارج الشباك. عندما وصلنا إلى مركز الشرطة، بقيت