حكم استعارة مُصْحَفٍ مِن المسجد
السؤال:
هل تجوز استعارةُ مصحفٍ مِن قَيِّمِ المسجد لمدَّةٍ مُعيَّنَةٍ لمن لم تتوفَّرْ له الإمكانياتُ المادِّيَّة لاقتناءِ مصحفٍ؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فتجوز إعارةُ المصحف لمن احتاج إلى القراءةِ فيه ولم يجد مُصْحَفًا غيرَه، بل ما عليه الفتوى عند الحنابلةِ وجوبُ الإعارة؛ لأنَّه على وَفْقِ مقصودِ الواقف؛ ولأنَّ الحاجة تدعو إلى الانتفاعِ به ولا ضَرَرَ في بَذْلِه لتَيَسُّرِه وكثرةِ وجوده. والاستعارةُ إلى البيت لا تُزيلُ وقفيَّتَه ـ كما لا يخفى ـ إِذْ ليسَتِ الاستعارةُ في معنى البيعِ أو الهِبَةِ أو الإرث حتَّى يتقرَّر المنعُ بحديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم لأبيه في أرضه: «إِنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا»، فَتَصَدَّقَ عُمَرُ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ(١)؛ لأنَّ هذه المذكوراتِ تصرُّفاتٌ تُزيلُ وَقْفِيَّتَه؛ وبالتالي ينتفي الغرضُ الذي أُنْشِئ مِن أَجْلِه الوقفُ.
هذا، وعلى أمينِ المسجد المُعِيرِ أن يتصرَّف مع المُسْتَعير في الحدود والقيود التي تحول دون تَعطُّلِ مَنافِعِ الوقف، وعلى المُسْتعيرِ رَدُّه بعد استيفاءِ نَفْعِه؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّواْ ٱلۡأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهۡلِهَا﴾ [النساء: ٥٨]، وفي الحديث: «أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ»(٢)، ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم ـ أيضًا ـ: «الْعَارِيَةُ مُؤَدَّاةٌ»(٣)، علمًا بأنَّ للأمينِ المُعيرِ أن يَسْتَرِدَّ المُصْحَفَ متى شاء ما لم يُسبِّبْ ضررًا للمستعير.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ١٢ جمادى الأوَّل ١٤١٧ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٦ سبتمبر ١٩٩٦م
(١) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الوصايا» باب الوقف: كيف يُكْتَبُ؟ (٢٧٧٢)، ومسلمٌ في «الوصيَّة» (١٦٣٢)، مِن حديث ابنِ عمر رضي الله عنهما.
(٢) أخرجه أبو داود في «البيوع» بابٌ في الرجل يأخذ حَقَّه مَن تحت يده (٣٥٣٥)، والترمذيُّ في «البيوع» (١٢٦٤)، والدارميُّ (٢٦٣٩)، مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وصَحَّحه الألبانيُّ في «سلسلة الأحاديث الصحيحة» (١/ ٢/ ٧٨٣) رقم: (٤٢٣) و«صحيح الجامع الصغير» (١/ ١٠٧) رقم: (٢٤٠).
(٣) أخرجه أبو داود في «البيوع» بابٌ في تضمينِ العَوَر (٣٥٦٥) بلفظ: «العَوَرُ مُؤَدَّاةٌ»، والترمذيُّ في «البيوع» بابُ ما جاء في أنَّ العارية مؤدَّاةٌ (١٢٦٥)، وابنُ ماجه في «الصدقات» باب العارية (٢٣٩٨)، وأحمد (٢٢٢٩٤)، وابنُ حبَّان (٥٠٩٤)، مِن حديث أبي أُمامة رضي الله عنه. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «إرواء الغليل» (٥/ ٢٤٥) رقم: (١٤١٢).