الحوار تعريفه وجولة عامة حوله
النقاط التى سيتم دراستها فى هذه الحلقة
1- تعريف الحوار محل الدراسة
2- من أشكال الحوار
3- أهداف الحوارات
4- ما أهمية الحوار
5- مشروعية الحوار
6- مسلمات قبل أن نبدأ الحوار
7- عناصر الحوار
8- ملحوظة هامة "هذه الحالة خارج الحوار"
• تعريف الحوار محل الدراسة
لسنا هنا بصدد عمل بحث علمى عن تعريف الحوار وعناصره ولكن سنحاول بشكل أكبر الحديث عن الحوار بشكل عملى وواقعى من حياتنا المعاصرة.
فالحوار فى حقيقته مهما اختلفت أهدافه هو وسيلة من وسائل التواصل بين البشر، بل ويمثل أكبر مساحة من مساحات التواصل بين البشر وبعضهم البعض، بين الأم والأب والابن بين الزوج والزوجة، وبين الأخ وأخته وأخوه.
وربما سيكون تركيزنا فى هذا البحث عند الحديث عن الحوار فى القضايا والأمور والرؤى والنظريات أو ما يمكن أن نطلق عليه حوار فى الشأن العام، وليس التركيز حول تناول الحوار من منظوره الاجتماعى الانسانى للتواصل بين البشر أو الحوار حول موضوعات شخصية، برغم أن الكثير من الكلام المقبل يمكن تطبيقه بشكل أو آخر على الحالة الثانية من الحوار أيضا ولكن سنحاول التركيز فى الأمثلة على النوع الأول.
• من أشكال الحوار:
يخطئ البعض حين يقصر مفهوم الحوار على الحديث الشفوى بين شخصين أو أكثر، فالحقيقة أن الحوار وخاصة فى وقتنا الحاضر أصبح أكثر تنوعا من حصره فى ذالك المربع الضيقفمن أشكال الحوارات
1- الحوار الاعتيادى بين شخصين أو أكثر حول موضوع ما، سواء كان هذا الموضوع فى الشأن العام أو قضية خاصة.2- الحديث فى المؤتمرات والندوات والصالونات الحوارية بمختلف أسمائها وأشكالها3- المناظرات حول قضايا ما4- الحوارات المكتوبة وليست المنطوقة مثل تلك التى تحدث فى منتديات الانترنت وكذلك المدونات والمقالات وغيرها من طرح الرؤى والأفكار ومن ثم الرد عليها كتابيا5- البرامج الحوارية المسموع منها والمرئى وخاصة فى عصر الفضائيات6- النقاشات فى ورش أو لجان العمل حول قرارات ما ستتخذ لتسيير العمل أو حلول لمشكلة ما أو رؤى إستراتيجية للمؤسسة او .. أو ...
• أهداف الحوارات:
وكما تختلف أنواع وأشكال الحوار، تختلف أيضا أهدافه، ولا يمكننا فى هذه المساحة الضيقة أن نفصل أهداف الحوار المختلفة ولكن يمكننا فقط أن نحاول إجمالها فى بعض النقاط.
ولكن الأهم هو أن يعرف الشخص المشارك فى عملية الحوار هدفه من هذا الحوار جيدا قبل أن يشارك فيه، فكثيرا جدا ما يفقد الحوار فائدته ويخرج عن تحقيق نتائجه بسبب غياب الرؤية الواضحة من هدف الحوار.
وبرغم أن هناك العديد من الأهداف المشروعة التى يمكن تحقيقها من الحوار، والتى يمثل كل واحدا منها على حدة هدفا نبيلا، إلا أن دمج بعض هذه الأهداف فى عملية حوارية واحدة يسبب إفساد بعضها لبعض والفشل فى تحقيق أى منها فى بعض الأحيان.
ومن أهداف الحوارات العامة :
1- عرض وجهة نظر ما
2- إقناع الآخرين بوجهة نظر ما وحشد أنصار ومؤيدين له
ا3- إقامة الحجة والبينة على الطرف الآخر
4- معرفة ما لدى الآخرين من وجهة نظر تجاه موضوع معين
5- النقاش للوصول للحقيقة أو لنتيجة أو قرار
6- رد الاتهامات والشبهات وإبطال وجهة النظر لدى الشخص الآخر"وفق بعض الضوابط والشروط سنأتى على ذكرها لاحقا"
ورغم أنه قد يبدو أن جميع هذه الأهداف يمكن تحقيقها من عملية حوارية واحدة، إلا أنه كما أسلفنا من الخطأ أن يتم جمع هذه الأهداف مرة واحدة فى الحوار وإنما ينبغى فى أكثر الأحيان أن يتم تحديد هدف واحد أو هدفين متقاربين من تلك الأهداف فقط فى كل عملية حوارية ليمكن تحقيق نتائجه والوصول بالحوار لأعلى استفادة ممكنة عبر استخدام الوسائل ولغة الحوار المناسبة لدعم هذا الهدف فى حد ذاته.
• ما أهمية الحوار ؟
ترجع أهمية الحوار لأنه نافذة لتبادل وتناقح الأفكار بما يحقق العديد من الأمور الهامة
أولا: فوائد تعود على المشارك فى الحوار
1- معارف جديدة ومعلومات أكثر حول الموضوع محل الحوار والاطلاع على ثقافات وأنماط مختلفة من الفكر
2- كسب خبرات فى طرق العرض ومهارات الإقناع والاستماع والاتصال
3- معرفة أماكن قصوره ونقاط ضعفه سواء حول خلفيات الموضوع محل الحوار أو فى مهارات الاتصال والحوار والدفع لملأ هذه الفراغات ونقاط الضعف
ثانيا : فوائد تعود على موضوع محل الحوار
1- نشر الموضوع محل الحوار وعمل رأى عام حوله
2- شرح الموضوع محل الحوار توضيحه وإزالة اللبس حول بعض نقاطه
3- إثراء الموضوع وتطويره نتيجة لاختلاف الأفكار ومزجها
4- جذب مؤيدين وحشد الآراء لمناصرة الموضوع والاقتناع به
• مشروعية الحوار:
يعتبر الحوار فى مفهومه العام حاجة إنسانية بشرية حتمية دائمة، وإذا توقفنا عند الحوار بشكله المخصص الذى نتناوله فى بحثنا وهو الحوار فى القضايا والشأن العام فهو لا يختلف أيضا عن ذلك، وتنشأ مشروعية الحوار لاختلاف أنماط التفكير وثقافات البشر
والمتتبع لآيات القرآن الكريم يجد عددا كبيرا من الآيات تنقل صورا للحوار بين الأطياف والأفكار المختلفة فحينا تنقل آيات القرآن حوارا بين الله عز وجل بين إبليس بعد أن عصى الله ورفض السجود لآدم، وحينا تنقل حوارات بين الأنبياء والمرسلين وأقوامهم، وحينا آخر تنقل حوارات بين الآراء المختلفة للقضية الواحدة كما هو الحال مع أصحاب السبت من بنى إسرائيل.وعبر التاريخ البشرى وتقليب صفحاته نجد العديد من نماذج الحوارات بين أصحاب الرؤى والأفكار وبين معارضيهم أو مناقشيهم.
• مسلمات هامة قبل أن نبدأ الحوار:
هناك بعض النقاط الأساسية والمهمة التى يجب أن تكون واضحة تمام الوضوح قبل الدخول فى عملية الحوار، وبوضوح هذه النقاط نكون قد قطعنا شوطا كبيرا جدا فى اتجاه حوار حضارى مثمر، ومن أهم هذه المسلمات
1- أن الخلاف طبيعة بشرية وفى ذلك يقول الله عز وجل "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين".
2- أن الخلاف فى الرأى هو نتيجة تباين فى الثقافات وتراكم فى الخبرات، وهو يعكس حياة الشخص وخبراته وقناعاته على مدار سنين حياته.
3- ليس من السهل فى الحوار الاعتراف بالخطأ والتسليم لمحاور برأيه، كون الرأى كما قلنا فى النقطة السابقة يعبر عن تراكم ثقافات وخبرات ومعارف وليس من السهل فى لحظة الاعتراف بانها أفضت لنتيجة خاطئة. كما أن النفس البشرية بطبعها لا تميل إلى الفشل لحساب الآخرين.
4- أن جمع الناس على رأى واحد هو من المستحيلات وفقا للنقاط السابقة. وأنه حتى قضية الإيمان بوجود الخالق عز وجل هى محل اختلاف بين البشر وبالتأكيد كل قضية مهما بلغت وضوحها هى أقل من ذلك ستكون محل اختلاف بين البشر.
5- أنه ليس بالضرورة أن يكون الحوار بين فكرتين أحدهما صحيح والأخرى خاطئة، بل فى كثير من المواقف سيكون هناك مساحات رمادية كبيرة بين الأبيض والأسود تكون هى دوما محل الاختلاف
6- أن الخطأ والصح أمر نسبى فى معظم الأحيان وليس أمرا مطلقا فى كل الأحوال والقضايا.
7- ينبغى أن يدرك المتحاورون جيدا أن اختلاف وجهات النظر لا يفسد للود قضية.
8- أن يعلم المتحاورن أن الحق أبلج وأن السلعة الجيدة لا بد وأن تفرض نفسها، فلا يدفعه حرصه على اظهار الحق إلى الاندفاع الطائش بما قد يضر بالسلعة أكثر مما يفيدها.
• عناصر الحوار:
يتفق الحوار - كونه وسيلة من وسائل الاتصال - مع نفس عناصر عملية الاتصال وهى :
1- المرسل وهو فى حالة الحوار الشخص الذى يقوم بعملية الحوار أو من يقوم بطرح الموضوع للحوار "المحاور"
2- المستقبل وهو فى حالة الحوار قد يكون دوره سلبى بالاستقبال فقط من المرسل أو أن يكون له دور إيجابى وهو أن يكون هو ذاته صاحب فكرة وبالتالى يلعب دور مستقبل ومرسل فى ذات الوقت. "المحاوَر أو المختلف أو الآخر"
3- الرسالة وهى الموضوع محل النقاش والحوار
4- وسيلة إيصال الرسالة تتنوع وسيلة إيصال الرسالة بحسب نوع الحوار وشكله كما أوردناه سابقا5- متابعى الحوار وهم الطرف الثالث فى عملية الحوار، وهو شيئ تتميز به نوعا عملية الحوار عن عملية الاتصال، ففى الغالب يكون هناك طرف ثالث غير مشارك بشكل أساسى فى عملية الحوار ولكنه جزء أصيل منها. هذا الطرف الثالث هو الجمهور الذى يشاهد الحوار بين طرفى القضية سواء كانت فى صورة مناظرة مثلا أو ندوة حوارية أو نقاشا على المنتديات والمدونات.وسنتناول فى الأبواب التالية بعض التفصيل حول كل عنصر من عناصر الحوار هذه والمهارات والاحتياطات اللازمة معه .
ملحوظة هامة "هؤلاء خارج نطاق الحوار"
يقول الله عز وجل "لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم"فكل ما سيلى من كلمات تتحدث بالأساس عن حوار الأفكار والرؤى ولا يتحدث عن حديث المظالم ومخاطبة المعتدى والمتجنى وطلب الحق منه ومخاصمته لدى القضاة والحكام، فذلك له ضوابطه وأحكامه الأخرى.إلا أنه فى بعض الأحيان يكون هناك مناظرة بين الظالم والمظلوم ويكون هناك متابعين لهذه المناقشات والمناظرات فينبغى إلى حد كبير الالتزام بمعظم تلك الضوابط وخاصة التى تراعى هذا الطرف الثالث والتى سترد لاحقا.