كيف كانت تحية العرب عند اللقاء في الجاهلية ؟ ولماذا جعل الإسلام التحية بين المسلمين كلمة (( السلام عليكم )) وهل للمسلم ان يحيي غيره بغير هذه التحية اذا كان هو البادئ ، او كان هو المجيب ؟من الظواهر الكونية الكبرى التي لفتت انظار البشر منذ اقدم العصور ، طلوع الشمس وغروبها وما ينشأ عن ذلك من ليل او نهار ، ولهذا كانت التفرقة بين النور والظلام مضرب المثل في التمييز بين شيء وغيره لدى جملة الشعوب والجماعات ، كما يعم بينهم تحيةُ بعضهم بعضاً في الصباح والمساء مما يدل على تمني الخير في هذين الوقتين ، ويكون الجواب على وفق التحية ، ولهذا تقاربت التحيات واجوبتها في جملة الشعوب . وقد لفت منتصف النهار ، او توسط الشمس السماء نظر بعض الجماعات ، فأنشأت تحية لما بعد الظهر حتى مغرب الشمس .
وكان العرب قبل الإسلام كأكثر الشعوب ، تحيتهم (( انعم صباحاً )) و (( انعم مساءاً )) وقد يختزلون الفعل (( انعم )) فيقولون (( عم صباحاً )) و (( عم مساءاً )) او (( عم ظلاماً )) وهذا في الجاهلية التي سبقت الإسلام بقليل ، اما ما قبل ذلك فلا تعرف ما كان لهم من تحيات ، ومن تحيات الجاهليين القريبين من الإسلام ما جاء على لسان شاعرهم في تحيته للجن الذين زعم انهم زاروا داره ، فقال :
أتوا داري ، فقلت (( مَنُون انتم ؟ )) ##### فقالوا : (( الجن )) ، قلت (( عموا ظلاماً ))
و (( منون انتم ؟ )) أي (( من انتم )) بجمع (( من )) الاستفهامية جمع مذكر سالم ، وهذا وجه عجيب .
وكذلك كانوا يحيون الأماكن العزيزة اعزازاً لأهلها الأوليين الذين فارقوها ( وهذا يدخل في مناجاة الاطلال ونحوها من أغراض الكلام ) ومن ذلك يقول امرئ القيس :
الا عم صباحاً أيها الطَللُ البالي ##### وهل يَعِمُنْ من كان في العُصُر الخوالي
وقول زهير ايضاً :
فلما اتيت الدار قلت لربعها ##### الا عم صباحاً أيها الربع واسلم
ويلاحظ ان (( السلامة )) والسلام – تحية الإسلام – قريبان في لغتنا لفظاً ومعنى ، ثم ان السلامة تقتضي البقاء او الحياة ، وهذا اصل معنى التحية ، والحياة والتحية قريبان كذلك لفظاً ومعنى . وكانوا يحيون بعض ملوكهم بقولهم للملك (( أبَيْتَ اللَّعْن )) أي برئتَ من فعل ما تُلام عليه او انت فوق الذم او اللوم ، كأنه مقدس او فوق السحاب ، وقد كثرت ادعية بعضهم لبعض بما هو شبيه بالتحية ومن ذلك قولهم (( خلاك ذم )) أي عوفيت من فعل ما تذم عليه و (( لا تبعُدْ )) أي عشت او دمت .
ويلاحظ ان هذه التحيات واجوبتها في كل الجماعات – حتى التحية الإسلامية – تحية وامنية معاً فاذا قلت لغيري (( صباح الخير )) او (( نهارك سعيد )) او (( طاب وقتك )) او (( طاب يومك )) فمؤدى ذلك تمني الخير له ، وكذلك (( السلام عليك )) فمؤداها تمني السلام ( والسلامة ) له ، او انا في سلام وسلامة معه ، وان لم يفطن كلانا الى ذلك لان معظم الناس ينطقون التحيات ونحوها وفاقاً للعادة دون تأمل .
والتحية الكاملة في الإسلام هي (( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته )) وكذلك كان النبي " صلى الله عليه وسلم " يحيي أصحابه فيجيبونه ويحيونه فيجيبهم ، وقد يكتفي في التحية بالسلام او مع الرحمة ، ويظهر من حديث رواه الامام الطبري بسنده عن سلمان الفارسي ان النبي " صلى الله عليه وسلم " كان يفضل رد التحية بخير منها وان رضي الجواب بمثلها ويستشهد بقول الله تعالى (( واذا حُيِّتم بتحية فحيوا بأحسن منها او ردوها )) ، والآية القرآنية تجمع أداب التحيات في الإسلام سواء كانت التحيات قولية او عملية ، واما الجواب بالمثل او ما هو خير منه فيقدر بالاستطاعة ولكن لابد من تقدير الموقف والعرف وقد جرت عادة كثير من المسلمين في بلاد كثيرة – لا سيما بلاد العرب – استعمال تحيات محلية متداولة بينهم بلغتهم وهي تؤدي معنى مثيلاتها (( صباح الخير )) و (( مساء الخير )) المنتشرة في جملة الشعوب قديماً وحديثاً وقد عرفنا ذلك قراءة ومشاهدة ولم نسمع انكاراً من احد ولا نعرف سنداً للأنكار والآية القرآنية قد وسَّعت على المسلم . ولا حاجة للمسلم ان يُجرع غير المسلم ما لا يرضاه من التحية والا أدت التحية الى عكس المقصود منها ، والإسلام دين السماحة والتيسير والتبشير لا دين الانطواء او التعسير او التنفير . فإما إصرار المسلم عمداً على عدم النطق بتحية الإسلام بين المسلمين فامر اخر ، وهو على كل حال دليل انحراف في القلب او الفكر ينبغي درسه واصلاحه بالحسنى والمسلم يرشد اخوانه في الإنسانية بالحكمة والموعظة الحسنة طالما وجد لإرشاده موضعاً عند سامع ، (( ومن يُحرم الرفق يحرم الخير كله )) وهذه سنة النبي " صلى الله عليه وسلم " قولاً وفعلاً لان الإسلام ينشد السلام والرحمة والبركة بين الناس ولهذا كانت تحيته شاملة لها جميعاً فكل ما يحققها فهو يحقق دعوة الإسلام وكل ما يعطلها يعطل دعوته .
منتديات روسيا اليوم-زاهر نصرت