[center]القائد الفتى محمد بن القاسم فاتح بلاد السند
مقدمة:
إن سيرة هذا البطل الذي سوف نتكلم عنه هذه المرة، لهى مصدر فخر وعز واستعلاء للأمة الإسلامية والدين الإسلامي، الأمة التي كان من أبنائها مثل هذا البطل الذي قاد الجيوش الجرارة وولى الأقاليم الكبيرة وفتح المدن العريقة وأدخل الإسلام إلى بلاد السند والهند وأباد ملوك الكفر وحطم الأوثان والمعابد الشركية، قام بذلك كله وهو فتى في ريعان شبابه ولم يبلغ العشرين، فحرى بكل أب مسلم أن يربى أبناءه على سيرة أمثال هذا البطل الذي ينبغي أن يكون قدوة للشباب الذين تاهت عقولهم في أودية الدنيا ولم يعد أمامهم مثل هذا البطل القدوة.
من هو محمد بن القاسم؟
اسمه بالكامل محمد بن القاسم بن محمد بن الحكم بن أبى عقيل الثقفي، ولد سنة 72 هجرية بأرض العراق وكان أبوه القاسم بن محمد مما جاء لأرض العراق عند الحرب بين ابن الزبير رضى الله عنه وعبد الملك بن مروان، فأقام بها وهو ابن عم الوالي الشهير والمثير للجدل بشدة الحجاج بن يوسف الثقفي ، وهذا الرجل رغم مساويه الكثيرة والشناعات العظيمة التي أثرت عنه، إلا أنه محباً للجهاد مهتماً بتدبير الجيوش ونشر الإسلام، وكانت له عين فاحصة في اختيار الأبطال ومعرفتهم وبخبرته الواسعة بشئون الجهاد، وقعت عينه على ابن عمه الصغير 'محمد بن القاسم' فبدأ في تقريبه وإسناد بعض المهام الصغيرة من أجل اختبار مدى عزمه وكفاءته وترقى في إختباراته له حتى أبان الصغير عن همة عالية وكفاءة قيادية منقطعة النظير.
بيئة الأبطال:
كانت دولة بني أمية معنية أشد الاعتناء بنشر الإسلام في ربوع المعمورة، لذلك كان سوق الجهاد قائمة في بني أمية ليس لهم شغل إلا ذلك، فعلت كلمة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها وبرها وبحرها وقد أذلوا الكفر وأهله، وامتلأت قلوب المشركين من المسلمين رعباً فلا يتوجه المسلمون إلى بلد إلا أخذوه، ولم تنكسر لهم راية أو يديل عليهم عدو أو يخرج من أيديهم بلد فتحوه، وفى ظل هذه البيئة الجهادية ظهر بطلنا المقدام محمد بن القاسم.
المسلمون وبلاد السند:
كانت بلاد السند [باكستان الآن] هدفاً لحركة الفتح الإسلامي المباركة أيام الخليفة الراشد 'عمر بن الخطاب' رضى الله عنه، فلقد أرسل عامله على البحرين 'عثمان بن أبى العاص' جيشاً بقيادة أخيه 'الحكم' إلى ساحل الهند عند مدينة 'تانة' وذلك سنة 15 هجرية ثم إلى مدينة 'بروص' ثم إلى 'خور الدبيل' وحقق خلالهما عدة إنتصارات ولكن الخليفة خاف من مواصلة الغزو خوفاً على المسلمين من بعد الديار، وكان ذلك أيضا رأى أمير المؤمنين 'عثمان' رضى الله عنه، فلما تولى 'على بن أبى طالب' رضى الله عنه الخلافة أرسل الحارثة بن مرة العبدي إلى السند فأغار على أطرافها وظفر منها وظل بها حتى استشهد في عهد 'معاوية' رضى الله عنه سنة 42 هجرية.
حدث تطور كبير في غزو السند أيام 'معاوية بن أبى سفيان' حيث أمر القائد الشهير المهلب بن أبى صفرة بغزو السند ثم غزاها عبد الله بن سوار العبدى ثم سنان بن سلمة الهذلي ففتح 'مكران' ومصرها وأسكنها العرب وهذا أول جزء من غربي البنجاب يدخل في دولة الإسلام، وبعد ذلك فصل المسلمون بين بلاد الهند وبلاد السند، فلما تولى الحجاج الثقفي جعل من أولوياته فتح هذا الثغر العظيم خاصة بعد قتل عامله 'محمد بن هارون النمري' في قتاله مع ملك السند 'داهر' وقد رأى أن هذا الفتح لن يتم إلا بجيش قوى على رأسه قائد شجاع لا يبالى بجيوش 'داهر' الضخمة ولا يستوحش من بعد المسافة وطول الطريق إلى السند، وبعد بحث وتقليب نظر في قائمة القادة الأبطال، وقع الاختيار على بطلنا 'محمد بن القاسم' وكان وقتها في السابعة عشر من العمر، وكان ذلك سنة 89 هجرية حيث بدأت فصول المجد والبطولة في حياة هذا القائد الصغير.
معالم البطولة:
عندما تولى 'محمد بن القاسم' قيادة الحملة الجهادية المتجه إلى بلاد السند اشترط على 'الحجاج بن يوسف الثقفي' عدة شروط تبرهن على مدى الكفاءة القيادية والقتالية لمحمد بن القاسم منها:
1. أن يكون الجيش كامل التجهيز والإعداد والمؤن حتى لا تتوقف سيرة الفتح، فأمده الحجاج بجيش يقدر بستة آلاف مقاتل مجهزين بكل شيء حتى المسال والإبر والخيوط.
2. أن يرافق الجيش البرى أسطول بحرى ليكون الهجوم مزدوجاً وفى اتجاهين، ووافق الحجاج.
3. أن يواصل الجهاد والسير حتى ينتهي من فتح بلاد السند كلها، ووافق الحجاج.
رحلة الفتح المبارك:
كان لمحمد بن القاسم في رحلته للفتح المبارك هدفان الأقرب الانتقام من 'داهر' ملك السند الوثني الذي قتل المسلمين بأرضه وآخرهم 'محمد هارون النمري'، والأبعد فتح بلاد السند وما ورائها من بلاد الهند ونشر الإسلام في هذه الربوع الشاسعة.
تحرك محمد بن القاسم بجيشه القوى إلى 'مكران' فأقام بها عدة أيام يستجمع قوته بعد سير طويل وذلك لفتح مدينة 'الدبيل' أحصن مدن السند، وفى الطريق إليها فتح مدينة 'قنزبور' و'أرمانيل' ثم واصل السير حتى نزل على مدينة 'الدبيل' وذلك يوم جمعة ووافاه الأسطول بآلات الحصار ومنها المنجنيق الكبير المشهور باسم 'العروس' وكان يلزمه 500 رجل لتشغيله، وضرب 'محمد بن القاسم' حصاراً شديداً على المدينة الحصينة، واستمات الكفار الهندوس في الدفاع عن مدينتهم وفكر 'محمد بن القاسم' في فكرة عبقرية لفتح المدينة تعتمد في الأساس على خبرته بنفسية الأعداء وطبيعة تفكيرهم، فلقد كان في المدينة معبد ضخم لصنم معروف عندهم على قمته سارية خشبية طويلة جداً في نهايتها راية حمراء كبيرة إذا هبت الرياح تحركت هذه الراية كأنها كالمروحة الدائرة، وهى مقدسة عندهم، فأمر 'محمد بن القاسم' بتوجيه قذائف المنجنيق إلى هذه السارية حتى كسرها، وهو يعلم بتشاؤم الهندوس من ذلك، وبالفعل مع انهيار السارية انهارت معنويات الكفار واقتحم المسلمون المدينة، وفتحوها بعد معركة طاحنة وبنى 'محمد بن القاسم' بها مسجداً واستقدم أربعة آلاف من المسلمين وأسكنهم في المدينة للتأكيد على إسلام هذه المدينة وطمس الهوية الوثنية عنها.
يوم الانتقام:
بعد فتح مدينة 'الدبيل' أحصن مدن السند، واصل محمد بن القاسم سيره، فكان لا يمر على مدينة إلا فتحها وهدم معابد الوثنية والبوذية بها وأقام شعائر الإسلام وأسكنها المسلمون وبنى المساجد حتى غير خريطة البلاد تماماً وصبغها بصبغة إسلامية تامة.
استطاع محمد بن القاسم أن يبهر الهندوس بشخصيته القوية الحازمة وقد تعجبوا من شجاعته وحسن قيادته لجيش كبير وهو دون الثامنة عشر، وبالفعل أسلم عدد كبير من الزط وهم من بدو الهنود وانضم منهم أربعة آلاف رجل يقاتلون مع محمد بن القاسم وكان لهم أثر كبير في القتال لخبرتهم بالبلاد ومعرفتهم للغة الهنود.
كانت الأخبار قد وصلت إلى ملك الهند الوثني 'داهر' فاستعد للقاء المسلمين بجيوش كبيرة مع سلاح المدرعات الشهير وهم الفيلة، وقد داخله الكبر والعجب لضخامة جيوشه واستخف بالمسلمين لقلتهم، ولكنه فوجىء بالإعصار الإسلامي يعبر نهر 'مهران' الفاصل بينه وبين المسلمين، ويجد 'داهر' الذي كان على ظهر فيل كبير نفسه وجهاً لوجه مع محمد بن القاسم وجنوده، ويقتتل الفريقان قتالاً مهولاً لم تشهد مثله أرض السند من قبل ويرى 'داهر' جنوده صرعى من حوله تتخطفهم سيوف المسلمين، فنزل من على ظهر فيله المنيع ويقاتل بنفسه حتى يأتيه قدره المحتوم ويقتله المسلمون وينشد قاتله هذه الأبيات: ـ
الخيل تشهد يوم داهر والقنا *** ومحمد بن القاسم بن محمد
إني فرجت الجمع غير معرد *** حتى علوت عظيمهم بمهند
فتركته تحت العجاج مجندلاً *** متعفر الخدين غير موسد
وبمقتله أدرك المسلمون ثأرهم وانفتحت أمام بلاد السند على مصراعيها وقد قامت امرأة 'داهر' بحرق نفسها هى وجواريها ووقعت 'صيتا' ابنة داهر في الأسر.
بعد مقتل 'داهر' واصل محمد بن القاسم سيره ليحقق الهدف الأكبر والأبعد كما قلنا بعد أن أنتقم من عدو الإسلام 'داهر' ففتح مدينة 'راور' ثم 'رهماناباذ' ثم استسلم إقليم 'ساوندرى' وأعلنوا إسلامهم ثم 'سمند' ثم فتح محمد بن القاسم مدينة 'الملتان' وذلك بعد قتال عنيف إذ كانت معقل البوذية بالسند وغنم منها أموالاً طائلة حملت كلها إلى الحجاج وقدرت بمائة وعشرين مليون درهم، ومع الغنائم رأس الطاغية 'داهر' وكانت الحملة قد تكلفت ستين مليون درهم فقال الحجاج كلمته الشهيرة [شفينا غيظنا وأدركنا ثأرنا وازددنا ستين ألف ألف درهم ورأس 'داهر'.
[/center]
منقول عن - شرف عبد العزيز