أنس بن مالك
-----------------
أَنَسُ بنُ مَالِكِ بنِ النَّضْرِ بنِ ضَمْضَمٍ الأَنْصَارِيُّ
الإِمَامُ،
المُفْتِي، المُقْرِئُ، المُحَدِّثُ، رَاوِيَةُ الإِسْلاَمِ، أَبُو
حَمْزَةَ الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، النَّجَّارِيُّ، المَدَنِيُّ،
خَادِمُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَرَابَتُهُ
مِنَ النِّسَاءِ، وَتِلْمِيذُهُ، وَتَبَعُهُ، وَآخِرُ أَصْحَابِهِ مَوْتاً.
خدمته لرسول الله
وَكَانَ أَنَسٌ يَقُوْلُ:
قَدِمَ
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المَدِيْنَةَ وَأَنَا
ابْنُ عَشْرٍ، وَمَاتَ وَأَنَا ابْنُ عِشْرِيْنَ، وَكُنَّ أُمَّهَاتِي
يَحْثُثْنَنِي عَلَى خِدْمَةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
فَصَحِبَ أَنَسٌ نَبِيَّهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَتَمَّ الصُّحْبَةِ، وَلاَزَمَهُ أَكْمَلَ المُلاَزَمَةِ
مُنْذُ هَاجَرَ، وَإِلَى أَنْ مَاتَ، وَغَزَا مَعَهُ غَيْرَ مَرَّةٍ،
وَبَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ
وَعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَنَّانِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبَا حَمْزَةَ بِبَقْلَةٍ اجْتَنَيْتُهَا.
عَنْ
أَنَسٍ، قَالَ: قَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
المَدِيْنَةَ وَأَنَا ابْنُ ثَمَانِ سِنِيْنَ، فَأَخَذَتْ أُمِّي بِيَدِي،
فَانْطَلَقَتْ بِي إِلَيْهِ، فَقَالَتْ:
يَا رَسُوْلَ اللهِ! لَمْ
يَبْقَ رَجُلٌ وَلاَ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِلاَّ وَقَدْ أَتْحَفَكَ
بِتُحْفَةٍ، وَإِنِّي لاَ أَقْدِرُ عَلَى مَا أُتْحِفُكَ بِهِ إِلاَّ
ابْنِي هَذَا، فَخُذْهُ، فَلْيَخْدُمْكَ مَا بَدَا لَكَ.
قَالَ: فَخَدَمْتُهُ عَشْرَ سِنِيْنَ، فَمَا ضَرَبَنِي، وَلاَ سَبَّنِي، وَلاَ عَبَسَ فِي وَجْهِي.
حَدَّثَنَا الأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ مَوْلَىً لأَنَسٍ؛ أَنَّهُ قَالَ لأَنَسٍ: أَشَهِدْتَ بَدْراً؟
فَقَالَ: لاَ أُمَّ لَكَ، وَأَيْنَ أَغِيبُ عَنْ بَدْرٍ.
ثُمَّ
قَالَ الأَنْصَارِيُّ: خَرَجَ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إِلَى بَدْرٍ، وَهُوَ غُلاَمٌ يَخْدُمُهُ.
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ لأَنَسٍ: (يَا ذَا الأُذُنَيْنِ).
وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخُصُّهُ بِبَعْضِ العِلْمِ.
فَنَقَلَ
أَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَنَّهُ طَافَ
عَلَى تِسْعِ نِسْوَةٍ فِي ضَحْوَةٍ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ.
دعوة رسول الله له
حَدَّثَنَا
أَنَسٌ، قَالَ: جَاءتْ بِي أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أَزَّرَتْنِي بِنِصْفِ خِمَارِهَا،
وَرَدَّتْنِي بِبَعْضِهِ، فَقَالَتْ:
يَا رَسُوْلَ اللهِ! هَذَا أُنَيْسٌ ابْنِي، أَتَيْتُكَ بِهِ يَخْدُمُكَ، فَادْعُ اللهَ لَهُ.
دَعَا
لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ:
(اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَأَطِلْ حَيَاتَهُ).
فَاللهُ أَكْثَرَ مَالِي، حَتَّى إِنَّ كَرْماً لِي لَتَحْمِلُ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنَ، وَوُلِدَ لِصُلْبِي مائَةٌ وَسِتَّةٌ.
عَنْ
أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَى
أُمِّ سُلَيْمٍ، فَأَتَتْهُ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ، فَقَالَ: (أَعِيْدُوا
تَمْرَكُم فِي وِعَائِكُم، وَسَمْنَكُم فِي سِقَائِكُم، فَإِنِّي صَائِمٌ).
ثُمَّ قَامَ فِي نَاحِيَةِ البَيْتِ، فَصَلَّى بِنَا صَلاَةً
غَيْرَ مَكْتُوبَةٍ، فَدَعَا لأُمِّ سُلَيْمٍ وَأَهْلِ بَيْتِهَا،
فَقَالَتْ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! إِنَّ لِي خُوَيْصَّةً.
قَالَ: (وَمَا هِيَ؟).
قَالَتْ: خَادِمُكَ أَنَسٌ.
فَمَا
تَرَكَ خَيْرَ آخِرَةٍ وَلاَ دُنْيَا إِلاَّ دَعَا لِي بِهِ، ثُمَّ قَالَ:
(اللَّهُمَّ ارزُقْهُ مَالاً وَوَلَداً، وَبَارِكْ لَهُ فِيْهِ).
قَالَ:
فَإِنِّي لَمِنْ أَكْثَرِ الأَنْصَارِ مَالاً، وَحَدَّثَتْنِي أُمَيْنَةُ
ابْنَتِي: أَنَّهُ دُفِنَ مِنْ صُلْبِي إِلَى مَقْدَمِ الحَجَّاجِ
البَصْرَةَ تِسْعَةٌ وَعِشْرُوْنَ وَمائَةٌ.
أحسن الناس صلاة
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ:
مَا
رَأَيْتُ أَحَداً أَشبَهَ بِصَلاَةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنِ ابْنِ أُمِّ سُلَيْمٍ -يَعْنِي: أَنساً-.
وَقَالَ أَنَسُ بنُ سِيْرِيْنَ: كَانَ أَنَسُ بنُ مَالِكٍ أَحسَنَ النَّاسِ صَلاَةً فِي الحَضَرِ وَالسَّفَرِ.
وَرَوَى أن أَنَسٌ كَانَ يُصَلِّي حَتَّى تَفَطَّرَ قَدَمَاهُ دَماً، مِمَّا يُطِيلُ القِيَامَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
جَاءَ قَيِّمُ أَرْضِ أَنَسٍ، فَقَالَ: عَطِشَتْ أَرَضُوكَ.
فَتَرَدَّى
أَنَسٌ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى البَرِّيَّةِ، ثُمَّ صَلَّى، وَدَعَا،
فَثَارَتْ سَحَابَةٌ، وَغَشِيتْ أَرْضَهُ، وَمَطَرَتْ، حَتَّى مَلأَتْ
صِهْرِيْجَهُ، وَذَلِكَ فِي الصَّيْفِ، فَأَرْسَلَ بَعْضَ أَهْلهِ،
فَقَالَ: انْظُرْ أَيْنَ بَلَغَتْ؟
فَإِذَا هِيَ لَمْ تَعْدُ أَرْضَهُ إِلاَّ يَسِيْراً.
قَالَ هَمَّامُ بنُ يَحْيَى: حَدَّثَنِي مَن صَحِبَ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ، قَالَ:
لَمَّا أَحرَمَ أَنَسٌ، لَمْ أَقْدِرْ أَنْ أُكَلِّمَهُ حَتَّى حَلَّ مِنْ شِدَّةِ إِبْقَائِهِ عَلَى إِحْرَامِهِ.
أبو بكر يستعمله
عَنْ مُوْسَى بنِ أَنَسٍ:
أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيْقَ بَعَثَ إِلَى أَنَسٍ لِيُوَجِّهَهُ عَلَى البَحْرَيْنِ سَاعِياً.
فَدَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ، فَقَالَ: إِنِّيْ أَرَدْتُ أَنْ أَبْعَثَ هَذَا عَلَى البَحْرَيْنِ، وَهُوَ فَتَىً شَابٌّ.
قَالَ: ابعَثْهُ، فَإِنَّهُ لَبِيبٌ كَاتِبٌ.
فَبَعَثَه، فَلَمَّا قُبِضَ أَبُو بَكْرٍ، قَدِمَ أَنَسٌ عَلَى عُمَرَ، فَقَالَ: هَاتِ مَا جِئْتَ بِهِ.
قَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، البَيْعَةَ أَوَّلاً.
فَبَسَطَ يَدَهُ.
جرأته فى مواجهة الحجاج
كَتَبَ أَنَسٌ إِلَى عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ - لَمَّا آذَاهُ الحَجَّاجُ-:
إِنِّيْ
خَدَمْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تِسْعَ
سِنِيْنَ، وَاللهِ لَوْ أَنَّ النَّصَارَى أَدْرَكُوا رَجُلاً خَدَمَ
نَبِيَّهُم، لأَكْرَمُوْهُ.
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ، قَالَ:
كُنْتُ
بِالقَصْرِ، وَالحَجَّاجُ يَعْرِضُ النَّاسَ لَيَالِيَ ابْنِ الأَشْعَثِ،
فَجَاءَ أَنَسٌ، فَقَالَ الحَجَّاجُ: يَا خَبِيثُ، جَوَّالٌ فِي الفِتَنِ،
مَرَّةً مَعَ عَلِيٍّ، وَمَرَّةً مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَمَرَّةً مَعَ
ابْنِ الأَشْعَثِ؛ أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لأَسْتَأْصِلَنَّكَ
كَمَا تُسْتَأْصَلُ الصَّمْغَةُ، وَلأُجَرِدَنَّكَ كَمَا يُجَرَّدُ
الضَّبُّ.
كَتَبَ أَنَسٌ إِلَى عَبْدِ المَلِكِ:
قَدْ
خَدَمْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تِسْعَ
سِنِيْنَ، وَإِنَّ الحَجَّاجَ يُعَرِّضُ بِي حَوَكَةَ البَصْرَةِ، فَقَالَ:
يَا غُلاَمُ! اكْتُبْ إِلَى الحَجَّاجِ: وَيْلَكَ! قَدْ خَشِيتُ
أَنْ لاَ يَصْلُحَ عَلَى يَدَيَّ أَحَدٌ، فَإِذَا جَاءكَ كِتَابِي، فَقُمْ
إِلَى أَنَسٍ حَتَّى تَعْتَذِرَ إِلَيْهِ.
فَلَمَّا أَتَاهُ الكِتَابُ، قَالَ لِلرَّسُوْلِ: أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ كَتَبَ بِمَا هُنَا؟
قَالَ: إِي وَاللهِ؛ وَمَا كَانَ فِي وَجْهِهِ أَشَدُّ مِنْ هَذَا.
قَالَ: سَمْعاً وَطَاعَةً، وَأَرَادَ أَنْ يَنْهَضَ إِلَيْهِ.
فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ، أَعْلَمْتُهُ.
فَأَتَيْتُ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ، فَقُلْتُ: أَلاَ تَرَى قَدْ خَافَكَ، وَأَرَادَ أَنْ يَجِيْءَ إِلَيْكَ، فَقُمْ إِلَيْهِ.
فَأَقْبَلَ أَنَسٌ يَمْشِي حَتَّى دَنَا مِنْهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا حَمْزَةَ! غَضِبْتَ؟
قَالَ: نَعَمْ، تُعَرِّضُنِي بِحَوَكَةِ البَصْرَةِ؟
قَالَ:
إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُكَ كَقْولِ الَّذِي قَالَ: إِيَّاكِ أَعْنِي
وَاسْمِعِي يَا جَارَةُ، أَرَدْتُ أَنْ لاَ يَكُوْنَ لأَحَدٍ عَلَيَّ
مَنْطِقٌ.
وفاته
وَأَمَّا مَوْتُهُ: فَاخْتَلَفُوا فِيْهِ، فَرَوَى مَعْمَرٌ، عَنْ حُمَيْدٍ: أَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ.
وَقَالَ عِدَّةٌ - وَهُوَ الأَصَحُّ -: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ.
واخْتُلِفَ فِي سِنِّ أَنَسٍ، فَقَالَ بَعْضُهُم: بَلَغَ مائَةً وَثَلاَثَ سِنِيْنَ.
وَقَالَ بَعَضُهُم: بَلغَ مائَةً وَسَبْعَ سِنِيْنَ.
منقول