شعار الثورة الآن: طلع البلطجي اللي جواك
جريدة الوسط - بقلم / شرين عرفه
في إحدى المدارس الثانوية بالولايات المتحدة الأمريكية ..أجري استطلاع رأي بين طلاب المدرسة من البنين , وكان الاستطلاع يهدف إلى المقارنة بين ردع القانون و أثر الوازع الأخلاقي على الشباب في تلك المرحلة , وكان الاستطلاع عبارة عن مجموعة من الأسئلة منها سؤال يقول : لو علمت انه يمكنك ان تتحرش بزميلتك في مقاعد الدراسة دون أن يعاقبك القانون , هل تفعل ذلك ؟ فكانت النتيجة المذهلة هو أن سبعة طلاب من كل عشرة أجابو : ( نعم سأفعل ) .
وانتهى الباحث الذي قام بهذا الاستطلاع إلى نتيجة مفادها : أن تأثير الردع القانوني بشكل عام على الناس أقوى بكثير من الوازع الأخلاقي لديهم , وأنه بدون قانون وقوة رادعة تنفذه وتحميه تنهار حتما المجتمعات ,
فتعريف المجتمع عند علماء الاجتماع : هو الهيئة المنظمة من مجموعة من الأفراد , وعرفوا هذا النظام بأنه مجموعة القوانين التي تحكم هذا المجتمع , فباختصار : بدون قانون لا يوجد مجتمع , وإذا وجد القانون في مجتمع ما ولكن بدون قوة تحميه وتنفذه بعدل ومساواة على الجميع ينهار حتما هذا المجتمع .
كتبت في مقال سابق لي أنه بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير والتي كان شعارها ( عيش , حرية , عدالة اجتماعية ) وبعد نجاح الثورة وانهيار العصا الأمنية وسقوط رأس النظام , لم يصدق الشعب المصري أنه لأول مرة استطاع أن يقول ( لا ) لذلك النظام المستبد المتجبر , بعد أن حرم من قولها عقود من الزمان , فكانت دوما نتائج أي استفتاء لأي مستبد تخرج نتائجه باكتساح كلمة (نعم) بنسبة تسعة وتسعين فاصل تسعة وتسعين بالمائة حتى ولو لم ينطق بها الشعب من الأساس , ولسعادة الشعب الغامرة بتلك الكلمة التي حرم منها طويلا , أصبح شعار الثورة عند الشعب المصري هو ( أنا أقول لا , إذن أنا موجود ) . فهو معترض بشكل دائم على أي شئ وكل شئ .
ومع استمرار انهيار المنظومة الأمنية وتجرؤ الشعب على ممثلي القانون في البلاد , أصبحت ( البلطجة ) هي القانون الحاكم لحياة الناس , و أصبح شعار الثورة المصرية الآن هو : ( طلع البلطجي اللي جواك ) , وتنوعت البلطجة بشكل مذهل وعجيب بعد الثورة وأخذت أشكال متنوعة تثبت بحق أننا شعب عبقري ومبدع يستحق أن يصنع أول حضارة عرفها التاريخ , فلم يعد لدينا فقط ذلك الشكل التقليدي للبلطجي الذي يقف عاري الصدر والظهر ويمسك بيده اليمنى سيف أو سنجة وباليد اليسرى مولوتوف , بل زاد عليه في البلطجة والإجرام أناس آخرون ..يلبسون أفخر الثياب ويظهرون في أبهى حلة , ويقفون خلف الميكرفونات وأمام الكاميرات وممسكين بالأقلام ليخرجوا علينا كل يوم يقتحموا بيوتنا ويدنسوا أسماعنا و ينكدوا علينا حياتنا ببرامجهم المسمومة وأقلامهم المشئومة , فأصبح من الطبيعي أن ترى مذيع يخرج عليك يوميا ليفعل شئ واحد فقط : هو الندب والنواح على الثورة التي ضاعت لأنها جاءت بحاكم لا يهواه ثم التطاول والسباب والشتائم لهذا الحاكم وجماعته , فهو يستخدم برنامجه كزجاجة مولتوف يحرق بها الأرض حتى لا يهنأ ذلك الحاكم لحظة واحدة , وميكرفونه يخيل اليك أنه سنجة أو سيف يلوح به لذلك الحاكم ومن حوله : أن احذروني , ففي أي وقت يشاء فيه عقلي سأبعثر كرامتكم وأنسج حولكم الأكاذيب والإشاعات يوميا وسأحرض
الشعب وأهيج فئاته عليكم , لن أدعكم تنعمون لحظة واحدة , فيظل الحاكم و جماعته دوما في حالة دفاع عن النفس , لا يفعلون شيئا سوى نفي الإشاعات ونفض الأكاذيب عنهم وعمن حولهم , ويستضيف المذيع ذلك البلطجي ..أقصد الثورجي والذي يدعى ( ناشط ثوري ) وهو شاب عاطل عن العمل , مهمته الوحيدة في الحياة أنه يتظاهر نهارا ويرمي الاحجار والمولتوف عصرا ويخرج علينا في البرامج مساء يسب ويشتم الرئيس ويهدده ويتوعده ثم يبيت في الميادين ليلا , لا تراه يحمل رسالة , أو يقبل بأية حلول , ولا يرضيه شيئا...سوى إسقاط ذلك الرئيس.. الذي جاءت به الصناديق .
ولا يقل عنهم بلطجة هذا الذي يمسك قلمه ليخط به يوميا نفس تلك الإشاعات والأكاذيب والزور والبهتان , ليصنع منها واقعا يصدقه القارئ ويقتنع به المشاهد ..والذي يخيل إليه استحالة اجتماع كل هؤلاء على كذبة واحدة , وهو لا يعلم أن بين كل هؤلاء الأفاقين اتفاق ضمني على أن يقوم واحد منهم بصنع الكذبة والباقي ينقلها و يروج لها , بل وينسجون منها واقعا مزورا يستمرون فيه أياما وأيام , حتى يحين وقت اكتشاف الكذبة... لن تعرف مطلقا من هو الصانع الأول لها , وحين تكتشف زور وبهتان ما يقولون سيكونون بدأوا في صنع واقع جديد لكذبة جديدة تتوه في أقبيتها وتحتار في دهاليزها أياما أخر , ولن تعرف حينها ابدا ما هي الحقيقة , لأنك ببساطة.... تعيش في عصر : انحسار القانون وسيادة البلطجة .