تعرف على الإشاعة وماهى لتستطيع مواجهتهالأشاعة هي نشر الأخبار بدون تثبت , وغالبآ ما يكون ورائها مقاصد خطيرة , إذا تعد الإشاعة سلاحآ مهمآ في الحروب النفسية . وأصل الإشاعة من الشيوع وهوه الظهور والأنتشار , ثم استعملت في الأخبار التي تنتشر من غير تثبت , وعادة ما يكون انتشار الخبر بحسب موضوعه وأميته للجميع .
إلا أنه لن يترك لوضعه الطبيعي , وإنما عرف الناس فن صناعة الإشاعة وترويجها لتحقيق أغراض متنوعة , حتى برزت اليوم كجزءٍ من الحروب النفسية التى تديرها مؤسسات خبيرة ومفرغة لهذا الفن ولا شك أن امتنا الإسلامية اليوم تتعرض لهذا الغزو المنظم الذي يهدف الة تحقيق اهداف العدو المتنوعة في الفرد والأسرة والمجتمع في الرأي والموقف والسلوك وفي الولاء والبراء .. في السياسة والأقتصاد .. إلخ .
ويمكن تقسيم الإشاعة إلى مايلي :
1) الأشاعة المنفرة
وهذه النوع من الأشاعة لا أراه موجهآ إلى الصف نفسه , وإنما هو موجه إلى الناس الخارج للحيلوله بين هذا الصف والناس الأخرين , وهذا النوع لا يتورع فيه الخصم من الكذب الصارخ طالما أن المقصود التضليل الخارجي والذين في الخارج تخفى عليهم الحقيقة فيمكن أن تفعل فيهم الأشاعات فعلها . وفد اشاع المشركون اوصافآ منفرة من النبي كإشاعتهم أنه كاذب أو أنه ساحر ومجنون .
. (( أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين )) .
. (( أكان للناس عجبآ أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين أمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون إن هذا ساحر مبين )).
. (( أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة زمثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين * بل كذوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتيهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فنظر كيف كان عاقبة الظالمين )).
ويقول ابن اسحاق: (فأغروا برسول الله سفائهم فكذبوه وأذوه ورموه بالشعر والسحر والكهانة والجنون ).
وهكذا تكون هذه الإشاعات سنة متبعة عند المشركين في مواجهة الصفوة الذين اختارهم الله لحمل الأمانة وإنقاذ البشر .
وبها نفهم كيف يتجرأ اليوم المستشرقون وبعض وسائل الإعلام المعادية للأسلام على تزييف الحقائق ونشر الأكاذيب في العالم كله , إذ إن لن تملك تبيين هذه الحقيقة لكل الناس , إذا لا زالت تنقصها وسائل الإعلام والأتصال والترجمة وستؤثر هذه الإشاعات الباطلة في وضع الحواجز بين القلة الواعية والجمهور الغافلة .
2) الإشاعة المفرقة :
وهذا النوع من الإشاعة يوجه إلى داخل الصف بغية تفكيكه وإثارة القلاقل داخله . وقد عرف المنافقون في المدينة بهذا الدور الخطير , ولذا جائت مئات الأيات في القرأن الكريم لتلاحق هذه الفئة في جهرها وسرها وتبين جسم خطرها .
وقال تعالى : (( لئن لم ينتبه المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لايجاورنك فيها إلا قليلآ ). وهذا التحذير للمرجفين وهم الذين يروجون الأخبار الكاذبة داخل الصف المسلم يعطينا صورة للدور الذي كان يقوم به المنافقون في المدينة الذين لا يتركون فرصة لإثارة الفتن والمشكلات بيت المؤمنين إلا استغلوها حتى قال تعالى : (( لو خرجوا فيكم مازادكم إلا خبالآ ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم )).
والقرأن يبين أن هذا الإرجاف وتلك الفتنة ما كان لهما أن يجدا طريقهما إلى أهدافها لولا أن في داخل الصف من يسمع لهؤلاء !! والقرأن هنا يحذر من مكايد المنافقين ومن ضعف بعض المؤمنين الذين يستمعون لهذه الإشاعات على حد سواء .
وقد حصل هذا فعلآ يوم أن أطلق المنافقون شعارات الثأرات في غزوة بني المصطلق " المريسيع " حتى قال المهاجرون : يا للمهاجرين وقال الأنصار : يا للأنصار .
3) الأشاعات المثبطة :
وهذا النوع من الأشاعات يوجه إلى داخل الصف بغية تثبيطه وتوهين عزيمته , ويعرف هذا النوع في أيام الأزمات والحروب وهو الذي يعد اليوم من أبرز أسلحة الحرب النفسية ويعد من اخطر أنواع الإشاعات لدقة الظرف الذي تعمل فيه , وعدم إتاحة إلفرصة الكافية لمعالجة الأثار السريعة المترتبة عليه ونماذج ذلك في القرأن الكريم عديدة منها قوله تعالى : (( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفائن مات انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئآ وسيجزي الله الشاكرين )) ( ال عمران -144). فإن سبب نزول الأية ما أشاعه المشركين من أن النبي قد قتل.
((الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فخشوهم فزادهم إيمانآ وقالو حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضللم يمسسهم سوء واتبعوا رضوام الله والله ذو فضل عضيم )).
4) الإشاعة الفاحشة :
وقد أخذت لها هذا الأسم من قوله تعالى : (( إن الذين يحبون ان تشيع الفاحشه في الذين أمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والأخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون )).
وشيوع الفاحشة معناه هنا القذف , يدل عليه أن هذه الأيه نزلت في قصة الإفك ولذا قال مجاهد وابن يزيد
الإشارة بهذه الأيه إلى المنافقين عبد الله بن أبي ومن أشبهه ) , وقال ابن عطية : ( فحبهم شياع الفاحشة في المؤمنين متمكن على وجهه لعداوتهم في اهل الإيمان ).
وهذا النوع تكمن خطورته في انه يمس الجانب الأخلاقي وقد يكون له نت الأثار مالايقال عن الأنواع الأخرى , فهو قد يؤدي إلى التنفير وتشويه السمعه , ويؤدي إلى إرباك الصف وإضطرابه ، ويؤدي إلى توهين العزائم بالإضافة إلى الأذى الذي يحدثه في اعماق النفوس ، ونموذج هذا النوع من الإشاعة : قصة يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز والكيد العظيم الذي جاءت به من قولها سرآ ليوسف ((هيت لك )). ولنموذج الثاني هو حادثة الإفك وهي حادثة شهيرة وقعت في غزوة بني المصطلق " المريسيع".
منهج القرأن الكريم في الوقاية من الإشاعة :
لقد علم القرأن المسلمين خطورة هذا النوع من الحرب وبين لهم ما يعصمهم ويقيهم ويجعل كلمتهم هي الأعلى وشوكتهم هي الأقوى ، ولا نستطيع هنا أن نلم بكل ما جاء به القرأن في هذا المجال ، إلا أننا سنشير إلى أبرز معالم المنه القرأني في هذا بأختصار . فلقد حرص القرأن على تحصين أتباعه من التأثر بكيد الأعداء ومكرهم ، وعمل على بناء الشخصيه القوية والمجتمع المترابط المتين الذي يعجز خصومه أن يجدوا في جداره ثغرة أو خرقآ ولنأخذ بعضآ من معالم هذا
البناء والتحصين :
1) زرع عقيدة الإيمان يالله ورسوله واليوم الأخر في نفوس المؤمنين فالأيمان بالله الخالق القدير العليم يربي الإنسان الموصول بالله المتوكل عليه الذي لايخشى إلا الله ولا يستعين إلا به ، وأنه سبحانه القادر الوحيد على تيسير النعمة أو دغع النقمة (( وما النصر إلا من عند الله )) ، ((وما بكم من نعمة فمن الله )).
2) التأكيد على موالااة المؤمنين والبراءة من الكافرين والمنافقين ففي الولاء للمؤمنين أمنوا * ومن يتول الله ورسوله والذين أمنو فإن حزب الله هم الغالبون )).
ولقد لخص القرأن الولائين أو الولاء والبراء في معرض مدحه لأصحاب رسول الله فقال : (( محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم )).
3) نظام العبادة في الإسلام , فلا تكاد توجد عبادة في الأسلام إلا وفيها تأكيد النقطة الأولى "العقيدة"والنقطة الثانية "الولاء والبراء " .
4) نظام الأخلاق الإسلامي فقد أقام الإسلام نظامآ متكاملآ ومتربطآ لتحصين الفرد والأسرة والمجتمع وتوطيد البناء للأمة المسلمة حتى تكون كالبنيان المرصوص والأمثلة كثيرة منها قول الله تعالى
( يا ايها الذين أمنوا لايسخر قوم من قوم عسى أن يكوموا خيرآ منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرآ منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الأسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون )).
5) درء المفسدة وعدم إعطاء العدو المادة التي يمكن أن يحولها إلى دعاية لصالحه ، وخير مثل على هذا أن شيخ المنافقين عبد الله بن أبي بين سلول قد قال غير مرة كلمة إلكفر وأذى رسول الله في شخصه وأهل بيته وأتباعه وكلما أشار المسلمون على رسول الله بقتله قال : ( لا يتحدث الناس أن محمدآ يقتل اصحابه ).
6) الوعي العام الذي يحرص القرأن على نشره في صفوف المجتمع الإسلامي لاسيما ذلك الوعي المتعلق بأصناف الأعداء وتاريخهم ونفسياتهم ووسائلهم ، ويكفي أن ننظر في قصص الأنبياء لنجد أصنافآ من المنافقين في وجه دعوة الحق ، فالقبيلة الجاحدة العنود كما في عاد وثمود ثم السلطان والجيش والسحر كما في مواجهة موسى عليه السلام مع فرعون ، ثم الإخوة الحاسدون والنسوة الماكرون كما في قصة يوسف عليه السلام . فالداعية المعاصر قد يواجه أي صنف من هذه الأصناف ولذا قدم له القرأن التجربة الرائدة للصفوة الأطهار من الرسول الكريم عليهم الصلاة والسلام .
إن القرأن الكريم قد وضح لنا قاعدة ذهبية لمكافحة جميع انواع الإشاعات و‘بطال مفعولها بسرعة قبل أن تتمكن في المجتمع وهذه القاعدة هي : التكذيب الفوري للأشاعة اعتمادآ على سوؤ الظن بمصدرها وحسن الظن بالمؤمنين.
أن هناك من يظن أن منهج الإسلام إزاء الإشاعات التي يطلقها العدو هو التثبيت والتحقيق والمحاكمة القضائية ولكن الذي يعرف طبيعة الحرب النفسية وأهدافها يعلم أن هذا المنهج غير سديد ، لأنه في الكثير من الأحيان تكون الأشاعة قد أتت ثمارها السيئة وفعلت فعلها في النفوس قبل أن يتمكن رجال التحقيق من الوصول إلى الحقيقة .
أن الحديث والبحث في هذه الموضوعات يحتاج إلى دراسات وبحوث لا مقالات ولكن أستخلص من هذا المقال البسيط ما يلى :
1) يعد موضوع الإشاعة من الموضوعات الخطيرة التي اهتم بها القرأن الكريم اهتمامآ كبيرآ وبكل أنواعها وأصنافها .
2) كشف القرأن منابع الإشاعة ودوافعها وغاياتها الحقيقية وربطها بطبيعة الصراع الذي يحوضه الإسلام على هذه الأرض مع أصناف الكافرين والمنافقين .
3) اعتماد القرأن منهجيآ وقائيآ محكمآ من خلال بناء الفرد المؤمن الموصول بعقيدته ثم بناء الصف المتراص وكثيرآ ما يربط القرأن بين هذين المعنيين " إنما المؤمنون إخوة" فالإيمان والأخوة متلازمان في التصور والعبادة والسلوك.
5) أشاع القرأن الوعي عند المسليمن بما يجري حولهم وما يخطط لهم ، فتحدث بالتفصيل عن المشركين والمنافقين واليهود والنصارى والأعراب وكشف كثيرآ من التحالفات والخلافات .
6) كافح القرأن الإشاعات المعادية والمؤذية بمنهج تفصيلي واضح مبتدئآ بوجوب تكذيب الإشاعة فورآ اعتمادآ على حسن الظن بالمؤمنين وسوء الظن بمروجي الإشاعات والحذر منهم وانتهاء بإيقاع العقوبات الرادعة كحد القذف مثلآ.
7) رسم القرأن منهجآ لمعالجة أثار هذه الأشاعات فشجع المؤمنين على الصفح والصلح ونسيان الماضي والأنشغال بما هو خير .
منقووووووووووول