عهد أحمد حسن البكر (7 تموز 1968 ـ 1979 م):
استطاع البعثيون وضع يدهم على البلاد من جديد، وتسلم زمام الأمور أحمد حسن البكر وكان من أنصاره حردان التكريتي وصالح مهدي عماش وصدام حسين. ومن أهم العقبات التي واجهت البكر القضية الكردية، إذ عاد القتال مع الأكراد في تشرين الأول 1968 وازداد ضراوة واستمر مدة عامين، وقد اتهمت الحكومة الأكراد بالتمرد والتعامل مع إيران وإسرائيل. وفي 11 أذار 1970 جرى اتفاق بين الحكومة (برئاسة البكر نفسه) والأكراد منحوا على إثره حكماً ذاتياً وتقرر أن تكون مدينة اربيل عاصمة إقليمهم واشترط عليهم تطبيق هذا الاتفاق بدءاً من أذار 1974. أي بعد أربع سنوات إلا أن هذا الاتفاق لم يطبق فيما بعد وعادت المعارك بين الجانبين. وفي مطلع عام 1971 قتل حردان التكريتي في حادث طائرة، ثم أعفي صالح مهدي عماش عن مهامه بعد ستة أشهر وكذلك عبد الكريم الشيخاني، فخلا الطريق بذلك أمام صدام حسين التكريتي الذي أصبح نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة.
وفي أول حزيران 1974 أعلن البكر تأميم النفط وقد نتج عن ذلك وعن مجمل السياسة الاقتصادية قفزات كبيرة في مستوى الدخل الفردي. وعندما اندلعت حرب تشرين 1973 أرسل البكر قوات عسكرية عراقية للمشاركة في القتال. وعلى إثر اتفاقية كامب دايفيد بادر حزب البعث في العراق إلى الدعوة لمؤتمر قمة عربية عقدت في بغداد أدت إلى تقارب سوري عراقي بهدف الحفاظ على تماسك الصف العربي. وأدت القمة إلى قطع الصلات العربية مع مصر.
عهد صدام حسين (16 تموز 1979 م ـ ....):
في 16 تموز 1979م. أعلن أحمد حسن البكر تنحيه عن الرئاسة لصالح نائبه ورفيقه صدام حسين. وسرعان ما أعلن فيما بعد عن (مؤامرة رفاق سابقين وانقلاب أبيض). وقد تعامل الرئيس الجديد بسرعة وحزم فأعدم عدداً من المتآمرين وثبت موقعة في الرئاسة.
ـ حرب العراق إيران ـ أيلول 1980:
كانت مسألة العلاقة مع إيران من المسائل الرئيسية التي واجهها صدام حسين منذ تسلمه الرئاسة. فاتفاقية الجزائر بنظر الرئيس العراقي لم يطبقها الجانب الإيراني إذ إنه لم ينسحب إلى المواقع المتفق عليها. وكذلك فإن النظام البعثي في بغداد كان متخوفاً من الثورة الإسلامية الجديدة التي قلبت نظام الشاه واستولت على الحكم.
أعلن النظام العراقي عن نقضه لاتفاقية الجزائر وأعلن الحرب ضد إيران وذلك في 17 كانون الثاني 1980م. وقد ظلت هذه الحرب مستمرة حتى 18 تموز 1988 إذ أعلنت إيران من جانبها قبول وقف اطلاق النار وإنهاء الحرب معلنة بطريق غير مباشر عن هزيمتها أمام العراق الذي وافق على مبادرة الأمم المتحدة في 6 آب 1988. وقد كانت نتائج هذه الحرب مذهلة وكبيرة لكلا الطرفين اللذان تكبدا خسائر جمة.
فقد سقط لإيران بين 1980 و1988 ما لا يقل عن 400,000 قتيل مقابل 300,000 قتيل عراقي. أما فيما يخص الخسائر المادية فقد كلفت الحرب إيران حوالي 400 بليون دولار أمريكي وكلفت العراق من جهته 193 بليون دولار أمريكي.
أما عن النتائج السياسية فإن هذه الحرب قد فرقت الدول العربية إذ أن دول الخليج العربي كانت تدعم النظام العراقي بشكل كبير ومتواصل وخاصة السعودية والكويت. وكذلك وقفت مصر والأردن إلى جانب العراق في حربه. في حين وقفت سوريا إلى جانب إيران ضد العراق (خاصة أن العلاقات بين البلدين كانت قد قطعت إثر إعلان العراق عن إحباطه محاولة انقلاب بدعم من سوريا رغم إنكار سوريا لذلك إلا أن الخلاف كان قد ظهر بين البلدين).
حرب الخليج الثانية 2 آب 1990:
طمع الرئيس العراقي صدام حسين بالكويت، خاصة بعد رفض أمير الكويت الشيخ جابر الصباح إلغاء ما كان يتوجب على العراق من ديون عليها للكويت (15 مليار دولار) إضافة إلى الدين الخارجي البالغ حوالي 35 بليون دولار.
فقامت الجيوش العراقية في 2 آب 1990 بغزو الكويت الأمر الذي أدى إلى سقوط العديد من القتلى في صفوف الكويتيين (منهم الشيخ فهد الصباح شقيق الأمير جابر)، ولجأت الحكومة الكويتية إلى الرياض حيث ناشدت المجتمع الدولي بالتدخل لوقف الكارثة.
في 6 آب أعلن مجلس الأمن الدولي فرض الحظر الشامل على العراق وإقفال أنابيب النفط العراقية.
رفض الرئيس العراقي جميع المبادرات الدولية والعربية لحل الأزمة سلمياً والانسحاب من الكويت. وكانت من هذه المبادرات مبادرة مهمة من الرئيس السوري حافظ الأسد. إلا أن الرئيس العراقي رفض كل هذه المبادرات وأعلن الجهاد المقدس.
معركة عاصفة الصحراء:
في 25 آب سمح مجلس الأمن باستخدام القوة العسكرية لفرض الحظر على العراق. وأعلنت الولايات المتحدة عن حشد قواتها العسكرية لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي، إلى جانب الولايات المتحدة ضم هذا التحالف 27 دولة عربية وأجنبية وفي 16 كانون الثاني 1991 بدأت عملية عاصفة الصحراء العسكرية ضد العراق. وقد استخدمت في هذه الحرب أحدث الآلات والمعدات العسكرية من طائرات وصواريخ وبوارج ومدرعات....
وفي 24 شباط بدأ الهجوم البري في الأراضي الكويتية، وسرعان ما بدأ الجيش العراقي بالتراجع أو بالاستسلام وفي 27 شباط دخلت القوات الكويتية تساندها قوات التحالف مدينة الكويت العاصمة.
وفي الساعة الثالثة من 28 شباط أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش وقف العمليات العسكرية لدول التحالف ضد العراق.
خسائر العراق بعد هذه الحرب:
20,000 قتيل و60,000 جريح (حسب المصادر العراقية).
100,000 قتيل (حسب المصادر الأمريكية).
175,000 أسير.
139 طائرة حربية + لجوء 115 طائرة إلى إيران.
8 طوافات.
74 باخرة حربية.
208 دبابة.
1140 قطعة مدفعية.
العراق بعد العاصفة:
استمر الحصار المفروض على العراق (منذ 6 آب 1990 عقب الاجتياح للكويت)، وقد رفضت الأمم المتحدة ـ وبضغط واضح من الولايات المتحدة ـ أي مبادرة أو حل لفك هذا الحصار أو التخفيف من أعباءه، فتفاقمت الأوضاع الاقتصادية بشكل مأساوي، وبدأت نتائج هذا الحصار تظهر في نقص الأدوية والمواد الغذائية والمواد الأولية، الأمر الذي أدى إلى موت الآلاف من أفراد الشعب العراقي غالبيتهم من الأطفال الصغار وكبار السن.
وكانت الحجج التي تتذرع بها الولايات المتحدة لرفض فك الحصار عن العراق، الاعتراض الذي طالما أبداه العراق على اللجنة الدولية الخاصة المكلفة بإزالة الأسلحة العراقية المحظورة. وقد عملت هذه اللجنة على إزالة عدد كبير من الأسلحة العراقية ولمدة طويلة، إلا إنها كانت بين الفترة والأخرى تعود أدراجها إلى نيويورك مدعية أن السلطات العراقية تمنعها من القيام بعملها كما يجب، فتمنعها من دخول القصر الفلاني أو المكان الذي تريد.
وبعد تعالي الصرخات والأصوات المنادية لحماية الإنسانية، وبعد صور الجنازات الجماعية للأطفال العراقيين، وافق مجلس الأمن الدولي على «اتفاقية النفط مقابل الغذاء» في كانون الأول 1996. فحددت بعض أنواع الأغذية والأدوية التي تم بيعها للعراق مقابل كمية محددة من النفط.
الضربات العسكرية مجدداً:
تسارعت الأحداث بشكل كبير، عندما أعلن العراق أواخر عام 1998، أن لجنة نزع الأسلحة العراقية «أونسكوم» تعمل بالتجسس على العراق لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، وأُعلن عن طردها من العراق، وعن رفضه للتعامل معها بشكل مطلق. وبعد عدة تحذيرات وتهديدات للعراق من الولايات المتحدة وبريطانيا بمعاودة قصف المنشآت العراقية إن بقي النظام العراقي على موقفه. قامت القوات العسكرية من جديد بقصف أهداف عراقية وذلك من البوارج الحربية المنتشرة في الخليج في 15 كانون الأول 1998. ثم تبع ذلك غارات جوية يومية ومكثفة من القوات الأمريكية والبريطانية على الأراضي العراقية في الشمال والجنوب والوسط. ما أدى إلى وقوع المزيد من الضحايا في صفوف المدنيين العراقيين.
وتواصلت العمليات العسكرية على العراق ولغاية ساعات قليلة قبل بداية شهر رمضان المبارك حيث توقفت إكراما للشهر.
وكانت الولايات المتحدة قد صرحت بأنها ستعمل على تغيير النظام العراقي فعملت على تقوية ودعم المعارضة ولكن دون جدوى.
الخسائر العراقية من جراء الحظر:
إزاء الظروف المأساوية التي يمر بها الشعب العراقي عقب الحظر الاقتصادي المفروض عليه منذ شهر آب 1990 بلغت حصيلة الضحايا حتى آب 1999 ما يقارب من مليون و187 ألفاً و486 شخصاً، وتضاعفت نسبة وفيات الأطفال قد عما كانت عليه من قبل بسبب الحصار.
وأما الخسائر المالية جراء الخطر النفطي المضروب عليه من آب 1990 فقد تجاوزت 200 بليون دولار حتى آب 1999، نتيجة توقف الصادرات النفطية طيلة هذه الأعوام، إضافة إلى تعطل التجهيزات النفطية، وانخفاض القدرة الانتاجية للحقول وطاقة التصدير في موانئه.
وأما إذا احتسبت الصادرات غير النفطية، فإن الخسائر ستزيد حتى 250 بليون دولار، علماً أن العراق يعد ثاني أكبر قوة نفطية في العالم بعد المملكة العربية السعودية.
غزو العراق وسقوط بغداد:
منذ وصول الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن إلى البيت الأبيض وهو يحاول التأثير على مجلس الأمن لكي يصدر المجلس قراراً يجيز تنظيم حملة عسكرية تطيح بنظام الرئيس صدام حسين، إلا أن مجلس الأمن لم يحقق له رغبته هذه بسبب معارضة كل من فرنسا وروسيا والصين وتهديدهم باستخدام حق النقض (الفيتو) مما دفع الولايات المتحدة بالتنسيق مع إنكلترا واستراليا وبعض الدول الأخرى إلى شن حملة عسكرية على العراق بحجة نزع أسلحة الدمار الشامل التي يملكها دون صدور قرار من مجلس الأمن يجيز ذلك. وتم بالفعل غزو العراق وسقطت بغداد بتاريخ 9/4/2003م.
وتمكنت القوات الأمريكية عشية يوم السبت 13 كانون الأول 2003؛ أي بعد 8 أشهر من سقوط بغداد في قبضتها، من اعتقال الرئيس العراق المخلوع صدام حسين الذي كان يختبئ في منزل يقع على بعد 15 كيلومترا في بلدة الدّور بجنوب مدينة تكريت، مسقط رأسه.