بسم الله الرحمن الرحيم
اهتم الشارع بالعقل اهتماماً بالغاً فجعله مناط التكليف ، وأحد الضرورات الخمس التي جاءت الشرائع بحفظها ورعايتها ، وقامت عليها مصالح الدين والدنيا ، وخاطب الله أصحاب العقول والألباب وأثنى الله عليهم في غير ما آية من كتابه .
ومع ذلك فإن للعقل حدوداً لا يتعداها ، ومواطنَ ينتهي إليها ، ولا سبيل له إلى إدراك كل مطلوب ، ولهذا أنزل الله الكتب وأرسل الرسل ، فلولا الرسالة لما اهتدى العقل إلى معرفة تفاصيل أركان الإيمان ، وشرائع الإسلام ، وما يتعلق بالساعة والمعاد والبعث والحساب والجزاء وغير ذلك من أمور الغيب
ومع أن عقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم هو أكمل العقول وأزكاها على الإطلاق ، إلا أن الله سبحانه أخبر أنه قبل الرسالة ما كان يدري ما الكتاب ولا الإيمان ، يقول جل وعلا :{وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم } ( الشورى 52) ، وبين أنه لم يحصل على الهداية إلا بالوحي والشرع الذي جاءه من عند الله ، قال سبحانه :{قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي إنه سميع قريب } (سـبأ 50)
فالعقل إذاً لا يصح إن يُجعَل حاكماً بإطلاق ، بل الحاكم هو الشرع والعقل تابع له ، وما مثله في ذلك إلا كمثل ضوء الشمس مع العين ، فالشرع هو الشعاع الذي يضيء للعين لكي ترى وتبصر ، ويستحيل بدونه أن يدرك مالا يقدر عليه من المعارف .
وإذا كان الأمر كذلك فإن من أخطر مظاهر الانحراف وعدم الاستسلام الكامل للشريعة ، تقديم العقل ، وتحكيمه في أمور النقل ، وردُّ بعض الأحاديث الصحيحة أو تأويلها بحجة مخالفتها للعقول ، من غير تمييز بين ما يستطيع العقل أن يدركه ، وما لا يستطيع
وقَدَمُ الإسلام لا تثبت إلا على ظهر التسليم والاستسلام كما قال الإمام الزهري رحمه الله في كلام جامع يبين القاعدة في هذا الأمر : " من الله الرسالة ، ومن الرسول البلاغ ، وعلينا التسليم
وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم- في أحاديث كثيرة - بظهور المسيح الدجال ، ومكان خروجه وصفته ، وأتباعه ، وفتنته ، وبعض الخوارق التي يجريها الله على يديه ، وسبل الوقاية من هذه الفتنة ، ثم هلاكه ومقتله على يد نبي الله عيسى عليه السلام ، وكل هذا مروي من طرق متكاثرة في الصحيحين وغيرهما من كتب السنة المعتمدة .
بعض الأحاديث الواردة في الدجال
فمما جاء في صفته ما رواه البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال : ( بينا أنا نائم رأيتني أطوف بالكعبة ، فإذا رجل آدم سبط الشعر بين رجلين ينطف رأسه ماء ، فقلت من هذا ؟ قالوا : ابن مريم ، فذهبت ألتفت فإذا رجل أحمر جسيم جعد الرأس أعور العين اليمنى ، كأن عينه عنبة طافية ، قلت : من هذا ؟ قالوا : هذا الدجال أقرب الناس به شبهاً ابن قطن ) رجل من خزاعة ، وفي حديث أنس رضي الله عنه : ( وإن بين عينيه مكتوب كافر ) ، وفي رواية : ( ثم تهجاها ( ك ف ر ) يقرؤه كل مسلم )
ومما جاء في مكان خروجه قوله- صلى الله عليه وسلم - في رواية للترمذي من حديث أبي بكر : ( الدجال يخرج من أرض بالمشرق ، يقال : لها خراسان ، يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرقة )
ومما جاء في أتباعه قوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم عن أنس : ( يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة ) .
ومما جاء في فتنته قوله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه مسلم عن حذيفة رضي الله عنه : ( الدجال أعور العين اليسرى ، جفال الشعر ، معه جنة ونار ، فناره جنة ، وجنته نار ) ، و لمسلم أيضاً عن حذيفة : ( لأنا أعلم بما مع الدجال منه ، معه نهران يجريان ، أحدهما رأي العين ماء أبيض ، والآخر رأي العين نار تأجج ، فإما أدركن أحد ، فليأت النهر الذي يراه ناراً ، وليغمض ، ثم ليطأطئ رأسه ، فيشرب منه ، فإنه ماء بارد )