الأهرام
هو ضابط برتبة لص.. ضرب بالقسم الذي قطعه علي نفسه بأن يكون مثالا
للشرف والأمانة وصحوة الضمير عرض الحائط وأعطي ظهره للنزاهة والحق وأداء
الواجب الوطني.. ورغم أنه ارتدي زي ضابط إلا أنه تلفح بخصال اللصوص وقطاع
الطرق.. وسرت دماء الجريمة في عروقه حتي زاغ بصره علي المال الحرام وهوي
في بئر الإجرام.. وبدلا من يتفرغ لملاحقة اللصوص والقبض عليهم.. أصبح
واحدا منهم.. ولكن بزي رسمي وسلاح مرخص وسيارة يقودها سائق ليستخدمها في جرائمه التي
يندي لها الجبين.. وبتفكيره الشيطاني وطمعه وحبه للمال وضع رأسه وأسرته في
الوحل واندست سمعة العائلة في التراب وجلب لها العار أبد الدهر ليتحول
اللقب من باشا أو بيه إلي لص!!
السطور التالية تسرد قصة ضابط شرطة شاب.. ما زال في مقتبل العمر برتبة
ملازم أول.. سقط في لمح البصر من القمة إلي الهاوية بعد أن وقفت له عدالة
السماء بالمرصاد واقتصت منه وكشفت أمره أمام رؤسائه وزملائه وعائلته ليكون
عبرة لكل من تسول له نفسه خيانة الواجب.
نحرت الذبائح.. وتعلقت الزينات.. ورنت أصوات الزغاريد في منزل العائلة
الكبيرة.. وتوافد الآلاف من الأقارب والأحباب والجيران لتقديم التهنئة
والمباركات.
ها هو الابن الأكبر قد تخرج في كلية الشرطة وارتدي البدلة البيضاء وحمل
السلاح الميري وبات للعائلة والجيران.. ظهر في مديرية الأمن.. وتباهي به كل
من حوله.. الأم بالدعوات وأن يحميه الله من شر نفسه.. وكان قلبها الطاهر
يشعر بالشر المدفون في قلب فلذة الكبد ـ والأب يتباهي بابنه الأكبر بين
زملائه ـ والأشقاء والشقيقات يتفاخرون بالسند والحماية ـ والجيران واحد
منهم يتباهي بأنه كان زميله في المدرسة.. وآخر يتفاخر أنه كان يلعب معه في
الشارع فترة طفولتهما.. ولم يدر بخلد الجميع أنه سوف يأتي اليوم الذي
يتنصلون منه ويلعنون اليوم الذي رأوه فيه من قبل بعد سقوطه في الوحل.
... بدأ الابن الأكبر رحلة عمله وبسبب عدم التزامه تم نقله من ادارة الأمن
المركزي إلي قوات الأمن بإحدي مديريات الأمن في القاهرة الكبري.. وكان
يستقل سيارة الشرطة البوكس.. ومعه سائق لتفقد الحالة الأمنية في شوارع
الجيزة ولم يرضه راتبه الحلال الذي يتقاضاه ولا المكافآت ولا الحوافز وزاغ
بصره علي المال الحرام.
فهو يري اللص في لمح البصر يستحوذ علي آلاف الجنيهات والمجوهرات ويهرب دون
أن يقبض عليه أحدا.. فلماذا لا يجمع المال وهو محصن بوظيفته ويستحيل كشف
أمره.. فهو يسير في الشوارع دون رقيب عليه من عمله سوي المولي عز وجل.
... عقد الضابط العزم علي استغلال وظيفته وجمع الأموال والمجوهرات ووقع
اختياره علي منطقة المنيل خاصة شارع عبدالعزيز آل سعود.. فهو يسكنه
الأغنياء وعلية القوم وابناؤهم من الذكور يتحلون بالسلاسل والانسيالات
الذهبية ومصروف الصغير فيهم أكثر من مائتي جنيه شهريا.. وقرر أن يتخذ من
هؤلاء الصبية والشباب فريسة له.
استغل الضابط اللص البوكس وبجواره كان يجلس عسكري يقود السيارة حتي شاهد
مجموعة من الصبية يقفون أمام أحد الأندية بشارع عبدالعزيز آل سعود.. واقترب
منهم وشاهدهم وتبدو عليهم علامات الثراء.. ونزل من السيارة وطلب من السائق
أن يسير ويقف في مكان بعيد بزعم انهاء مأموريته.. واقترب من الصبية من
طلبة المدارس الثانوية والجامعات.. وظهرت عليهم علامات الخوف عندما وقف
أمامهم فجأة وهو يلوح بسلاحه الميري وطلب منهم الثبات وعدم الجري لأن من
يحاول الفرار فسوف يسقط قتيلا برصاصات مسدسه.
أخرج الضابط اللص الكارنيه الخاص به وهو يحمل صورته ورتبته الشرطية وعليه
خاتم وزارة الداخلية.. وأكد للشباب أنه معاون مباحث ـ قسم شرطة مصر
القديمة.. وطلب بطاقات تحقيق شخصياتهم.. وعلي الفور أخرج الشباب بطاقاتهم..
منهم من هو في الجامعة الفرنسية والألمانية والقاهرة.. ولم يجد الضابط
مبررا يقول لهم.. فاتهمهم بحيازة مواد مخدرة وأسلحة بيضاء.. وكاد الطلبة
يغشي عليهم من الصدمة.. فكيف سولت له نفسه أن ينطق بكلمة مخدرات وهم حتي لا
يشربون القهوة أو الشاي وانخرطوا في بكاء مرير خاصة عندما حاول الاتصال
بسائقه كي يحضر ليرميهم داخل البوكس ويناموا في التخشيبة.. وطلب منه أحد
الشباب الاتصال بوالده إلا أنه التقط التليفون المحمول من يديه وصفعه علي
وجهه.
تظاهر الضابط برقة القلب أمام الشباب والحرص علي مصلحتهم.. وطلب منهم ما
يتحلون به من سلاسل وانسيالات ذهبية وتليفوناتهم المحمولة وجمع منهم مبلغ
خمسمائة جنيه نظير عدم تحرير محضر ضدهم وأوهمهم أنه سوف يحتفظ بتلك الأشياء
حتي ينتهي من عمل التحريات اللازمة نحوهم.. وإذا تبين أنهم ليسوا من
محترفي الاجرام فسوف يعيد الأشياء إليهم.. أما إذا تبين تورطهم في تجارة
المخدرات فسوف يحضر ثانية للقبض عليهم. ولأن الطلبة ما زالوا أبرياء ولم
يتلوثوا بالكذب والخداع صدقوا الضابط النصاب وأعطوه متعلقاتهم.. وفي لمح
البصر اختفوا من أمام عينيه خشية من بطشه. راح كل واحد منهم يسرد خيبة أمله
لأسرته.. وظنت الأسر المرموقة أنه ضابط مزيف ويرتدي بدلة مزيفة واكتفت
الأسرة برفع أيديهم إلي السماء للتضرع إلي يالله بالدعاء أو يقع ذلك اللص
وتقتص منه عدالة السماء.. واستجاب المولي للدعوات.. ولكن كيف؟!!
بعد يومين من ارتكاب الضابط لجريمته عاد ثانية لشارع عبدالعزيز آل سعود..
وشاهد مجموعة من الصبية يقفون حول سيارة فارهة يمتلكها أحدهم.. فاقترب منهم
وحاول ارتكاب نفس الجريمة.. ولحظه التعس كان بين الشباب شابان كانا من
ضحاياه في جريمته الأولي.. فصاحا بين زملائهما.. هذا الضابط لص وعندما حاول
الشباب ضبطه لاذ بالفرار ولم يجدوا أمامهم سوي بوكس الشرطة والعسكري..
فقاموا بامساكه واقتادوه بالقوة وهو مكبل بالحبال لقسم شرطة مصر القديمة..
واعترف المجند بجرائم الضابط قائلا:
إن الضابط اللص كان يسير في شوارع المنيل3 وعندما يري مجموعة من الشباب لا
تزيد أعمارهم عن عشرين عاما ينزل من السيارة ويطلب منه السير والوقوف
بالسيارة في مكان بعيد عنه بزعم انهاء مأموريات خاصة.. وبعد ساعة علي
الأكثر كان يستقل الضابط معه السيارة ويطلب منه السير بسرعة والخروج من
منطقة المنيل في لمح البصر.
تحريات المباحث كشفت أن الضابط كان يعمل بقوات الأمن المركزي إلا أنه
ارتكب عددا من الجرائم المشابهة وتم نقله إلي قوات الأمن لتأديبه وردعه..
إلا أنه لم يرتدع حتي سقط بالمصادفة في منطقة المنيل.
عندما أدرك الضابط أن المجند تم القبض عليه واعترف عليه أمام قسم الشرطة
قام بتسليم نفسه حتي لا يثير قلق عائلته معتقدا أنه سوف يخرج من جريمته
بأكاذيب وادعاءات باطلة.. وأحيل إلي نيابة مصر القديمة بإشراف المستشار
طارق أبو زيد ـ المحامي العام الأول لنيابات جنوب القاهرة.
وأمام محمد السمري ـ رئيس نيابة مصر القديمة وحاتم عليان ـ مدير النيابة
وقف الضابط وعلامات الخزي والحسرة تندي من جبينه.. وهو يقف أمامهما متهما
كلص وليس ضابطا شريفا تمكن من ضبط لص وانكر جريمته مؤكدا أن هؤلاء الشباب
لفقوا له تلك التهمة نكاية فيه لأنه وبخهم علي وقوفهم في منتصف الشارع
ومعاكسة الفتيات ولم تطمئن النيابة لروايات الضابط اللص الكاذبة.. وأمرت
بحبسه وتكليف المباحث بعمل التحريات.