عهد عبد العزيز آل سعود:
تقويض الوضع الداخلي:
عمل الملك عبد العزيز على إعادة الأمان والطمأنينة إلى بلاده بعدما انتهى عهد الدويلات والإمارات المختلفة، فدعا المسلمين في العالم إلى الحج بأعداد وفيرة. إلا أن بعض الخلافات مع بعض «الإخوان» قد بدأت تظهر، فقد أخذوا على الملك تساهله مع الأجانب وإدخال بعض الحياة العصرية إلى المملكة كالهاتف والسيارة. إضافة إلى أنهم كانوا يستاءون كثيراً من البعثات القادمة إلى الحج وسط الأهازيج والأناشيد فكانوا يتعرضون لها. وقد وقعت صدامات مع البعثة المصرية أدت إلى سقوط عدد من القتلى في صفوف المصريين. ولم يكتفِ الإخوان بهذا، بهذا، بل أخذوا يحتجون على سياسة الملك عبد العزيز علانية، وازداد الأمر حدة عندما تم توقيع اتفاقية رسم الحدود بين المملكة وكل من العراق والأردن اللتين كانتا تحت الانتداب الإنكليزي (27 ـ أيار ـ 1927) لأنهم حرموا بذلك من حق التنقل بحرية والغزو، مع أن الملك قد منعهم عن ذلك وعوضهم بذلك مداخيل شهرية فأعلنت بعض العشائر المنضوية تحت «الإخوان» بزعامة سلطان بن بجاد التمرد على السلطة واستمرت مناوشاتهم مدة عام ونصف، إلى أن جهز الملك عبد العزيز حملة قوية قضت عليهم نهائياً، وفرضت سلطتها على كامل أرجاء المملكة.
إعلان دولة المملكة العربية السعودية وسياسة الملك عبد العزيز:
في 23 أيلول 1932 توج الملك عبد العزيز إنجازاته بإعلانه توحيد البلاد تحت اسم «المملكة العربية السعودية» وأصدر أمراً ملكياً قضى بتوحيد مناطق البلاد تحت هذا الإسم. ثم جاءت أحداث اليمن التي تحولت إلى حرب مفتوحة مع السعوديين في أذار 1934. إلا أن الملك عبد العزيز استطاع إجبار اليمن على طلب وقف النار بعدما قاد ولداه فيصل وسعود حملتين على اليمن. فوافق الإمام يحيى الدخول في مفاوضات سلمية مع الملك عبد العزيز الذي أظهر مرونة وتساهلاً فقبل بالانسحاب إلى المواقع التي كان يسيطر عليها قبل اندلاع المعارك (ويعني ذلك عملياً اعتراف اليمن بضم عسير إلى المملكة العربية السعودية ووقعت معاهدة سلام في الطائف بتاريخ 22 ـ أيار ـ 1934.
بعد ذلك سعى الملك عبد العزيز إلى القيام بكل الإجراءات المناسبة لسياسة الإصلاح والتطوير وتنويع موارد المملكة وزيادة انتاجيتها، وحتى ذلك الوقت كان معظم الدخل يأتي من تربية الحيوان وبعض الزراعات الخفيفة، ومن إيرادات الحج القليلة. وفي ذلك الوقت كانت فرنسا وبريطانيا تحدان من كل رغبة عربية في الاستقلال. وفي المقابل كانت الولايات المتحدة تعلن دائماً عن مساندتها للتحرير وحق الشعوب في تقرير مصيرها. وهذا ما دعا الملك عبد العزيز إلى إقامة علاقات قوية مع الولايات المتحدة، محتفظاً بنفس الوقت مع علاقة حسنة مع بريطانيا القوة الأعظم في ذلك الوقت.
اكتشاف الثروة النفطية:
الحاجة الماسة للموارد المالية حدت بالملك عبد العزيز. إلى منح حقوق التنقيب عن البترول إلى شركات أجنبية. وكانت البداية مع الشركات البريطانية 1923 «شركة ايسون أند جنرال سنديكت» إلا أن هذه الشركة لم تستخدم حقها بالتنقيب. ولم يجر تجديد العقد حتى انتهى مفعوله عام 1933. وكان الأمريكيون الذين سبق لهم زيارة شبه الجزيرة العربية في العشرينات وتركوا انطباعا ايجابيا في نفس الملك مما دعاه لاحقا لاختيار شركة أمريكية للتنقيب عن البترول واستغلاله. وبالفعل، ففي 1933 منحت امتيازات التنقيب الى شركة« ستاندرد أويل أوف أوف كاليفورنيا». وفي تموز وقع الملك المرسوم رقم 135 مانحا الامتياز الى الشركة، في أوائل صيف 1934 اتخذ قرار باختبار قمة الدمام بالحفر واستمر الحفر حتى عام 1937. حيث بلغ عمق البئر رقم7 حوالي 1440 مترا عندها تدفعت منها كميات ضخمة من النفط وكان ذلك فاتحة عهد جديد في تاريخ المملكة العربية السعودية والعالم وقد تم انجاز هذا البئر في آذار 1938.
وهكذا بعد خمس سنوات من العمل الشاق في التنقيب تم اكتشاف البترول بكميات كبيرة وتأسست شركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو) عام 1938 والمعروفة اليوم بشركة أرامكو السعودية. وقد رافقت عملية منح الامتيازات النفطية بعض المظاهر السياسية التي يمكن تلخيصها بثلاث نقاط هي:
1ـ فضل الملك عبد العزيز أن يمنح حقوق التنقيب للأمريكيين وليس للبريطانيين معبرا بذلك عن حرصه على استقلاله ازاء القوة الإستعمارية الأولى أنذاك
2ـ إن التردد الطويل (بين 1923ـ1933) بسبب انه لم يرضخ لبيع الإمتياز الا في حالة حاجة القصوى مرتبط بفكره السيادة الوطنية التي طالما كان يشدد عليها.
3ـ اصراره على انتزاع مكاسب مالية مباشرة كان بأمس الحاجة اليها.
الملك عبد العزيز والسياسة الخارجية
التزم الملك عبد العزيز سياسة الحذر والحياد بين فريقي الحرب العالمية الثانية(دول الحلفاء ودول المحور) وفي أول من آذار 1945 انضمت السعودية الى الحلفاء شكليا بدون أن تعلن الحرب على ألمانيا محافظة بذلك على حيادها. وقد مكنها هذا الموقف من المشاركة في ميثاق في ميثاق الأمم المتحدة. وقد تمثلت المملكة بالإبن فيصل بن عبد العزيز (الملك فيما بعد) الذي حضر حفل توقيع ميثاق سان فرنسيسكو 6 حزيران 1945 وكان الملك بن عبد العزيز آنذاك من أشد العاملين في سبيل تأسيس جامعة الدول العربية في 22 آذار 1945 أذار.أما العلاقات السعودية الأمريكية فقد بدأت تتطور وتزداد رسوخا ابتداء من سنة 1940 حيث انشئت بعثة دوبلوماسية في المملكة. وفي سنة 1943 منح الملك الأمريكيين حق بناء قاعدة جوية كبيرة في الظهران واستعمالها لمدة ثلاث سنوات تعود بعد ذلك ملكيتها للمملكة وفي الوقت نفسه بدأت بعثة عسكرية أمريكية بتدريب الجيش السعودي وتزويده بالأسلحة.
وفي 15 شباط 1945 تم عقد لقاء بين الرئيس الأمريكي روزفلت والملك عبد العزيز لبحث التطورات في المنطقة وكانت القضية الفلسطينية من أهم النقاط التي تم التوقف عندها، وقد كان للراحل موقف صلب حيال الهجرة والاستيطان اليهودي في فلسطين تحت انظار الأمريكيين وحلفائهم البريطانيين كما أفاض الملك عبد العزيز في بيان ما تعانيه سوريا ولبنان وفلسطين في تلك الحقبة.
وأثناء حرب 48 شاركت المملكة مع بقية الدول العربية في الدفاع عن فلسطين وقد بلغ عدد القوات السعودية المشاركة فعلياً في الحرب حوالي 3 آلاف مقاتل موزعة على كتيبتين.
وفي يوم الإثنين الثاني من ربيع الأول عام 1373 هـ الموافق 9 تشرين الثاني 1953 توفي الملك عبد العزيز عن عمر يناهز 72 عاماً، بعدما أرسى دعائم المملكة ورسم الخطوط العريضة لسياستها الداخلية والخارجية. وقد حكم طوال هذه الفترة (51 عاماً) حكماً مطلقاً لم يكن يجد من صلاحياته سوى التزامه بالشريعة الإسلامية، واحترامه للأعراف والتحالقات العشائرية. فعلى عهده لم يكن قد بدأ التمييز فعلياً بين أموال الملك وأموال الدولة ولم يتغير ذلك جزئياً إلا أواخر حياته حيث أصدر في عام 1951 م 1368 هـ أول ميزانية عامة في تاريخ المملكة وتبع ذلك إنشاء أول مصرف وفي تشرين الأول 1953 م 1373 هـ أمر الملك عبد العزيز بإنشاء مجلس للوزراء. وإضافة إلى كل ذلك فقد عمد الملك عبد العزيز إلى إدخال تحديثات مهمة على أساليب الحياة البدوية رغم المعارضة الشديدة التي كان يلقاها أحياناً من بعض غلاة رجال الدين.
عهد الملك سعود بن عبد العزيز (1953 ـ 1964 م) ـ (1373 ـ 1384 هـ):
تميزت سنوات حكمه الأولى بالتحالف مع مصر ضد الأردن والعراق الهاشميين. وعندما وقع العدوان الثلاثي على مصر، قطعت السعودية العلاقات الدبلوماسية مع فرنسا وبريطانيا. وعندما أعلنت الوحدة المصرية السورية انقلبت العلاقة مع مصر إلى عداوة بلغت ذروتها باتهام السعوديةمن قبل مصر بتمويل محاولة اغتيال عبد الناصر. ثم ازدادت هذه العلاقة تدهورا عقب التدخل المصري في اليمن.وقد كان الملك سعود كلما وجد نفسه أمام صعوبات داخلية كبيرة (الاصطدام بمصر الناصرية، تدهور الأوضاع الداخلية، فقدان الريال لقيمته...) يستدعي أخاه وولي عهده الأمير فيصل ليتولى مواجهة الأزمة. وقد ازدادت سلطة فيصل رسوخاً في عام 1958 عندما منح كامل الصلاحيات لإصلاح الأوضاع المالية والادارية في المملكة.
وقد شارك الملك سعود في أول لقاء قمة عربي في مصر عام 1964. وكان هذا المؤتمر آخر نشاط يشارك فيه، إذ ما إن عاد إلى الرياض حتى أعلن تنازله عن العرش في الأول من تشرين الثاني 1964 بطلب من العائلة المالكة ورجال الدين الدين لصالح أخيه الأمير فيصل، وانتقل إلى القاهرة ومنها إلى اليونان حيث توفي عام 1969م.
عهد الملك فيصل (1964 ـ 1975 م) ـ (1384 ـ 1395 هـ):
كان الملك فيصل قد بدأ الإمساك بالسلطة فعلياً منذ نهاية عام 1962م. حيث اتخذ قراراً بإلغاء الرق من البلاد.عمل فيصل على الاستمرار في تنمية البلاد في مختلف القطاعات والصعد. واتبع سياسة دفاعية وتسليحية نشطة فقوى الحرس الوطني، إلا أن الأثر الأكبر قد كان في ابتعاد الملك فيصل عن السياسة المصرية الناصرية، بعد أن تعاطف معها سابقاً. وقد تحول الابتعاد إلى عداء واضح خاصة بعد قرارات الاشتراكية والتحالف مع السوفيات وثورة اليمن) ولم يتوقف هذا الصراع إلا مع هزيمة مصر في حرب حزيران 1967 وانسحابها الكامل من اليمن أواخر ذلك العام. وبدأ نفوذ الملك فيصل يتعاظم على الساحة العربية بعد حرب 67، وبعد انعقاد مؤتمر الخرطوم الذي كرس المصالحة العربية والذي بادر فيه الملك فيصل الى اقتراح استعمال سلاح النفط من خلال العائدات المالية واستخدامها في المعركة بدلاً من قطعة عن البلدان المؤيدة لإسرائيل وقد وافق المؤتمرون على ذلك، بدأت سياسة جديدة في المملكة قائمة على تقديم المساعدات المالية إلى العديد من البلدان العربية في إطار ما سمي سياسة التضامن العربي.
وعلى صعيد العلاقات الخليجية، فقد رعت المملكة في عهد الملك فيصل قيام اتحاد الإمارات العربية بعد الانسحاب البريطاني حرصاً منها على تأمين الاستقرار في هذه المنطقة.
وبرز وزن المملكة وتأثيرها أكثر ما يكون بعد وفاة الرئيس المصري جمال عبد الناصر (1970) وعلى أثر حرب 6 تشرين الأول 1973 عندما وقفت إلى جانب سوريا ومصر في حربهما ضد إسرائيل.
وقد أتاحت المساعدات السعودية لمصر السادات على العمل لإخراج السوفيات من مصر، وتقوية علاقاتها مع الولايات المتحد الأمريكية. وكذلك الحال مع السودان وعندما اندلعت حرب 6 تشرين 73 وتضاعفت أسعار النفط أصبحت المملكة تملك قوة مالية هائلة، وأصبحت الممول الرئيسي لعملية إعادة تسليح الجيش السوري والمصري.
وفي ظل هذه الأجواء، وفيما كانت المساعي الدولية لحل الصراع في الشرق الأوسط على أشدها اغتيل الملك فيصل في 25 أذار 1975 م ـ 1395 هـ. تاركاً وراءه فراغاً سياسياً كبيراً.
عهد الملك خالد بن عبد العزيز (1975 ـ 1982 م) ـ 1395 ـ 1403 هـ):
خلف الملك خالد أخاه فيصل، وبادر إلى اختيار أخيه الأمير فهد ولياً للعهد والأمير عبد الله نائباً لرئيس مجلس الوزراء.
وقد استمر الملك خالد باتباع سياسة أخيه الملك الراحل فيصل القائمة على تدعيم وحدة الصف الإسلامي والتضامن العربي واستعادة الأراضي المحتلة. واستمرت المملكة في محاولة ردم بؤر التوتر في المنطقة العربية، وبرز ذلك بوضوح في مؤتر الرياض (تشرين الأول 1976) الذي وضع حلاً دون نجاح ـ للحرب اللبنانية بإنشاء قوات الردع العربية.
وعندما قام السادات بمبادرته الشهيرة (زيارة القدس في تشرين الثاني 1977) بدأت المملكة تتراجع عن تأييده (الذي كان مطلقاً)، ثم تخلت عنه بعدما تأكد اتجاهه نحو التوقيع على اتفاق سلام منفصل مع إسرائيل. وقد برز هذا الموقف في قمة بغداد 1979م.لكن في هذا العام تعرضت المملكة لحادث خطير وهو حادث مكة الشهير عندما قام عدد من المتمردين باقتحام المسجد الحرام، وعلى الأثر دعا الملك خالد المجلس الأعلى للإفتاء إلى الانعقاد برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز وصدرت فتوى بجواز التدخل العسكري بالحرم لإنهاء التمرد. وبالحصول على تأييد العلماء تمكنت السلطة السعودية من اقتلاع المتمردين في 3 كانون الأول 1979م. (أي بعد أسبوعين).وعلى أثر هذا الحادث ومضاعفاته قررت المملكة تشكيل «نظام الشورى». وكلفت لجنة برئاسة الأمير نايف بن عبد العزيز بإعداد النظام الأساسي للبلاد. وفي حزيران 1982 توفي الملك خالد، وخلفه ولي عهده الأمير فهد بن عبد العزيز.
عهد الملك فهد بن عبد العزيز 1982 ـ .... م) (1403 ـ .... هـ):
تميز عهد الملك فهد بن عبد العزيز خاصة في سنواته الأولى، باهتمام بارز أبداه الملك لشؤون الأمن والدفاع والتعليم. فجرت عدة صفقات لشراء الأسلحة المتطورة من بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا والبرازيل.كما تم على عهد الملك فهد إجراء أكبر توسعة للمسجد النبوي الشريف وذلك في عام 1405 فأصبح يستوعب أكثر من نصف مليون شخص. وفي 31 تموز 1987 وقعت حوادث دموية في موسم الحج بين قوات الأمن في مدينة مكة المكرمة، وبين الحجاج الإيرانيين، اتخذت على إثرها تدابير مشددة على الحجاج الإيرانيين في المواسم التالية. وقد حضنت المملكة العربية السعودية الحكومة الكويتية التي خرجت من الكويت وفي 20 آب 1993 أصدر الملك فهد قراراً بتشكيل مجلس للشورى من 60 عضواً. وفي 29 كانون الأول ثم افتتاح أول مجلس للشورى في المملكة.وفي الأول من عام 1996 عهد الملك فهد لولي عهده الأمير عبد الله القيام بأعمال الدولة أثناء قضائه فترة راحة بسبب وعكة صحية ألمت به. وقد تعرضت المملكة في حزيران 1996 إلى وقوع انفجار كبير في مدينة الظهران وهي مقر القوات العسكرية الأمريكية، وقد أدى هذا الانفجار إلى سقوط 19 قتيل وحوالي 300 جريح.
وفي 22 آب 1999 توفي الأمير فيصل بن فهد بن عبد العزيز إثر نوبة قلبية، وقد اتصل العديد من زعماء العالم بالملك فهد في محل إقامته في ماربيا بإسبانيا. التي كان يمضي فيها فترة نقاهة ـ لتقديم التعازي له بوفاة ولده، وقد حال وضعه الصحي دون مشاركته في تشييع ولده.وفي 30 أيلول 1999 عاد الملك فهد إلى الرياض بصحة جيدة، وعاود نشاطه السياسي من جديد بعد فترة طويلة من الاستراحة.في عام 2002م أعلن الأمير عبد الله عن مبادرة سميت «بمبادرة الأمير عبد الله» للسلام في الشرق الأوسط وتقضي هذه المبادرة بانسحاب كامل للصهاينة حتى خط الرابع من حزيران عام 1967م مقابل علاقات طبيعية مع الإسرائيليين وقد ثبتت قمة بيروت 2002م هذه المبادرة، ولكن اليهود ردوا عليها باجتياح مناطق السلطة في الضفة الغربية وارتكاب أبشع المجازر لا سيما في مخيم جنين.