آه يا فجرةعبد السلام البسيوني:
لكلمة (فاجرة) ظلال كثيرة فى العربية، وفى العامية المصرية.. فهى عند العامة تطلق على المرأة (البجحة) المتساهلة فى عرضها، التى تنشر الفاحشة، وتعرض نفسها لكل من يدفع! وإذا وصفت بها امرأة كان ذلك قذفًا فى عرف الشرع يستوجب الحد؛ لأنه اتهام مباشر بالرذيلة، والتوسع فيها؛ ربما لحد القوادة، أو الاتجار بالعرض والجسد!
والفجور فى العربية: التمادى فى المعاصي، واستسهالها، والجرأة عليها، والمجاهرة بها، وهو أيضًا اسم جامع لكلِّ شرٍّ، والميل إلى الفساد، والانطلاق إلى المعاصي!
وتدل مادة (مادة: فجَر) على التفتح فى الشَّيء، ومنه: انفجر الماء انفجارًا: إذا تفتح. والفُجْرَة: هى موضع تفتُّح الماء. ثمَّ كثُر هذا حتَّى صار الانبعاثُ والتفتُّح فى المعاصى فجورًا؛ ولذلك سُمى الكذب فجورًا. ثم كثر هذا؛ حتَّى سُمى كلُّ مائل عن الحق فاجرًا..
والفجور من ثمار التوسع فى الكذب، ونار جهنم كذلك - والعياذ بالله - من ثمراته: (وإياكم والكذب؛ فإن الكذب يهدى إلى الفجور، وإن الفجور يهدى إلى النار)! ويقول ربى وربك تبارك وتعالى: (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِى نَعِيمٍ. وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِى جَحِيمٍ. يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ. وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ)!
وهو من آيات النفاق، كما فى حديث الصحيحين: (أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها:....... وإذا خاصم فجر)!
وفى الفجرة قال الشاعر:
فيا محنةَ الإسلامِ مِن كلِّ فاجرٍ.... وكلُّ جهولٍ بالحدودِ وغاشمِ
ومِن مُدَّعٍ للدِّينِ والحقِّ ثمَّ لا.... يحامى عن الإسلامِ عند التَّزاحمِ
ومنتسبٌ للعلمِ أضحَى بعلمِه .... يسوسُ به الدُّنيا وجمع الدَّراهمِ
ولكنَّه أضحَى عن الحقِّ ناكبًا.... بتركِ الهدى ميلًا إلى كلِّ ظالمِ
ونحن نعيش – بامتياز – عصر فجور غير مسبوق فى تاريخ البشرية، لأنه فجور عام شامل، يشمل السياسة، والفنون، والأخلاق، والإعلام، والمعاملات.. وكل ملامح الدنيا!
(ولا أعمم بل أصرخ وأنبه، فالخير باق فى مصر وأهلها)..
نعيش فجورًا سياسيًّا يستبيح فيه حكام (العِزَب) العربية شعوبهم: دينها، ومالها، وأخلاقها، وقيمها، وعرضها، وخيراتها، وماضيها، وحاضرها، ومستقبلها..
ونرى ساسة فجرة لا يستحى أحدهم أن يقول لخصمه: (أمك عايدة صاحبتي)، أو يحرص على سهرات (السمو الروحي) التى أسسها موافي، ولا يتردد فى استخدام بغايا للإيقاع بخصومه، أو يتكلم وهو يهلوس تحت تأثير (الصنف) أو يضبط مع كريمة بنت كرام فى أوضاع (مش أد كده)!
ونرى قادة أحزاب لا يترددون أن يتاجروا بقضايا الوطن، ويزجوا شبابه فى مطاحن العنف، وأهوال التمرد، ولا يأبهون أن يشتروا الذمم، ويصبوا الأموال على الأتباع، ويلفقوا، ويُرصدوا، ويتواطؤوا مع إسرائيل وعربائيل وأمريكائيل وزفتائيل!
لا يترددون أن يملأوا البلد دمًا وعنفًا، ويكونوا عصابات من البلاطجة والشمامين لترويع الناس، وزعزعة الأمن، ونشر الفوضى، وتدمير بنية البلد، والابتسام البريء أمام وسائل الإعلام المتواطئة، التى أقل ما يقال عنها إنها قذرة قذارة مموليها!
ثم بعد هذا كله لا يتردد أحدهم، ولا يعرف وجهه حمرة خجل، ولا مسحة كرامة، حين يعلن على الملأ عبر وسائله الفاجرة، أنه الأطهر، والأشرف، والأحرص على كرامة الوطن، وأن تاريخه (حالك السواد) هو الأكثر بياضًا، وسجله (الأكثر قذارة) هو الغرة فى جبين الأمة التى لم تعرف فى تاريخها من هو أطهر منه، وأعظم!
ونعيش فجورًا إعلاميًّا فريدًا فى دناءاته ووسخه وخياناته؛ إذ يستبيح فيه ملاّك الميكروفونات العربية الوضيعة - بأشكالها – الجهر الصفيق بأنهم حراس الكلمة، وأمناء الخبر، وحماة الصدق، ورموز النزاهة، وسدنة الحقيقة، ومواقفهم الخسيسة والمتلونة معروفة مشهورة، فقد كانوا يمسحون حذاء (شفتورة) وعصابته، ويديرون حملاته، ويتحدثون باسمه، ويبشرون بخلوده، ويبررون جرائره وكبائره وموبقاته، فلما سقط، قالوا إن عهده كان (ابن ستين كلب) وأن القادم يسر القلب، فلما لوح لهم بلاطجة الحزب، ومأجورو الخارج، وأصدقاء إسرائيل، ومتآمرو عربائيل، باليوروهات والباوندات والدلالير، غيروا أقوالهم، وتصهينوا فى خطابهم، حتى صاروا أكثر ولاء للصهيونية من الحاخام هرتزل نفسه، وأكثر عداء للإسلام من أبى جهل وأبى لهب وأبى عامر الراهب، على آباء جهل جميعًا لعائن الله..
وهو إعلام فاجر بامتياز، لأنه يفجر فى الخصومة، ويتقن التلفيق، ويحسن المخادعة، ويتفنن فى الفضح الباطل، ولا يتورع عن صناعة الكذبة، والتواطؤ عليها، والتنسيق لها على مستوى أدواته (قنوات إرهابية / مواقع إلكترونية / صحافة دنسة / تصريحات نجسة)! وكلهم يجتمعون على شن حرب شرسة لإبقاء الظلم والقهر والباطل والعهر والسجون والتعذيب واللصوصية حتى باتوا من فجورهم ينادون بعودة فرعون مصر أبى شتورة!
ونعيش فجورًا فنيًّا فريدًا فى عفنه ووسخه وخياناته؛ يقلب الحق باطلاً والباطل حقًّا.. الراقصات فيه رائدات تحرر، والسكارى فيه زعماء تنوير، والشواذ فيه قادة أخلاق، والرداحات فيه أشرف شريفات..
فجور يتحول فيه الكتّاب والمخرجون إلى (......) يروجون للرذيلة، ويجملونها، ويحببونها للناس، وتتحول فيه الكاميرات إلى آلات قوادة (تجمل النساء، وتسوقهن لفُرش الرذيلة، باعتبار الرذيلة فنًّا وإبداعًا، وعطاء حضاريًّا يستحق أن تكون بطلاته نجمات فى المجتمع، ورائدات للتنوير، ومتحدثات باسم الفضيلة، فى مقابل الظلاميات الإرهابيات المتعفنات من المحجبات والمنقبات والمتدينات!
فن تصير فيه إيناس ورغدة، وإلهام وغادة، وقبلهن تحية وهند، ونجوى ونادية، أستاذات الأجيال! فى قامة سميرة موسى وبنت الشاطئ!
ويصير فيه الهلفوت وحاتم ذو الفقار، وعادل أدهم والدقن، والمليجى وصلاح نظمي، وأشباههم، فى قامة مصطفى كامل، ومحمد فريد، وشاكر والرافعي، ومشرفة وزويل!
ونعيش فجورًا اجتماعيًّا مروعًا يتجلى فى انسحاب القيم، وتدنى الأخلاق، وتحول الاتجاهات، وتغير كيمياء العقل والقلب لما هو أدنى وأخس وأحقر؛ حتى صار (الفايظ) أمرًا بديهيًّا، والرشوة عادة وظيفية، والاستباحة رؤية عصرية، والتفكك الاجتماعى شيئًا مبررًا، والتطاول على الرموز والشعائر والمشاعر حرية وتجديدًا، والمخدرات مهربًا شائعًا..
يا أمتى الطاهرة عودي.. يا مصر القيم والأخلاق ارجعي.. يا أيام النقاء والصفاء هلم إلينا، يا عهد الجيران المتراحمين، والقادة الوطنيين، والزعماء الصادقين، والعلماء الوعاة النابهين، والكتاب الصادقين الراشدين سقيا لك..
وتبًا للفجور والفجرة، والخيانة والخونة، والنذالة والأنذال، والعهر والعهار، والتفاهة والتافهين..
وهل يستوى فى موازين الأتقياء الأنقياء الأطهار: الحق والباطل، والطيب والخبيث؟
وهل يستوى ذلك فى ميزان الله تعالى الطيب الذى لا يقبل إلا طيبًا؟
(أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين فى الأرض، أم نجعل المتقين كالفجار)!؟
المصريون