تشكل الجماعات المحلية المنتخبة في العالم العربي المنطلق الأساسي في بناء الديمقراطية المحلية والوطنية، وإن بناء ديمقراطية محلية حقيقية هو جوهر نظام اللامركزية في هيكلة مؤسسات الدولة، والتي هي مرآة الدولة الديمقراطية. و الديمقراطية الحق لا يمكن أن ترى الضوء وتنمو وتترعرع إلا في أحضان المجالس البلدية والقروية، وإذا لم تنجح الديمقراطية المحلية، فلن تكون هناك أبدا ديمقراطية وطنية.
وللجماعات المحلية دور فعال في التنمية المحلية، وفي تلبية حاجيات السكان اليومية وفي تحقيق الديمقراطية. وقيام الجماعات المحلية بدورها الفعال في إنجاز التنمية وتحقيق الديمقراطية، لا يمكن بلوغه في ظل أمية متفشية تضرب أطنابها تقريبا في جميع المجالس الجماعية بالعالم العربي، مما دفع مجموعة من الانتهازيين إلى الاستفادة من بعض الامتيازات كأن الجماعات المحلية أصبحت ضيعات تسخر خيراتها ومواردها لقضاء مآرب شخصية ، أو مطية للتربع على عرش مال الشعب. إنها عقليات أفسدت اللامركزية وحولتها إلى مضمار المقامرة والتدليس.
وإذا كان تدعيم وتطوير اللامركزية يمر عبر إصلاح النصوص الأساسية المنظمة لها، من خلال عقلنة وضبط الاختصاصات وتوسيعها، وتحسين العلاقة بين الهيئات المنتخبة وممثلي الدولة، فإن كل هذه المساعي لن تعطي كافة نتائجها إلا إذا أسندت الأمور لأصحابها، مع فرض سياسة العقاب ضد كل من سولت له يده التلاعب بأموال المواطنين.
وبين هذا وذاك، تبقى الأمية في المجالس المنتخبة في العالم العربي عملة نادرة في خدمة التنمية ويجب استغلالها كتراث لجلب السياح في المستقبل من خلال تحنيط المنتخبين الأميين ووضعهم في متاحف. سيلتجئ إذن عدد كبير من السياح من كل أنحاء العالم في القرون المقبلة لزيارة هذه المتاحف، واكتشاف الأميين الذين كانوا في ما مضى يسيرون الشأن المحلي. ومن خلال هذا التحنيط ستحقق الدول العربية مداخيل مهمة، وبالتالي ستساهم الأمية في خدمة التنمية.