نقشت مجموعة من ألعاب الطفولة شخصيتنا رغم تقدمنا في السن. من منا لا يعرف لعبة الغِمامة (غميضة) الشهيرة ... تلك اللعبة التي تحتم على طفل معصوب العينين بغمامة مطاردة الأطفال الذين ينخرطون في لعبة "الدس" خوفا من الاحتكاك، وبالتالي الوقوع في يد الطفل. يبدو أن الحكومات العربية قد وظفت هذه اللعبة ليس فقط في أدائها الحكومي، بل أيضا عملت على تطويرها وأصبحت استعراضا مثيرا وبهلوانيا في إطار التوهيم التخييلي . بعد اكتشاف الساسة أعضاء الحكومات العربية أن "اللعبة" الديمقراطية لا يمكن ممارستها على أساس أنها لا تحقق لهم النتائج المتوخاة، فقد فكروا في بديل آخر، ويتعلق الأمر بالرجوع إلى ممارسة ألعاب الطفولة لعلها تحقق ما عجزت عنه لعبة الكبار (اللعبة الديمقراطية). تلح الحكومات العربية على إشراك شعوبها في لعبة الغمامة، وذلك بتغطية أعين المواطنين بعصابة وردية لتمويههم ذات اليمين وذات اليسار من خلال أنشودة التنمية تارة في الجنوب، تارة في الشمال وأخرى في الشرق وثالثة في الغرب. فتغطية أعين الشعوب بغمامة وردية له عدة دلالات، بحيث استفادت الحكومات العربية من نتائج الدراسات العلمية حول الألوان وانعكاساتها على الإنسان ، بحكم أن بعض درجات اللون الوردي لها نفس مفعول المهدئات. كما استغلت هذه الحكومات كذلك الأبحاث العلمية حول اللون الوردي من أجل تنويم الشعوب، خاصة أنه تبين علميا أن جزءا من المخ يتفاعل مع هذا اللون عن طريق إبطاله لإفراز هرمون الأدرينالين، الذي يؤدي بدوره إلى تهدئة عمل عضلات القلب، ويساعد على تهدئة أعصاب الشعوب واسترخاء عضلاتهم حتى ينسوا مشاكلهم اليومية. فرغم أن اللون الوردي هو لون ملطف يغمرنا بشيء من الحماية، ويخفف الشعور بالحكرة والإقصاء، إلا أن المواطنين ما داموا معصوبين الأعين، فهم غير قادرين على إدراك حقيقة الواقع، وبالتالي يطالبون بإزالة الغمامة عن أعينهم لتمكينهم من النظر جيدا في الواقع المعيش، في الوقت الذي ترفض فيه الحكومات ا لعربية ذلك، وتحثهم على قبول حالتهم كما هي كالعمي الذين فقدوا بصرهم، وتفرض الحكومات أنشودتهم الشهيرة في إطار لعبة غميضة:
هيا هيا *** نجري جريا
غط البصرا *** وخذ الحذرا
أنا في الصف *** أنا في الخلف
أنا يمناك *** أنا يسراك
سارع سارع *** أنت البارع
أدرك ندك *** تبلغ قصدك