الأغوار بين السيادة الفلسطينية والأمن الإقتصادي إن منطقة الأغوار تشكل مانسبته 26 في المائة من مساحة الضفة الغربية على طول الحدود مع الأردن , وتمتد المنطقة على مسافة 120كم بعرض يتراوح من ثلاث كيلومترات الى 15كم , من شمال البحر الميت جنوب فلسطين إلى بردلة عند مدخل بيسان شمالا, ويعيش بها نحو 150,000فلسطيني مقابل 10,000مستوطن إسرائيلي بحيث يسيطرون على أغلب الأراضي هناك , حيث أدركت سلطات الإحتلال الإسرائيلي أهمية هذه المنطقة الحيوية والإستراتيجية الواقعة بين الأراضي المحتلة عام 1967والأردن, وكشفت منذ بداية الخمسينات من القرن الماضي عن نواياها بشأن السيطرة عليها , وبعد نكسة 1967, أعلنتها منطقة عسكرية مغلقة وذلك في تحويلها إلى منطقة إستيطانية زراعية وصناعية بحيث تخدم الإقتصاد الإسرائيلي , ومن جهة أخرى تفرض أمر واقع في أي حل مستقبلي يشكل من خلاله حفظ أمن إسرائيل وتلك المنطقة شكلت نقطة ساخنة في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وذلك مع إستئناف عملية التسوية برعاية أمريكية في نهاية يوليو بعد توقف دام ثلاث سنوات, إلا أن قضية الأغوار شكلت عقبة أمام التوقيع على أي إتفاق سلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي نتيجة إصرار إسرائيل على تواجدها العسكري الدائم في تلك المنطقة الواقعة على طول الحدود الفلسطينية الأردنية ,لذلك نجد أن موقف بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الإحتلال الإسرائيلي فى تمسكه بالتواجد العسكري الإسرائيلي خلال المفاوضات كرسالة للمبعوث الأمريكي" كيري" وما أفصح عنه أمام الكونجرس الأمريكي (إن إسرائيل تطالب بتواجد عسكري على طول نهر الأردن ), ينطلق من عدة أسس : أولا:مرجعية خطة الجنرال يغنال ألون وزير الدفاع الإسرائيلي وعضو المجلس الوزاري المصغر, وعضو الكنيسيت عن كتلة الليكود بيتنا "بأن منطقة الأغوار ستبقى جزءا من السيادة الإسرائيلية وإلى الأبد", وأن غوروادي الأردن, تعتبر من أهم المناطق الإستراتيجية لإسرائيل , وأن المستوطنين في غور الأردن ليسوا إلا جزءا من دولة إسرائيل , لأنهم يشكلون طوقا دفاعيا عن الحدود الشرقية مع الأردن . ثانيا: القضاء على فكرة قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة وذلك عن طريق عدم تحقق أحد أركان السيادة والمتمثلة في الحدود الشرقية لدولة فلسطين ثالثا: وضع الحواجز أمام إتصال الدولة الفلسطينية بحدودها الشرقية مع الأردن خوفا من تعزيز دور الدولة الفلسطينية على صعيد العلاقات الإقليمية والدولية وتنشيط الحركة التجارية والإقتصادية مع العالم الخارجي . رابعا: إخفاء الأطماع التوسعية الإسرائيلية في الأغوار الفلسطينية . خامسا: أهمية المكانة الإقتصادية لمنطقة الأغوار كمنفعة تجنيها إسرائيل تعتبر مبررا كافيا لتمسك إسرائيل بهذه المناطق من حيث تمتعها بدرجة حرارة موسمية تتيح إنتاجا مبكرا عالي النوعية والقدرة التنافسية لأصناف زراعية عديدة , فموسم الصيف أيضا يوفر مناخا ملائما لزراعة النخيل , بالإضافة لمشاتل الورود والخضراوات, ومزارع الدواجن والأبقار وبرك زيت التماسيح وخيرات البحر الأحمر , وحسب تقرير مايسمى "مجلس المستوطنات " للعام 2012 فقد ربحت المستوطنات من الأغوار نحو 650 مليون دولار , بحيث يربح الإحتلال من الأغوار أكثر من كل صادرات السلطة الوطنية الفلسطينية . ومما تجدر الإشارة إليه بأن أهمية منطقة الأغوار شكلت تنوعا في المواقف الإسرائيلية لتبرير التمسك بها وإعتبارها مجالا حيويا للمصالح الإسرائيلية وذلك على النحو التالي : أولا : تفريغ أي قوة إقتصادية فلسطينية مستقبلية إذا ماسيطرت القوات الفلسطينية على حدودها الشرقية نتيجة الثروات الطبيعية الهائلة لمنطقة الأغوار, ومعالمها التاريخية والأثرية والأماكن الدينية والسياحية الهامة , فهذه الثروات تشكل أهمية بالغة في تطوير الإقتصاد الفلسطيني في شتى المجالات الزراعية والصناعية والسياحية وكذلك الإعمار والإسكان ممايؤدي للتوسع الديمغرافي الفلسطيني ,فتلك المنطقة تشكل العمود الفقري لبناء إقتصاد فلسطيني قوي حيث تنتج 60 في المائة من إجمالي الناتج الفلسطيني من الخضراوات و40 في المائة من الموالح و100في المائة من الموز ثانيا : خشية إسرائيل من تدفق اللاجئين الفلسطينيين بشكل عام أو اللاجئين الفلسطنيين القادمين من سوريا إلى الأردن وبالتالي إلى الضفة الغربية . ثالثا: خشية إسرائيل من أن تشكل تلك المنطقة قاعدة لإطلاق الصواريخ تصل إلى عمق إسرائيل ومن قبيل تلك المواقف الإسرائيلية فإنها عززت الإجراءات الإسرائيلية التنفيذية على مستويين : الأول : على المستوى الفني من خلال الإجراءات العسكرية الإسرائيلية التي تستهدف منطقة الأغوار بصيرورتها منطقة عسكرية مغلقة بعمق 15 كم على طول إمتداد ضفة نهر الأردن , بالإضافة لقرار نتنياهو بإقامة جدار أمني في غور الأردن , وأيضا إغلاق منافذ الجزأ نهر اليرموك في المنطقة بعد نفق العدسية إلى بحيرة طبريا ,بحيث لم تعد تصل المياه نهائيا إلى منطقة ملتقي النهرين التي تحولت إلى منطقة شبه صحراوية وذلك بعد حرب 1967, وفي ذات السياق لم تعد توجد مياه تجري في نهر الأردن تحت طائلة المسئولية لمنطقة الأغوار الفلسطينية بعمق 15كم على طول ضفة النهر , الأمر الذي أفقد الفلسطينيين دخول أكبر وأهم الأراضي الزراعية الخصبه ,وإقامة الحواجز الثابته بين الضفة الغربية ومنطقة الأغوار لفصلهما وذلك لمنع دخول أكثر من مليوني فلسطيني إلى منطقة الأغوار التي تشكل ثلث أراضي الضفة الغربية وذلك حسب تقرير منظمة بتسيلم في بداية 2006 وبناء العديد من المستوطنات لحسم قضية السيطرة على تلك المنطقة في أي حل مستقبلي الثاني : على المستوي القانوني تصديق اللجنة الوزارية الإسرائيلية للشؤون التشريعية على قانون لضم منطقة الأغوار تقدمت به عضو الكنيسيت ميري ريغف عن حزب "الليكود", بحيث يقضي مشروع القانون الذي صاقت عليه اللجنة بضم الأغوار تحت القانون الإسرائيلي . لاشك أن الذرائع الإسرائيلية في الحفاظ على منطقة الأغوار تحت السيادة الإسرائيلية بإجراءاتها الفنية والقانونية هي باطلة بحيث تشكل جريمة ضد الإنسانية , وجريمة العدوان على سيادة دولة فلسطين بموجب القرار الصادر من قبل الجمعية العامة في دورتها 67 في 29 نوفمبر2012, وبموجب القرار الذي حاز على أغلبية ساحقة بتأييد 165دولة والصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة عبر لجنة الشؤون الإجتماعية والثقافية والإنسانية وذلك بتقرير المصير للشعب الفلسطيني حيث حثت جميع الدول والوكالات المتخصصة ومؤسسات منظمة الأمم المتحدة على مواصلة دعم الشعب الفلسطيني ومساعدته على نيل حقة في تقرير المصير , الحاجة لتسريع المفاوضات في إطار عملية السلام إستنادا لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ومرجعية مؤتمر مدريد ومبادرة السلام العربية وخارطة الطريق للجنة الرباعية لتحقيق حل الدولتين والتسوية العادلة على أن تكون للشعب الفلسطيني دولته المستقلة وعلما بأن حق تقرير المصير غير قابل للتصرف لجميع الشعوب , ولايتعلق بقضايا الوضع النهائي فيما يتعلق بالملف الفلسطيني ومما تجدر الإشارة إليه بأن المجلس الإسرائيلي للأمن والسلام والذي يضم ضباط إحتياط في جيش الإحتلال ومسؤولين كبار في جهاز الامن العام "الشاباك" دحض مبررات المصالح الإسرائيلية في التواجد العسكري الدائم في منطقة الأغوار والتي تشكل عائقا أمام تقدم المفاوضات وذلك على النحو الاتي : أولا: أن مواصلة السيطرة الإسرائيلية علي غور الأردن ليست ضرورية للحفاظ على المصالح الأمنية والدفاعية الإسرائيلية حتى لو حصل نشوب حرب من النمط التقليدي بين إسرائيل والجيوش العربية – حسب وثيقة أعدها الضباط الأعضاء بالمجلس ثانيا: الأهمية في الإنتشار العسكري الإسرائيلي في السفوح التي تقود إلى قمم الجبال للسيطرة على أي هجوم بري مضاد ثالثا: الغور لايمثل عمقا إستراتيجيا فالرد الطبيعي هو ليس تقليديا رابعا: أهمية التواجد العسكري الإسرائيلي في منطقة الغور هي محدودة من المفترض لأن القوات العسكرية الإسرائيلية في تلك المنطقة ستكون محاصرة لأن المنطقة متدنية طوبغرافيا ومن تلك المعطيات نؤشر إلى الموقف الفلسطيني في تبني خياراته أثناء المفاوضات من خلال أولا : أن منطقة الأغوار الفلسطينية تشكل الحدود الشرقية للدولة الفلسطينية موجبة الإعتراف من قبل المجتمع الدولي بواقع 138 دولة في العام 2012 , والإنتقال في خطاب التفاوض الفلسطيني من منطقة تسمى الأغوار إلى جزأ من السيادة الفلسطينية ثانيا: الإعتراف الدولى بدولة فلسطين يوجب إلتزام على الدول بتوفير الغطاء الدولى لإنتشار القوات المسلحة الفلسطينية على جزأ من السيادة الفلسطينية المتمثلة في منطقة الأغوار الفلسطينية بموجب الأمن الجماعي في تطبيق ميثاق الأمم المتحدة وإنسجاما مع قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة , على قاعدة حماية السيادة الفلسطينية من العدوان والتدخل الإسرائيلي غير المشروع في منطقة الأغوار الفلسطينية والتي تشكل أراضي تابعة للدولة الفلسطينية المعترف بسيادتها دوليا في العام 2012 ثالثا:تطوير فلسفة الخطاب التفاوضي الفلسطيني إزاء تعنت حكومة الإحتلال الإسرائيلي بتثبيت أمر واقع إسرائيلي على السيادة الفلسطينية هو اللجوء للأمم المتحدة على مبدأ دولي على النحو التالي
1-مسؤولية الحماية الدولية
2- الموروث الحقوقي الدولي الخاص بقضية فلسطين عبر القرارات الأممية مايسمح المطالبة بما هو أوسع من مساحة الضفة وغزة مانسبته 44%من فلسطين التاريخية بموجب قرار 181غير القابل للتقادم أو الإلغاء
3- التمسك بالقرار الدولي والحائز على اغلبية ساحقة بتأييد 165دولة من المجتمع الدولي الخاص بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني على كامل التراب الوطني والغير مقترن بالوضع النهائي وغير القابل للتقادم والإلغاء
4- الدفع ببطلان عضوية مايسمى إسرائيل في الأمم المتحدة لعدم وفائها بشروط صحة العضوية منذ العام 1949وذلك بعودة اللاجئين الفلسطينيين وقيام دولة فلسطينية
5- إحلال السلم والأمن الدوليين يتطلب قيام الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس والحفاظ على مبدأ حق العودة للاجئين الفلسطينيين
6- إيجاد ضمانات أمريكية عبر جدول زمني للمفاوضات توجب تمرير طلب فلسطين في مجلس الأمن الدولي بغرض الحصول على مقعد دائم لدولة فلسطين ذات سيادة كاملة في الأمم المتحدة
7-عدم الإستجابة الفلسطينية لمراوغة حكومة الإحتلال الإسرائيلي فيما يتعلق بإسقاط بعض الحقوق الفلسطينية نظير إنسحاب إسرائيلي مفترض من منطقة الأغوارالمتمثلة في الحدود الشرقية لدولة فلسطين .
------------------
جهاد البرق
باحث فلسطيني -دكتوراة في القانون الدولي