(من مجموعة "كتاب الوسادة" الفائزة بجائزة الدولة بقطر لأدب الأطفال)
نوري الجراح
نامت دجاجةٌ سوداءُ وحلمت أنها طارت فوق منازل القرية، وفوق البحيرة.. ووصلت قمة الجبل، وهناك راحت تتأمل الجبال والسهول والوديان والبحيرات، وكذلك الأنهار التي يطير فوقها دجاج الماء.
في الصباح استيقظت الدجاجة السوداء الصغيرة متأخرة..
قالت لها دجاجة بيضاء كبيرة، إن عليها أن تجلس فوق ثلاث بيضات تفقس بعد أيام ثلاثة صيصان صفراء جميلة.
قالت الدجاجة السوداء الصغيرة:
- لقد مللت من البيض.. والصيصان أريد أن أتحرر من كل هذا...
قالت الدجاجة البيضاء:
- كاك، كاك.. هذا كلام غريب؟
- نعم أريد أن أحرر جناحيَّ
قالت الدجاجةُ السوداء:
- سأطير فوق المنازل وفوق البحيرة، ولن أهبط.. إلا على تلك القمة..
تطلعت الدجاجة البيضاء ناحية القمة، ورفت بجناحيها في دهشة قائلة:
- لم أسمع في حياتي كلها أن دجاجة واحدة استطاعت أن ترتفع بجناحيها أكثر من مترين فوق الأرض!
قالت الدجاجة السوداء:
- إذن لماذا لنا أجنحة، هل فكرّتِ في هذا الأمر؟
فكرت الدجاجة البيضاء قليلا، ثم قالت:
- لا أدري. سؤالك فاجأني!
وهنا هتفت الدجاجة السوداء:
- خلقت لنا الأجنحة لنطير مثلما يطير العصفور والبلبل والصقر والنسر والبومة، وحتى دجاج الماء. أو ليس لهذه الطيور أجنحة؟!
- بلى
قالت الدجاجة البيضاء.
- إذن يجب أن تكون أجنحتنا للطيران..
قالت الدجاجة البيضاء:
- ولكن أين سنبيض لو طرنا عاليا؟
قالت الدجاجة السوداء: الطيور تضع بيضها في عش تبنيه على أغصان
الأشجار... أنا أيضا سأفعل هذا. من المؤكد أننا كنا صنفا من الطيور أصابه
كسل خلال مئات السنوات لأنه آثر الأرض بدلاً من السماء، فاعتادت أجنحتنا
الراحة إلى أن تعطلت تماماً، وأصبحنا فرائس سهلة لبني البشر.
- إنك تحلمين!
قالت الدجاجة البيضاء للدجاجة السوداء، بل إنني أخشى أن تكوني مريضة، وما هذا الكلام الذي تتلفظين به سوى كلام دجاجة مصابة بالحمى.
- أبداً
قالت الدجاجة السوداء، إنني في كامل عقلي وسوف ترين ما أنا فاعلة. سوف أطير.
منذ ذلك اليوم، والدجاجة السوداء تتدرب على الطيران.
بادئ الأمر طارت نصف متر. ثم بعد أيام بلغت بجناحيها مترا.. وأحست
بالانتصار.. ورغم أن كل من رآها من صديقاتها استغرب أحلامها بالطيران،
وحضها على التراجع عن تنفيذ هذه "الفكرة الغريبة" كما قالت كل دجاجة في
القن، إلا أنها استمرت.. إلى أن باتت تطير من سقف إلى سقف وبات دجاج
الأقنان يناديها ب "الدجاجة السوداء الطائرة".
وبعد أشهر باتت هذه الدجاجة عصية على أي من بني البشر.
كل من حاول الإمساك بها فشل.
وفي الليلة التي قررت فيها الدجاجة السوداء الطيران فوق القرية وفوق
البحيرة، لتبلغ القمة، انحنى رجل ذو شاربين سوداوين على القن ومعه سكين
لمعت في ضوء القمر، وأمسك بها من جناحيها.. ومضى بها إلى مطبخ المنزل...
في الصباح رأت الدجاجات الأخريات جناحي الدجاجة السوداء الصغيرة في قمامة المنزل.