يكاد القلم لا يطاوعني في تسطير هذه المشاهد والمواقف الحيّة فالخجل ينتابه ، والحياء يذيبه. في أثناء سفري وعملي رصدت عدسة قلبي مواقف مضحكة مبكية ... إلخ. هذه المواقف كانت مع الكلب "بوبي" ذلك الكلب المدلل أكثر من البشر ولما لا؟! فهو ينام على فراش وثير ، ويأكل اللحمة التي لا يشمُّ رائحتها الفقراء ، ويُرَجَّل شعره بأفخم أنواع الكريمات ، كما أنَّه إذا أصابه مكروه يطببه أفضل الأطباء (هذه حقائق لا افتراءات).
تبدأ رحلتي مع الكلب "بوبي" عندما حكي لي والدي (رحمه الله) موقفًا حدث معه، ومضمونه أنَّ أحد الأشخاص أتى إليه يشكو وقلبه يعتصر من الألم والحزن على مرض كلبه فقد ذهب إلى الأطباء ولكن دون جدوي فأجابه والدي ببساطة وسخرية
يمكن يا استاذ عنده برد)..... تعجبت من هذه القصة كيف لهذا الرجل يعتل ويصيبه القلق لمرض كلبه ، ولكن لا يهتم بملايين المرضى من البشر الذين لا يجدون ثمن الدواء؟!!.
وهذه زوجة مخرج سينمائي مشهور جدًا حكي لي صديق موقفًا شاهده بعينه أنَّ أحد كلاب هذه المرأة قد فُقٍدَ مما أصابها الذعر والقلق ، ولكن بحمد الله تم العثور على ابنها الضال لمَّا رأته هاجت مشاعرها الجيّاشة تجاه كلبها كان موقفًا دراميًا ، الدموع أخذت تتحدر على وجنتيها.... موقف يستحق جائزة أوسكار( مش زوجة مخرج) ، مما أثار أسفي ليست مشاعرها فهذه مشاعر أمومة..... ولكن المخزي كلامها قالت للكلب
هو بابا زعلك في حاجة) سألت صديقي: من أبوه؟!!! ، ضحك ، ضحكت وقال: زوجها. قلت في نفسي متهكمًا: ربما هرب الكلب ؛لأنَّ المخرج رفض أنْ يعطيه دور البطولة في فيلمه الجديد.
هذا الموقف ذكرني بأطفال الشوارع الذين لا يجدون ما يسدُّ رمقهم ، ويستر أجسادهم في أيِّام الشتاء البارد. هنا تذكرت قول ابن الرومي لائمًا الكلب وليس صاحبه: ( فأين منك الحياءُ قل لي ** يا كلبُ والكلب لا يقول ).
وهذه زوجة لاعب كرة يكاد الألم يقتلها ؛لأنَّ كلبها لا يعجبه مكانًا ليقضي حاجته ، وشرعت في البحث له عن مكان مناسب لعله يتكرم ويخرج لها الجواهر التي قد طال انتظارها....(هذا موقف حقيقي). كم من المساكين في العشوائيات لا يجدون أي مكانٍ ليقضون حاجتهم وتلك تبحث عن مكان لكلب أليس أولى بذلك هم؟! وهذا الموقف ذكرني بقول بشار: ( عتبت على خنزير كلبٍ وإنني ** بذاك على الكلب التميمي أعتبُ ) ، فالعتب ليس على الكلب ولكن على من رباه وقدسه.
وهذا أعجب المواقف ، كان هناك شابٌ يعمل عملًا شاقًا في "تشوين" الأسمنت للدور الخامس ، خرج للغداء و من التعب لا يستطيع أنْ يحرك ساكنًا... في طريقه رأي رجلًا تبدو عليه ملامح الثراء وزوجته يداعبان كلبًا أسودًا قبيحًا ويقبلانه... كظم صاحبنا هذا الموقف وتابع سيره... غير أنَّ مشهد تقبيل الكلب مازال يسيطر على مخيلته. وفجأة رأي امرأة يسير خلفها كلبًا هذه المرة أبيضًا نظر إلى المرأة وإلى كلبها وجدهما يجمعهما شبه واحد وهو الصغر، فالمرأة عقلها صغير والكلب كذلك حجمه صغير... المهم أنَّ الكلب أخذ يتعرض لهذا الشاب ( والكلبُ من شأنه التعدّي ** والكلب من شأنه الغلولُ ) ، وقرر الشاب أنْ يركل الكلب ركلةً لا يقوم بعدها أبدًا غير أنَّ صاحبه أسرع وأمسك به قائلًا: (أنت عاوز تقفل بيوتنا متعرفش إنك ممكن تسجن لو الكلب جرى له حاجة).وتذكر صاحبنا قول بشار: (وَهَلْ مِنْ مَقْتَلِ الْكَلْبِ اعْتِذَارُ ).
هذه المواقف حقيقية وليست للفكاهة ومخزاها بيان سفه الترفل في النعيم والمال ، وبيان أيضًا مدى الرعونة التي يعيشون فيها هؤلاء الأثرياء ، وأيضًا رسالة إلى المتلهثين على حطام الدنيا ؛ بالإضافة إلى إظهار قيمة العقل الذي يتمتع به البسطاء وبذلهم الجم ، فهذا فقير يتبرع بكلِّ ما يملك (15جنيه) للصومال ، بينما الأثرياء يستوردون سنويًا بـ350 مليون دولار طعامًا للكلاب. كما أنَّ هناك الكثير من المواقف لم أذكرها ؛لأنَّ قلمي يعفُّ عن ذكر هذه المواقف غير الأخلاقية. ولله درُّ القائل الشاعر المصري أحمد نسيم (أمور يضحك السفهاء منها*** ويبكي من عواقبها اللبيب).