لا نريد ان نكون ابطالا اكثر .... ولا نريد ان نكون ضحايا اكثر ... جل ما نريده ان نكون بشرا نعيش في قلب الحياة لا على هوامشها ... نمارس العشق والحب واللهو والغضب .... ونصرخ صراخنا .. فهي الصرخة من جديد للثقافة العربية... وهو نداء القدس لكل احرار هذه الأمة... وهي اشارة إنطلاق إحتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية للعام 2009 ... كان لابد من هذا الضجيج الأحمق من سلطات الاحتلال حتى تستوي معاني اللحظة... وكان لابد من جيش إسرائيلي مدجج بالحقد على اناشيدنا حتى يتم الإعلان عن شارة الافتتاح... وكان لابد من ان تكون الصرخة لتكون القدس حاضرة في ضمير الثقافة العربية ... كان لابد من الإعتقال... والمداهمة... والإغلاق... وكان لابد من منع عبور اغاني الحب والجمال للإنسان كونها لا تستوي ومشهدية الموقف لخفافيش الظلام... اذن كان لابد من تدخل ليستوي المشهد من جديد... كانت لربما احتفالية تتناسب وعواصم الثقافة والجمال بالعالم... وحضارية المشهد هنا لا ترتقي لعالم الزيف ومجافاة الحقيقة بشيء... فجاء احتفالنا كما هي عادتنا بالقدس... على ارصفة الشوارع نغني... وبالحواري العتيقة نمارس لهونا... وبأزقة الخراب نعيد بناء ذواتنا لنبقى حراس المعابد وكما يجب ان نكون... هي كلمتنا من جديد... وهي تعويذة الرب التي تشرفنا من خلال اسمها... في القدس اليوم يكمن التحدي لإبجديات الحب شعرا وقولا بليغا فصيحا ينطق بلغة الضاد... في القدس اليوم تكمن ارادة من اراد ان يعلي كلمة يسوع على صليب الجلجلة... ويرتل مع المؤمنين بلغة سريالية لا تعرف الا سلاما وبردا على من سكنها... في القدس نعي معادلة واحدة ان ثقافتنا عربية وان للقدس اعواما للثقافة العربية وهي عاصمة ابدية للحضارة العربية... وان لم يكن المشهد كما كان في مسرحها من قمع لإغنية ولترتيل السماء لكان الشك بالقدس ذاتها... اذن كان لابد من ان يكون المشهد كما كان ...
حينما تحتفي القدس بالثقافة العربية لابد لها ان تتميز... ولابد ان تهتز معها كل معاني ثقافة العصر وعولمة الفهم للحضارة... ولابد لكل شعراء العصر من ان يعلموا ان كتابة الشعر وانشاده في القدس معيارا أخر ومقياس اخر وبلغة اخرى لا يفهمها الا من فكك رموز القدس... ومن يريد ان يغني القدس لابد ان يستوعب آهاتها... ويحمل معها جزء من ثقلها حيث انها حامية لتراث من مروا بها واودعوا بخزائنها كنوز اللغة وكلمات الرب والتصوف والشعر ودراويش الزمان وجمال الفقراء وأقاصيص العجائز وعبث العشاق ... ومن امتطى صهوة الريح وحضر الى المكان ربما صدفة او عن سبق اصرار وترصد ناقشا جملة على جدران المدينة... لتضيف رمزا من رموز الحضارة وثقافة المكان والزمان ولتشهد من جديد انه قد مر من هنا... وجمالبة المشهد حينما تتزاوج المعرفة بتاريخ انت شاهد عليه ... للقدس معاني لها ان تتمظهر بكل الأوقات... الذي كان لابد له من ان يكون حتى تستوي القدس حقيقة دون تزيف لواقعها...
كان لابد لسلطات الاحتلال من مداهمة للمسارح وللحارات والحواري وللأزقة حتى تكون القدس صادقة مع ذاتها حينما تعتلي منصة الثقافة العربية .... وكان لابد من الإعتقال حتى تستوي ادارة الحدث... فأحداث القدس لا يمكن ان تعبر دون ادارة فعلية للحدث.. وشؤونها هكذا تتم ادارتها.. حتى ان عشاقها يعرفون كيف من الممكن ان يعايشوا الحدث في عيد الحب ... فهناك اعتقال لمن تسول له نفسه ان يحمل وردة حمراء بعيد الأم او لزوجة تنتظر وردتها وان اقترب احد من الوردة الحمراء لابد من ان يتلصص ليلا لعشيقته الساكنة بين ثنايا البلدة القديمة ولربما يأتيها عند اول الصبح حتى يكون العبور للحواري أمنا فخفافيش الظلام يتربصون العشاق ايضا....
اذن كان ما كان وتم الإعلان عن القدس عاصمة الثقافة العربية للعام 2009 ومن هنا فمن الواضح ان السلطات الإسرائيلية تسعى بكل السبل والوسائل لترسيخ مفاهيم ومعاني السيادة الفعلية لمؤسسات الاحتلال في القدس وذلك بخلاف ارادة الجمهور الفلسطيني اولا وقانونية اجراءاتها على الأرض ثانيا.... فبعد ان انهت برامجها المتعلقة بخطط الإستيطان وإطباق السيطرة الفعلية على كافة جهات القدس ومحاولاتها الراهنة للتغلغل إستيطانيا بعمق الأحياء العربية الفلسطينية وتحديدا تلك التي تشكل انوية الأحياء العربية بالعمق المقدسي... تحاول مجددا اثبات ان لا سيادة الا سيادتها ولا ارادة الا ارادة مؤسساتها حتى فيما يخص ابسط مفاهيم الحياة العربية وأسس المفاهيم العربية الخصوصية والتي لطالما حتى في اعتى دول الإحتلال التي عرفها التاريخ كان ثمة مراعاة لوقائع خصوصيات المجتمعات المحتلة.. فهي اليوم تحاول الإثبات مجددا ان لا ثقافة اخرى غير ثقافة الظلام والهيكل بالقدس وان لا مؤمنين الا من آمن بثقافة التلمود بالقدس... وان لا حياة لمن يحاول ان ينطق بلغة الضاد بالقدس...
هذا الطبيعي اليوم بالقدس وهذا ما يحاول قوله حكام تل ابيب من جديد للقدس... واعتقد انها رسالة ايضا لوزراء الثقافة العرب الذين قرروا وتلقفنا نحن القرار وكنا ان تحدينا وبدأنا بالقدس وللقدس ومن اجل القدس....
هو الإعلان الذي يتوافق ومناسبة الحدث وهو ما تعجز عنه كل سيناريوهات القصص الملحمية لتجسيد صورة لمشهد وقائع العصر... وهو ابداع يعجز عن تجسيده اشهر ملوك المسرح وامتلاك اللحظة الإرتجالية.... فهذا هو الإحتفال بالقدس