حكم العصيان المدني في الإسلام
بقلم فضيلة الأستاذ الدكتور محمود مهني محمودإن عنوان هذا الكلام مذموم وهو العصيان ، فالإسلام لا يحب هذا اللفظ خاصة وأن وراءه مشكلات عديده على الأمة والأفراد ، قال تعالى (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ) سورة الملك ، أي ياعبادي أنا ذللت لكم الأرض وسخرتها لكم وأمرتكم بالتعامل معها لتخرجوا من بطنها مايفيدكم في الدنيا والأخرة من أجل ألا تمدوا اليد إلى الغير لأن السؤال ذل ولو أين الطريق ، فمن ضيق عليه رزقه في مكان فليلجأ إلى أخر لأن الأرض ملكي والسماء ملكي فأنا الذي أنزل الماء من السماء لأحيي به الأرض ، وهكذا تعمل يد القدرة أناء الليل وأطراف النهار، فلا يستطيع ملك المطر أن يمتنع ولا يستطيع ملك الرحمة أن يمتنع عن أمري ، فالملائكة يعملون دائما وأبداً انطلاقاً من قول الله تعالى ( لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) ،
وأمر الله المؤمنين بعد انتهاء صلاة الجمعة أن يخرجوا إلى أعمالهم سراعاً طالبين الرزق من الله ، قال الله تعالى ( فإذا قضيت الصلاة فأنتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون ) ،
ومن هذا الأمر الإلهي كان أحد أصحاب رسول الله يصلي الجمعة ثم يخرج سريعاً إلى باب المسجد قائلاً اللهم قد أمرتنا بالصلاة فصلينا ، وأمرتنا بالسعي فسعينا ، وأمرتنا بالضرب في جنبات الأرض لنحصل على الرزق ، فاللهم أرزقنا كما وعدتنا وأنت خير الرازقين ، فهذا يوم الجمعة الذي يعتبر عيداً نحن مأمورون بالعمل فيه على مستوى بلادنا ، فإن ضاق الرزق علينا في بلادنا فما علينا إلا أن نسعى إلى بلد أخر لأن الأرض كلها ملك له ، ومن هنا قال الشافعي رحمه الله -
سافر تجد عوضاً عمن تفارقه ... وأنصب فإن لذيذ العيش في النصب
إني رأيت وقوف الماء يفسده ... إن سال طاب وإن لم يجر لم يطب
والتبر كالترب ملقى في أماكنه ... والعود في أرضه نوع من الحطب
فإن تغرب هذا عز مطلبه ... وإن تغرب ذاك عزك كالذهبِ
ومن هذا المنطلق يحثنا الله على العمل المتواصل ليلاً ونهاراَ لكي نصون وجوهنا عن ذلة السؤال ، قال تعالى ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) وكان الأنبياء والرسل يعملون مع أقوامهم ، فهذا داوود عليه السلام قد طلب من الله أن يعلمه صنعة يأكل منها فألان الله له الحديد ليصنع منها الأسلحة ويبيعها لكي يحصل على قوته وقوت أولاده ، قال تعالى (وأَلَنَّا لَهُ الحديد أنِ أعمل سابغاتٍ وقدِّرْ في السَّرْد واعملوا صالحاً، إني بما تعملون بصير.) سورة سبأ .
بل وسيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عمل قبل الرسالة ورعى الغنم وتاجر ، وعمل بعد الرسالة وقال صلى الله عليه وسلم ( مامن نبي إلا ورعى الغنم ) وسيدنا زكريا كان نجار وكذا سيدنا نوح عليه السلام واتباع الأنبياء وأصحابهم حرثوا الأرض وفلحوها ، وأخرج الله لهم منها ما يغنيهم عن ذل السؤال ، ومن هنا كان علي رحمه الله ورضي الله عنه عاملاً بل يخلط الماء بالتراب للأخرين بتمرات قليلات ، فقيل له يا ابن عم رسول أتعمل هذا العمل المضني بهذه التمرات القليلات ، فقال -
لحمل الصخر من قمم الجبال ... أحب إليَّ من منن الرجال
يقول الناس لي في الكسب عارٌ ... فقلت العار في ذل السؤال
والكلام في العمل كثير ، ولكنني قدمت موضوعي بهذه المقدمة لأرد على الشباب الغير مسئول الذين ينادون بالعصيان المدني فأقول لهم -
1- إن عملهم هذا غير مسئول لأن فيه ضرر على الفرد والجماعة .
2- انكاركم للعمل الذي أمركم الله به وتعطيل القدرات ، وهذا يفتح الباب أمام سؤال الدول التي لا تعطي إعانات إلا مشروطة .
3- من لم يعمل لا سيادة له ولا كبرياء ، والنداء بالعصيان المدني تخطيط عدائي ضد المصريين من قديم الزمان ولم يجر من الرعيل الأول ولا الشباب الأول مثل هذا التفكير الساقط الذي يدل على عدم الفهم .
4- سوف يفتح على الأمة باب الضياع فتضيع الأعراض والكرامات التي نادى بحفظها العربي قبل الإسلام ، فقال أحدهم
أصون عرضي بمالي لا أدنسه ... لا بارك الله بعد العرض في المال
أحتال للمال إن أودى فأجمعه ... ولست للعرض إن أودى بمحتال
5- فتح باب مد اليد للأعداء الذين لا يرقبون في مؤمن إلاَّ ولا ذمة ، ومن هنا تضيع البلاد أرضاً وثروة وفكراً واتجاهاً.
6- فيا أبناء مصر كل من أعلن العصيان المدني في الدولة محارب لله ولرسوله وللمؤمنين ، فلا تستمعوا إلى هذا النداء القبيح وإلا انطبق عليكم قوله تعالى (إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) سورة المائدة ، واقتدوا بنبي الإسلام الذي كان يأتي إليه السائل فيسأله فيأمر بأن يعلمه صنعة ليصون حياء وجه ،
وعمر الذي كان يقول إني أرى الرجل ولا عمل له فيسقط من عيني ، فعمر بنى أمة في عشر سنين ، وملأ الدنيا عدلاً وامناً وأماناً حتى إن سفير كسرا رأءه نائماً في الطل ، فقال حكمت فعدلت فأمنت فنمت ياعمر .
وقد علق حافظ ابراهيم على هذا الموقف قائلاً
وراعى صاحب كسرا أن رأى عمر ... بين الرعية عطل وهو راعيها
فوق الثرى تحت ظل الدوح مشتملا ... ببردة كاد طول العهد يبليها
فهان في عينه ما كان يكبره ... من الأكسار والدنيا بأيديها
وقال قولة حق أصبحت مثلاً ... وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها
أمنت لم أقمت العدل بينهم ... فنمت نوم قرير العين هانيها
يوم اشتهت زوجه الحلوى فقال لها ... من أين لي ثمن الحلوى فأشريها
مازاد عن قوتنا فالمسلمون به أولى ... فقومي لبيت المال رديها .
ياأبناء مصر ، يا أبناء عمر ، يا أبناء خالد ، إن العالم ينظر إليكم اليوم نظرة كلها أسئلة لماذا يفعل أبناء مصر هذه الأفعال بعد أن حطموا الطواغيت ، فكان الواجب عليهم بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 العظيمة أن تبنوا مصر وتوحدوا بين أبنائها مستندين إلى قوله صلى الله عليه وسلم ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى )