سوق المال - لا يعد وجود أزمة عملة واضطرابات سياسية وفراغ في صناعة السياسة الاقتصادية أوضاعاً ملائمة في المعتاد لموجة صعود في سوق الأسهم لكن هذا الأمر لا ينطبق حالياً على مصر.
قفز السوق المصري على مدى الأسابيع القليلة الماضية رغم أن الرؤية السياسية والاقتصادية المباشرة تسوء. فالشراء المستدام من الصناديق الأجنبية ساعد في دفع الأسهم للصعود.
ويوضح هذا الصعود أن كثير من المستثمرين المتضررين من ثورات الربيع العربي ينظرون لأبعد من الاضطرابات الحالية إلى مرحلة، ربما تكون بعد عام أو اثنين من الأن، وقتما ربما تصبح السياسة أكثر استقراراً والاقتصاديات تنمو مجدداً بقوة.
لا يتجاهل المستثمرون الأجانب مشكلات مصر لكن يعتقدون أن تلك المشكلات يمكن إدارتها بمرور الوقت، لذا هم يركزون على إمكانيات الدولة، بحسب ما قاله شريف سالم، مدير المحافظ المالية بشركة "انفيست ايه دي" الإماراتية.
"يدرك المستثمرون بشكل كبير أن القضايا السياسية والاقتصادية سوف تمر في مسار مضطرب للغاية، نظراً لتجربتنا على مدى العامين الماضيين".
"لكن بالتركيز على المدى الطويل، ينظر المستثمرون لأبعد من المديين القصير والمتوسط".
الأداء
أعطت البضعة أسابيع الماضية المستثمرين وفرة من المشكلات للقلق بشأنها. فقرار الرئيس محمد مرسي بالتعجيل من تمرير دستور بصبغة إسلامية أثار غضب المعارضة وربما يعقد جهود التوصل لتوافق حزبي حول إصلاحات اقتصادية.
وتعتبر تلك الإصلاحات مطلوبة لإقناع صندوق النقد الدولي بتوفير قرض بقيمة 4,8 مليار دولار لمصر، لوقف تراجعاً في احتياطي العملات الأجنبية لمصر. وتأجل قرار صندوق النقد الدولي لأجل غير مسمى بسبب الاضطرابات السياسية.
وقد دفع الوضع الخطير لاحتياطي العملات إلى أن يتخلى البنك المركزي عن جهود بقاء الجنيه المصري مستقر. وأطلق ألية جديدة متمثلة في عطاءات دولارية سمحت للجنيه أن ينخفض حوالي 4% منذ 30 ديسمبر، إلى أدنى مستوى قياسي 6,48 مقابل الدولار.
ويرجح حدوث مزيد من الانخفاض في قيمة العملة، فتعتقد المؤسسة الاستشارية كابيتال ايكونوميكس التي مقرها لندن أن معدل 7,5 سيكون قيمة عادلة للجنيه. ويهدد ضعف العملة بمزيد من هروب رؤوس الأموال وتحميل المستثمرين الأجانب خسائر بسبب سعر الصرف وإشعال تضخم قد يفاقم المشكلات السياسية للدولة.
لكن تلك الاعتبارات لم تضر سوق الأسهم. فيرتفع المؤشر الرئيسي "ايجي اكس 30" بحوالي 25% من المستوى الأدنى الذي تسجل في أواخر نوفمبر. وهو لازال أقل 18% من مستواه في نهاية 2010، فقط قبل الثورة التي أطاحت بحسني مبارك، لكنه يرتفع بنسبة 64% من المستوى الأدنى الذي تسجل في ديسمبر 2011 في أعقاب الثورة.
كان المستثمرون الأجانب غير العرب، الذين يمثلون حوالي 15% من التداولات في السوق، صافي شراة للأسهم في كل يوم تقريباً على مدى الأسابيع الستة الماضية، بحسب ما أظهرته بيانات البورصة.
وقال زين بيكالي، المؤسس والمدير التنفيذي لشركة "سيلك انفيست"، التي هي شركة إدارة استثمارات في الأسواق الناشئة، أن الصناديق الأجنبية تزيد تدريجياً وزنها الطبيعي في مصر بعد الانسحاب خلال إضطرابات 2011.
"الأن صناديق الأسواق الناشئة التي تعاملاتها طفيفة مع مصر عادت بشكل عام لوضع محايد حول الدولة الأكبر سكاناً في العالم العربي. والصناديق الخليجية لا زالت في خضم عودتها—تلك العملية هي التي تبرر جزئياً الأداء القوي جداً للسوق في الأسابيع القليلة الماضية، ويمكن أن تستمر في ذلك لبعض الوقت".
التقلبات
تسببت موجة الغضب حول الدستور في بعض الاحتجاجات العنيفة. لكن الكثير من مديري الصناديق يمكن أن يقبلوا بمستوى مرتفع نسبياً من الاضطرابات الاجتماعية، ما دام لا يبدو أن تلك الاضطرابات ستنسف فرص الانتقال البطيء لمصر إلى سياسة أكثر استقراراً.
"يستوجب عليك ألا تنشغل بالسياسة—فلا تسقط في هذا الفخ. وهذا صعب، لكن عليك أن تقبل بأن هذه التقلبات هي جزء من السوق"، بحسب ما قاله بيكالي.
من ناحية، بدا القرار المثير للجدل من مرسي حول التعجيل من تمرير الدستور إيجابياً لبعض المستثمرين: فقد مهد لانتخابات برلمانية في غضون أشهر قليلة. والانتخابات، وإن كانت تجرى في ظروف مضطربة، هي جزء أساسي للانتقال السياسي.
وفي نفس الأثناء، ليس انخفاض قيمة العملة سلبياً تماماً. فيبدو أن المستثمرين الأجانب يستغلون انخفاض الجنيه في شراء الأسهم بأسعار أرخص، بينما التضخم الناجم عن ضعف العملة ربما ينال من العائدات الحقيقية على ودائع البنوك، ما يجبر المستثمرين المحليين نحو الأسهم بمرور الوقت، هذا ما قاله شريف سالم من انفيست ايه دي الإمارتية.
وإن أسهم شركات مصدرة كحديد عز، التي يمكن أن تبيع أكثر في الخارج مع انخفاض الجنيه، والشركة العقارية بالم هيلز، التي يمكن أن تستفيد إذا شجع انخفاض الجنيه المستثمرين الخليجيين الأثرياء لشراء العقارات المصرية، كانت هي الأفضل أداءاً في السوق خلال الأسابيع القليلة الماضية.
ولكن الخطر الأكبر على الأسهم هو إنهيار غير محكوم للجنيه، لأن مصر تستورد أغلب موادها الغذائية، ما يمكن أن يدفع التضخم إلى مستويات خطيرة سياسياً.
لكن يعتقد المستثمرون أن هذا الإنهيار مستبعد، حيث يعتقدون أن مصر سوف تحصل في النهاية على قرض صندوق النقد الدولي بينما المتبرعين الأجانب الأخرين كقطر، التي أعلنت هذا الأسبوع عن مساعدة جديدة بقيمة 2,5 مليار دولار لمصر، لهم مصالح جيوسياسية في دعم مصر.
وقالت نانسي فهيم، الخبيرة في الاقتصاد الإقليمي ببنك ستاندرد تشارتدر في دبي، أن القاهرة لديها على الأرجح احتياطي كافي لإدارة وتيرة هبوط الجنيه والحد من صعود التضخم.
"أعتقد أنهم سوف يتفادون هبوطاً فوضوياً" بحسب ما أضافته، متنبأة أن التضخم سيرتفع إلى نسبة 8,5% العام المالي القادم من متوسط 7,7% في العام الحالي حتى يونيو. وقد بلغ في العام المالي الماضي نسبة 8,7%.
ومن الجدير بالذكر أن الأسهم الأمريكية إنتعشت بجانب ضعف للعملة في الماضي، ففي عام 2003، عندما أطلقت القاهرة سياسة التعويم المدار، هبط الجنيه حوالي 25% لكن قفز مؤشر الأسهم 135% حيث ارتفعت بحدة أسهم شركات التصدير.
www.souqelmal.com
www.souqelmal.com/vb