حارس المنارةفيصل بن جاسم آل ثانكان هناك رجل يعمل حارسًا لمنارة بحرية تقع على امتداد ساحل صخري وتعمل بواسطة ضوئها المتوهج على تنظيم حركة السفن، وكان الحارس يحصل مرة كل شهر على ما يكفيه من زيت ليحافظ على ضوء المنارة متوهجًا. وبما أنه لم يكن يبعد كثيرًا عن الساحل فقد كانت الزيارة إليه من الناس لا تنقطع. وفي إحدى الليالي زارته امرأة من القرية المجاورة واستجدته قليلًا من الزيت من أجل طفل لها موشك على الهلاك. ومرة أخرى زاره أب وطلب منه قليلًا من الزيت يتوقف عليه علاج بعض أبنائه. وفي مرة ثالثة زاره آخر احتاج الزيت لسبب مشابه. وقد تكررت معه هذه الاحتياجات مرات معدودة، ولأن الطلبات بدت له مهمة ومعقولة لم يكن الحارس يرد أحدًا. وفي ليلة من ليالي آخر الشهر المظلمة لاحظ الحارس أن ضوء المنارة قد انطفأ واكتشف أن مخزونه من الزيت نفد, وكان العديد من السفن في أمس الحاجة إلى نور المنارة. وبما أن المنارة لم تكن مضيئة بسبب نفاد الزيت حصلت كارثة كبيرة، حيث غرقت في تلك الليلة سفن عدة وهلك كثير من الناس. وعند التحقيق مع الحارس في الكارثة التي حدثت أبدى شديد الندم والتأثر على النتائج المأساوية التي آل إليها سوء تصرفه، ورغم اعتذاراته المتكررة ومحاولة تبرير خطئه بالحالات الإنسانية القاهرة التي اضطرته لإعطاء القليل من الزيت فقد ظلت الكلمة التي تُردد عليه هي: «إنما أعطيناك الزيت لهدف واحد، وهو المحافظة على ضوء المنارة ساطعًا».
قد يكون الحارس أنقذ فردًا أو أكثر من الأسر التي طلبت منه القليل من الزيت، وكذلك الأمر في الحالات المشابهة، ولكنه يقينًا تسبب في خسارة مادية كبرى بسبب غرق السفن المحملة بالبضائع، ويقينًا تسبب في وفاة عدد من الناس كانوا عليها، ويقينًا تسبب في خسارة كبرى لملاك السفن.
إن هذه القصة تبين أهمية الأولويات وخطورة عدم مراعاتها في حياة الفرد والأسرة والمؤسسة والدولة، ولذلك فلا بد أن نعي أهمية ترتيب الأولويات ونراعيها بشكل دقيق.
إن من أكبر المشكلات التي يعاني منها الناس والمؤسسات بشكل دائم اختلاط الأولويات في أذهانهم، مما يدفعهم للقيام بأعمال هي في ذاتها مهمة، ولكنها تكون على حساب ما هو أهم وفي بعض الأحيان في غير وقتها. وأغلب الناس يستطيعون تحديد أولوياتهم بخصوص ما يبدو لهم صحيحًا أو خطأً، ولكنهم يواجهون تحديًا كبيرًا عندما يطلب منهم الاختيار بين أمرين يصعب الاختيار بينهما مثل الحسن والأحسن.
ومن أساسيات النجاح الرئيسية أن يضبط المرء بوصلة الأولويات بشكل جيد ويحافظ على المنظور الصحيح تجاه الهدف في اللحظات الضاغطة التي قد تشوش عليه لِتصْرفه عن هدفه. إن السبب الذي يجعل الأهداف الكبرى لا تتحقق هو إهدار الوقت في أشياء ثانوية.
والمتأمل في سيرة الرسول يجده يولي اهتمامًا كبيرًا لترتيب الأولويات, فحين أرسل معاذا إلى اليمن قال له: إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله تعالى، فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا صلوا فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة في أموالهم تؤخذ من غنيهم فترد على فقيرهم، فإذا أقروا بذلك فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس. إن الرسول لم يشغلهم بأشياء كثيرة هي مهمة في حد ذاتها ولكن ليس لها أولوية في حينها.
أكاديمى وكاتب قطرى