جريمة لا ينبغى أن تمرجمال سلطانواقعة حصار النائب العام المستشار طلعت عبد الله في مكتبه وإجباره على كتابة استقالته لا ينبغي أن تمر بدون وقفة حقيقية وجادة من كل المخلصين لهذا الوطن، لقد استمعت أمس إلى المتحدث الإعلامي باسم نادي القضاة وفجعت بأنه ـ وهو القاضي المفترض أن يحترم القانون والنظام العام والعدالة ـ يدافع عن هذه الجريمة ويصفها بالموقف الحضاري، وقد شككت أن يكون الرجل بكامل قواه العقلية وهو يقول هذا الكلام، وأنه ليس تحت تأثير أحد الأدوية مثلًا، لأن ما قاله جريمة أخرى مضافة تكشف عن هستيريا وحالة انفلات في القضاء المصري غير مسبوقة، خاصة وأن المستشار أحمد الزند رئيس نادي القضاء أقام احتفالية وفرحًا كبيرًا بانتصار هؤلاء "البلطجية" على النائب العام، وهذا الموقف الذي وصفه نادي القضاة بالحضاري يمكن تكراره، بنفس حضاريته مع نادي القضاة نفسه، كأن يقوم مواطنون غاضبون ـ بشكل حضاري ـ بمحاصرة النادي والتهديد باقتحامه وحبس كل من فيه من القضاة والمستشارين ومنعهم من الحركة أو الخروج قبل أن يكتب كل منهم خطاب استقالة من العمل في القضاء والاستقالة أيضًا من عضوية نادي القضاة، وسيتم الأمر كله بشكل حضاري، حسب قول ورغبة المتحدث الإعلامي باسم نادي القضاة، كما أننا بدأنا نرى مبشرات هذا التحول التاريخي والحضاري في القضاء المصري، عندما حاصر آلاف المواطنين الغاضبين نيابة مدينة نصر، لإرغام محققي النيابة ـ بشكل حضاري ـ على الإفراج عن شاب تم القبض عليه بطريقة غير لائقة، وتم حبس وكلاء النائب العام، كما حبسوا هم أنفسهم رئيسهم قبل أيام في مكتبه، وتم منعهم من الحركة أو الخروج حتى كتبوا قرار الإفراج عن المواطن المحتجز فهنا قرر المواطنون الغاضبون فك الحصار عن النيابة، بشكل حضاري، نحن على أبواب كارثة حقيقية في مؤسسة العدالة وفي الوطن كله، إذا لم يكن هناك موقف رادع وحاسم وتاريخي من مجلس القضاء الأعلى تجاه هؤلاء "البلطجية" الذين حاصروا النائب العام في دار القضاء العالي ومنعوه من الخروج وهددوا باقتحام مكتبه وطرده منه بالقوة حتى يكتب استقالته ويترك عمله، ولو مر هذا الموقف بدون حسم وعقاب شديد، فإن الخطوة التالية هي أن يقوم بعض القضاة الغاضبين أو رجال النيابة بمحاصرة مجلس القضاء الأعلى نفسه وإذلال شيوخه، وإجبارهم على كتابة الاستقالة أو الاستجابة لمطالبهم أيًا كانت، كما أنه سيكون من حق أي مائة عضو بالنيابة العامة أن يقوموا بمحاصرة دار القضاء العالي مستقبلًا في أي وقت وأي ظرف، ويمنعوا النائب العام الجديد من الخروج أو الحركة ويهددوه باقتحام مكتبه لكتابة استقالته لأنه صدرت منه بعض التوجيهات أو القرارات التي لا تعجبهم أو لا ترضيهم، ولن تستطيع أن تمنعهم حينها أو تعاقبهم أو تؤاخذهم لأنك وضعت سابقة وقاعدة بقبولك بهذا الفعل من قبل.
مصر تجني اليوم حصاد الخراب الذي أسس له مبارك ووزراء عدله، عندما دفعوا بأعداد كبيرة من رجال الشرطة وأمن الدولة في سلك القضاء والنيابة، وأيضًا حصاد المجاملات غير الإنسانية والتي لا تنتمي إلى العدالة والمساواة والمواطنة بأي طرف، أن يمنح أنجال رجال النيابة والقضاة أفضلية مطلقة للتعيين في سلك القضاء أو النيابة مع حرمان من هم أفضل منهم من أبناء جيلهم علمًا وسيرة وثقافة وأخلاقًا، حتى وصلنا إلى مشهد البلطجة التاريخي الذي قام به هؤلاء "الأنجال" أمام دار القضاء العالي والذي هو نتاج التدليل والتوظيف الرخيص السهل بدون كدٍ أو استحقاقٍ، والذي سيسجله التاريخ في صفحات العار والهوان لقضاء مصر.