قصة الحكايتين «الدخيلتين» علاء الدين وعلي بابا
على رغم الاعتراف العالمي بكون حكايتي «علاء الدين» و «علي بابا» عربيتين، ليست هناك نصوص متداولة عربياً لهاتين الحكايتين، لا في شكل مستقل ولا ضمن طبعات «ألف ليلة وليلة» - باستثناء التلخيصات الموجهة الى الأطفال. وإليكم ملخص حالة القضية.
علاء الدين
نصها العربي موجود في مخطوطتين مودعتين في المكتبة الأهلية في باريس، ناسخ الأولى القسيس السوري ديونيسيوس شاويش، الذي طُرد من فرنسا إثر ثورة 1789، والثانية المغامر اللبناني ميخائيل الصباغ، المولود بين 1775 و1784 والمتوفى عام 1816. نشرها للمرة الأولى والأخيرة المستشرق الفرنكو - بولاندي زوتنبرغ عام 1888 في باريس، ولم يشكك أحد في النص جدياً حتى جاء العلاّمة العراقي محسن مهدي عام 1984 وقال ان هذا النص ليس إلا مجرد تزوير من غير أي قيمة علمية أو أدبية قام القسيس شاويش بترجمة مزعزعة له لم يَلتفَت إليها أحد بعين الجد (فهو، مثلاً، لم يحسن حتى إملاء اسم البطل، فيكتبه «عليا الدين»)، ثم جاء بعده ميخائيل الصباغ وصححها ونقلها إلى مخطوطة أخرى فحظيت باهتمام أكبر لدى المستشرقين آنذاك لإتقان ناسخها اللغة العربية. والنص الذي أنتجه الصباغ هذا هو عينه الذي نشره زوتنبرغ. ولمحسن مهدي رأي سلبي جداً بالنسبة إلى شخصية الصباغ، يتعارض اعتراضاً تاماً مع الصورة المشرّفة التي قدمها هو عن نفسه في كتابه «الرسالة التامة في كلام العامة والمناهج في أحوال الكلام الدارج»، والتي كرسها الأب لويس شيخو اليسوعي، إذ يعتبره مهدي منافقاً وانتهازياً ليس له غرض سوى كسب المال والمكانة من خلال تزوير مخطوطات عربية (كما فعل بمخطوطة كاملة لألف ليلة نسخها في باريس وزعم انه جلبها من بغداد) وادعاء (أو التلميح إلى) معرفة لم يمتلكها بهذه اللغة، بيد أنه مات، كما يسجل مهدي بسخرية لا يحاول كتمها، «في فقر مدقع» عام 1816. (راجع: كتاب «ألف ليلة وليلة» من أصوله العربية الأولى. تحقيق وتقديم محسن مهدي، ليدن، ابريل، 1984، ولويس شيخو «ميخائيل الصباغ وأسرته»، في مجلة الشرق، بيروت، 1905).
علي بابا
نصها العربي الوحيد موجود في مخطوطة مودعة في المكتبة البودلية في أوكسفورد، نشره للمرة الأولى المستشرق ماكدونالد عام 1910، ثم نشره مستشرق آخر ذائع الصيت هو تشارلز توري في 1911 وألحق ماكدونالد في السنة التالية ملاحظات أخرى. وواضع النص العربي كما اتضح في ما بعد هو تاجر ومستشرق فرنسي عاش لفترة طويلة، في أواخر القرن الثامن عشر، في مصر، كان اسمه جيان وارْسي (أو يوحنا بن يوسف وارسي، كما كان يكتبه بالعربية). وكان لوارسي هذا اهتمام بالغ بجمع مخطوطات «ألف ليلة وليلة»، وفي مكتبة جون ريلندز البريطانية مخطوطة لـ «ألف ليلة وليلة» ناقصة تعود إلى القرن السادس عشر حاول هو نفسه أن يكملها بخطه العربي الجميل ويستدرك ما بها من هفوات وأوراق مفقودة (راجع نماذج من خطه العربي المطرد في الملحق). ولم نجد في المصادر التي توفرت لدينا معلومات عن تاريخ ولادته أو وفاته، مع أن غالب الظن أنه من مواليد النصف الثاني من القرن السابع عشر ومن وفيات النصف الأول من القرن التاسع عشر. ويذكر محسن مهدي أنه كان تلميذاً للمستشرق الشهير البارون سيلفستر دي ساسي.
الترجمتان تعرّضت أصالتهما للتشكيك من جانب الدارسين، أبرزهم كما سبق أن أشرنا هو محسن مهدي، ومفاد التشكيك هو أنهما ترجما الحكايتين من ترجمة انطوان غالان الفرنسية الشائعة لـ «ألف ليلة وليلة» والصادرة بين 1704 و1717.
ومن المعروف ان غالان اعتمد في ترجمته على اكثر من نوع من المصادر، أولها وأهمها المخطوطة المودعة اليوم في المكتبة الوطنية في باريس تحت الارقام 3609 و3610 و3611 والتي يُرجع محسن مهدي تاريخ نسخها الى أوائل القرن الرابع عشر الميلادي. غير أن المستشرق الالماني هاينز غروتزفيلد أرجع ذلك التاريخ، بحجج لا تقبل المناقشة، إلى منتصف القرن الخامس عشر الميلادي. ومخطوطة غالان هذه، وهي مخطوطة ألف ليلة الوحيدة المتوافرة لديه وقتذاك، غير كاملة، أي تحمل عنواناً لا يتطابق مع مضمونها، لأنها مكونة من 282 ليلة فقط، بينما تحتوي ترجمة غالان على «ألف ليلة وليلة» معدودة. من أين، إذاً، أتى الرجل ببقية قصص الكتاب؟ للإجابة عن هذا السؤال توصل الباحثون الى مصادر من أنواع أخرى، منها حكايات وقصص مخطوطة جلبها غالان معه بعد عودته من المشرق وليست لها علاقة بألف ليلة، كما هي الحالة بالنسبة، مثلاً، الى قصة السندباد البحري، التي أقحمها بترجمته، مع علم أو بغير علم من أن عملية مشابهة كانت تجرى في مصر، حيث أحد نساخ الكتاب أدخل، في الفترة ذاتها، قصة السندباد البحري في متن نسخته لألف ليلة، وهي اليوم مودعة في المكتبة الوطنية في باريس تحت الرقم 3615. وهناك مصادر من نوع آخر وهي حكايات وقصص تلقاها (أو ادعى أنه تلقاها) من خلال المشافهة، بحسب ما يسجل في يومياته، عن راوٍ ماروني من مدينة حلب اسمه حنا دياب، الذي لا يحفظ لنا عنه التاريخ شيئاً مهماً سوى انه اتى غالان من المشرق زائراً وأنه أثار إعجاب الكاتب الأرجنتيني بورخس بغموضه القاتم ومساهمته الحاسمة * ولو خرافية - لإتحاف الآداب العالمية بكتاب «ألف ليلة وليلة». ترك غالان ملخصات لبعض الحكايات التي سمعها * غالباً من حنا * في يومياته، نذكر على سبيل المثال قصة «غانم ابن ابي أيوب المتيم المسلوب» (التي تقع في بعض مخطوطات ألف ليلة ضمن قصة عمر النعمان) و «لطائف مرجانة أو اللصوص الأربعون الذين أهلكتهم حيلة جارية». وهذه الأخيرة ملخص لقصة علي بابا، مع ملاحظة ان فيه لم يكن اسم البطل «علي بابا» بل «خواجة بابا» (Hogia Baba). وهناك أخيراً قصص لم يتوصل الباحثون بعد إلى مصدر معقول لها، ومن بينها قصة علاء الدين، مع أنه يوجد من يميل الى انها من اختراع مخيلة غالان الخصبة، إلا أنه يمكن أن يقال انها، وإن كانت كذلك، فهي ليست أكثر من نتيجة لجمع عناصر ومشاهد متعددة التقطها غالان من هنا ومن هناك في نصوص «ألف ليلة وليلة» وقصص أخرى وصاغها كما بدا له. أو بالأحرى: ان ما غذى مخيلته هو، في نهاية المطاف، المخيلة العربية.
ومهما كان من أمر فما لا يقبل الشك هو كون الكاتبين، الصباغ والوارسي، منغمسين إلى حد بعيد بالثقافة العربية، الأمر الذي يضفي شيئاً من الأهمية على ما قاما به، لأنه من الجلي للعيان أن نصيهما لا يتفقان اتفاقاً كاملاً مع نص غالان الفرنسي، مما قد يدل الى أنهما أضافا إلى الحكايتين عناصر مختلفة ربما عرفاها في الشرق من خلال مصادر أخرى، شفهية كانت أم مكتوبة. راجع، على سبيل المثال، الأشعار التي اضافها الوارسي إلى ترجمته، والتي ليس لها وجود في نص غالان، مع العلم بأن غالان لم يترجم بيتاً قط للشعر في عمله، بل كان يتجنبه تماماً إما مختزله نثراً او مسقطه وسياقه كلياً. وبأبسط تقدير يمكن القول إن النصين يعكسان، على الأقل، محاولة انتاج أصالتهما العربية، ان كان من طريق التكيف مع آفاق احتماليات المستشرقين، كما فعل الصباغ، أو تجربة لإقناع الذات، كما فعل الوارسي، عن قدرته على إنتاج مضاعف للشرق. ويكمن الفارق الأساس بين الرجلين في منطقة أخرى غير تلك الأدبية: فبينما لم تُكتشف ترجمة الوارسي لقصة علي بابا إلا بعد انتقاله الى جوار ربه - مما قد يدل على أنها ليست أكثر من مجرد تمرين في اللغة العربية -، قام الصباغ بالبيع الفوري للمخطوطة البغدادية التي لفقها في باريس من مصادر مختلفة، وغرضه الواضح هو كسب المال في غير وجهه، كما كان يقال. والله أعلم.
نعيد في هذا الكتاب نشر الحكايتين بحسب طبعتهما العربية الوحيدة (قصة علاء الدين كما نشرها زوتنبرغ في 1888 وقصة علي بابا كما نشرها ماكدونالد في 1910)، واستكمالاً للفائدة نعيد نشر تعليقات الأب لويس شيخو اليسوعي ومحسن مهدي. (من مقدمة كتاب يصدر قريباً عن منشورات الجمل، بيروت - بغداد).
* أكاديمي في جامعة ساو باولو - البرازيل.
الحياة