لبنان , مدرسة , الاحرار , ينزفه , صبرا , وشاتيلا
مجرزة صبرا وشاتيلا في لبنان - جرح ينزفه الاحرار
تاريخ الشعب الفلسطيني ملئ بالايام السوداء، واحدى اكثرها حلكة هي الايام الثلاثة التي ارتكبت خلالها مذبحة صبرا وشاتيلا! لن ننسى!
لو ان الزمن قفز عن تلك الايام الثلاثة من منتصف ايلول عام 1982، فكانت نهاية يوم الاربعاء الخامس عشر من ايلول، تعلن بداية يوم الاحد التاسع عشر من ذات الشهر، لكان التاريخ قد تغير، ولكان بين الف وخمسمائة وثلاثة آلاف انسان فلسطيني ما زالوا احياء، او ربما قد توفوا نتيجة للمرض او الشيخوخة، ولم يضطروا لمواجهة موتهم البشع بايدي مجرمين فقدوا الحس الانساني، واضحوا ماكينات قتل لا قلب لها.
مئات من الفلسطينيين العزّل، من نساء واطفال وشيوخ، ذبحوا بايدي مجرمين امتهنوا قتل الابرياء، في زمن رديء ترك فيه الفلسطينيون في الشتات وحدهم دون نصير، فاعمل فيهم المجرم سكاكينه في وضح النهار، دون ان يهب "الاشقاء" للمساعدة، فبقي الفلسطيني وحده، يسطر ملحمة بطولية في دفتر الذاكرة الانسانية، الباقي بلا شك، حين سترمى بقية الدفاتر الى مزبلة التاريخ.
ائتلاف رجعي شارك فيه المحتل الاسرائيلي واليمين اللبناني بالقتل الفعلي، والرجعية العربية وقوى الاستعمار بالصمت وغض الطرف، ووقف الفلسطيني رافعا بندقيته في وجه آلة حرب حطمت جيوشا، وصمد، الى ان استشرس المتآمرون، فاضطر للتراجع خطوة، لانه انسان يكره الشر لاحد، فترك المقاتلون الفلسطينيون بيروت بعد حصار دام ثمانين يوما عليها، وخرجوا ظانين ان الضمانات الدولية بسلامة اهاليهم اهل للثقة، ولكن هيهات، فبعد اسبوعين ذبح اهاليهم في ضاحية بيروت الجنوبية، في مخيم شاتيلا وحي صبرا، وكانت المجزرة!
البداية:
جيش الاحتلال يحاصر شاتيلا
في الليلة بين يوم الثلاثاء الرابع عشر من ايلول، ويوم الاربعاء الخامس عشر منه، قتل الرئيس اللبناني بشير الجميّل في عملية تفجيرية استهدفت مقر حزب الكتائب في بيروت الشرقية، فزحفت قوات الاحتلال الاسرائيلية فجر اليوم التالي، وفرضت حصارا على منطقة صبرا وشاتيلا بدعوى "فرض الامن والنظام في المخيم الفلسطيني"، فقام عدد من سكان المنطقة بالتوجه الى قوات المحتل الاسرائيلي، محاولين طمأنته بعدم وجود سلاح بايدي اهالي المخيم، وحتى ان كان موجودا، فان كميته محدودة، وذلك في محاولة من الاهالي بابعاد الحصار عن بيوتهم، وبالعودة الى حياة طبيعية قدر المستطاع، ولكن هيهات، فلم يجد اهالي المنطقة اذنا صاغية لدى الجنود الاسرائيليين، الامر الذي جعل عددا من الشبان والشابات من سكان صبرا وشاتيلا، يخرجون لمواجهة الجنود الاسرائيليين بما لديهم من سلاح. وتؤكد الشهادات بان كمية السلاح الموجودة في المخيم ومحيطه بعد مغادرة المقاتلين، لم تكن لتكفي لساعات في مواجهة وحدة واحدة من جيش الاحتلال!
يجمع اهالي المنطقة، الناجون من المذيحة، بأن الحصار الاسرائيلي فرض لتمهيد السبل لقوات حزب الكتائب اليميني اللبناني لارتكاب مجزرتها. وهذا ما يؤكده بالفعل عدد كبير من الخبراء والصحفيين الاجانب الذين زاروا المنطقة بعيد المجزرة، واطلعوا على المواقع التي تواجد فيها جنود جيش الاحتلال الاسرائيلي.
الخميس 16/9/1982:
بحسب الشهادات التي جمعت بعد المجزرة، فان المذبحة بدأت بين الساعة الخامسة والساعة السادسة والنصف من مساء يوم الخميس، السادس عشر من ايلول عام 1982. ويأتي هذا الفارق لعدة اسباب، اهمها، ان بعض الشهود رأوا قوات الكتائب وهي تتجمع في المنطقة المحيطة، وتتأهب للدخول، وبعضهم تفاجأ بهذه القوات وهي داخل احياء المخيم.
المواجهة مع الجنود الاسرائيليين كانت قد انتهت قبل دخول قوات المليشيا التابعة لحزب الكتائب اليميني، الامر الذي يدل على التنسيق بين الاخيرة وبين قوات الاحتلال الاسرائيلية، وعلى ان الحصار الاسرائيلي للمنطقة كان يهدف لافساح المجال لقوات الكتائب لدخول مخيم شاتيلا وحي صبرا.
استمر القصف الاسرائيلي المدفعي للمنطقة طوال نهار الخميس، واستمر القناصة الاسرائيليون باطلاق النيران على بيوت المخيم والحي من مواقعهم المحيطة، طوال النهار ايضا، الامر الذي اخلى كافة الشوارع من المارة، وابقى الناس في بيوتها (لقمة سائغة للقتلة). اعتقد الناس ان القصف الاسرائيلي هو "الحدث المركزي" لذلك اليوم، فقد اعتادوا عليه طوال اشهر الصيف خلال حصار الايام الثمانين لبيروت، ولم يعلم المواطنون ما تخبئه لهم الساعات القليلة القريبة، فانتظروا بفارغ الصبر انتهاء القصف، وعودة الامور "الى طبيعتها"!
مع حلول المساء، انسحبت القلة من المقاومين التي بقيت حتى تلك الساعة تواجه القصف المدفعي باطلاق الرصاص من بنادق الكلاشينكوف، واتفق المقاومون على العودة الى القتال مع بزوغ الفجر.
ومع بدء السماء بالاسوداد، هدأ القصف، فبدأت زفرات الارتياح تملأ فضاء البيوت، الا ان القصف المدفعي كان قد انسحب من مقدمة مسرح الاحداث، تاركا دور البطولة في تلك الساعة للقنابل الضوئية التي انارت سماء المخيم ومنطقته.
الفوج الاول من ضحايا المجزرة كانوا سكان حي الحرش وحي عرسال والحي الغربي، والمنطقة المحيطة بهذه الاحياء الثلاثة.
يروي شهود العيان، بان ساعات المساء حملت الى المخيم كما كبيرا من المركبات العسكرية "الكتائبية"، التي قدر عدد المسلحين فيها بين الف والف وخمسمائة مسلح. واكّد شهود العيان بان عددا من المركبات العسكرية الاسرائيلية كانت تسير مع المركبات الكتائبية.
مع غروب شمس الخميس، دخل الى مخيم شاتيلا قرابة ستمائة عنصر من عناصر المليشيا اليمينية، بعد تأكيد عدد من الشهود، ومنهم ضباط في الجيش اللبناني، ان المسلحين تجمعوا قبل دخولهم المخيم بجانب مقر القيادة العسكرية الاسرائيلية القريب.
بدأ المسلحون بدخول البيوت في المخيم، وبدأ السكان المحيطون بالمنطقة التي دخلها المسلحون اولا، يسمعون صوت اطلاق الرصاص، واصوات العويل والصراخ والبكاء. وتقول شاهدات عيان ان قسما من المسلحين بدأ يضرب الشيوخ والنساء والاطفال ويلقيهم ارضا، والبعض الآخر بدأ بالتفتيش عن "صبايا حلوات" كما قال احد المجرمين لزميله، اما البقية فقد بدأت باطلاق الرصاص دون تفرقة، في جميع الجهات، وترافق اطلاق الرصاص بصراخ همجي وحشي "موتوا يا ارهابيين".
تقول الروايات بأن فرقا من مليشيا الكتائب وصلت الى الملاجئ التي اختبأ بعض من اهلي المخيم فيها، الامر الذي يدل على وجود جواسيس بين اهالي المخيم، كانوا ينقلون الاخبار لمرتكبي الجريمة. وبعد المجزرة بدأت روايات عن سيارات غريبة دخلت المخيم قبل المجزرة، على الرغم من احكام المحتل الاسرائيلي قبضته على المنطقة، ومنعه ايا كان من الدخول او الخروج، حيث كان راكبوا هذه السيارات يسألون الاهالي عن مواقع الملاجئ في المخيم.
استغل المجرمون ساعات الليل، وقنابل الانارة الاسرائيلية، فدخلوا منطقة الاحياء المذكورة اعلاه، واقتحموا كل بيوتها، بالاضافة الى تلك المجموعة التي وصلت الى الملاجئ، واخرجوا الناس من منازلهم، ليلاقوا موتهم.
العديدون من الناجين تحدثوا عن ان مسلحي مليشيا الكتائب بقروا بطون الحوامل "لانهن رح يخلفوا ارهابيين"، وانهم خصوا الفتيان ايضا "لحتى ما يخلفوا ارهابيين زيهن"، وان العديد من المسلحين، شاركوا في عمليات اغتصاب جماعية لفتيات من المخيم، قبل قتلهن، دون ان يرمش لهم جفن.
من الجدير بالذكر ان القصف الاسرائيلي المدفعي تجدد بعد دخول المسلحين الى المخيم، حيث كان الاسرائيليون يختارون المواقع التي تقصف بدقة لئلا يتواجد فيها اي فرد من افراد مليشيا الكتائب. هذا دليل آخر على تورط اسرائيل الكامل بهذه المذبحة. كيف "غفلت اعين" اعضاء لجنة التحقيق الرسمية الاسرائيلية "لجنة كاهان"، عن هذه الادلة حول مشاركة قوات الاحتلال بارتكاب المجزرة!!؟؟
بعض سكان مخيم شاتيل وحي صبرا، ناموا تلك الليلة دون ان يعرفوا ان مجزرة ترتكب في ضواحي المخيم، لان الاحياء التي دخلها القتلة كانت الاحياء المتواجدة في اطراف المخيم.
توجه العديد من سكان مخيم شاتيلا وحي صبرا في تلك الليلة الى المستشفيات المحيطة بالمخيم، للاحتماء من القصف الاسرائيلي، كما توجه البعض الى الملاجئ، فكان مصير هؤلاء القتل الجماعي في اليوم التالي للمجزرة.
مع بزوغ فجر يوم الجمعة، السابع عشر من ايلول، بدأت آثار الجريمة بالتكشف، فقد انتشرت الجثث في الشوارع وفي البيوت، وعرف فيما بعد ان عدد الذين قتلوا في اليوم الاول، كان اكثر من عدد القتلى في اليومين التاليين، وذلك لعدة عوامل، منها هرب قسم كبير الى الشمال متوجها نحو بيروت، واحتماء قسم آخر في المستشفيا او في السفارة الكويتية القريبة او بمواقع الجيش اللبناني(؟؟).
الجمعة 17/9/1982:
يوم الجمعة، اي يوم المجزرة الثاني، كان حافلا بالنشاط الدموي لمجرمي الحرب القتلة، فقد وصلتهم تعزيزات على شكل قوات اضافية من مليشيا الكتائب، فدخلوا المخيم، وبدأوا باطلاق نداء "سلّم تسلم"، الا ان الجثث الملقاة في الشوارع، دلّت على امر واحد، هو ان هذا النداء الذي اطلق عبر مكبرات الصوت، كان نداء كاذبا، وان افراد مليشيا الكتائب، لو استطاعوا، لقتلوا كل ما يتحرك في المخيم ومنطقته.
اطلق المسلحون في اليوم الثاني للمجزرة، القنابل الفوسفورية على الملاجئ، مطورين بذلك اسلوب القتل، وبالتالي عدد الضحايا، فقضى غالبية من بداخل هذه الملاجئ حرقا، ومن لم يمت وحاول الهرب، انتظره المسلحون في الخارج، واطلقوا عليه الرصاص!!
احدى الامور التي ميزت عمليات القتل هي انها استهدفت عائلات باكملها، وكأن قتل العائلات هو الهدف الاول لدى مجرمي الحرب من قوات مليشيا الكتائب!
في حديث لصحيفة "جيروزاليم بوست"، اكد عدد من جنود الاحتلال الاسرائيلي، بانهم لم يسمعوا اصوات تبادل اطلاق نار من داخل المخيم، وقالوا ان اطلاق النار كان من طرف واحد، الامر الذي يدل على ان افراد مليشيا الكتائب كانوا يقتلون العزّل فقط، اذ انه لم يكن داخل المخيم الا قلة من افراد المقاومة الفلسطينية. وعلى الرغم من اقوال الجنود الاسرائيليين هذه، الا ان القوات الاسرائيلية لم تتدخل لمنع المجزرة، بل على العكس، استمر قصفها المتقطع للمخيم، واستمر حصارها حول بعض المداخل، لمنع الفلسطينيين من الهرب.
كانت التعليمات التي اصدرتها قيادة مليشيا الكتائب لافرادها الذين ارتكبوا المجزرة، واضحة وضوح الشمس، فاستعمال الرشاشات ممنوع الا عند الضرورة، "ويفضل استخدام السكاكين والحراب، لئلا ينتبه باقي سكان المخيم لما يحصل فيحاولون الهرب"!!
مع بزوغ شمس يوم الجمعة، دخلت الى المخيم عدة جرافات، عرف فيما بعد انها لدفن الجثث في قبور جماعية، اكتشف منها القليل فقط.
تسلسل احداث المجزرة يدل على كذب الشائعات التي اطلقها الاسرائيليون والكتائبيون، بان هناك آلاف المقاتلين الفلسطينيين في المخيم، فعدد الضحايا الشباب كان قليلا نسبة لعدد الضحايا من النساء والاطفال والشيوخ، بالاضافة الى عدم سماع اي صوت لتبادل اطلاق النار، بل على العكس، كان صوت الرصاص المسموع يطلق من طرف واحد دون رد، مما يدل على الجريمة البشعة التي ارتكبت بحق المدنيين الفلسطينيين العزّل!
استمرت المجزرة طوال الاربع والعشرين ساعة التي يتألف منها يوم الجمعة، فكان بهذا اطول يوم من ايام المجزرة بالساعات، وتواصلت خلال اليوم عمليات القتل الجماعي، اما عن طريق النحر بالسيوف او عن طريق اطلاق الرصاص او عن طريق دفن الضحية حيا في الرمال ليموت. واستمرت في هذا اليوم ايضا عمليات النهب والسرقة والاغتصاب، حيث كانت عمليات الاغتصاب تنتهي عادة بالقتل، خاصة عندما تكون المغتصبة فلسطينية.
تميز يوم الجمعة ايضا ياقتحام افراد المليشيا للمستشفيا، فحاولت طواقم منظمة الصليب الاحمر اخلاء هذه المستشفيات ونجحت في بعض الحالات، الا ان حالات اخرى انتهت بقتل المرضى والاطباء والممرضين والممرضات، خاصة الفلسطينيين منهم!!
السبت 17/9/1982:
كان من المفترض ان ينسحب مرتكبو الجريمة صباح يوم السبت، بحسب اقوال جاءت بعد المجزرة على لسان مسؤولين عسكريين اسرائيليين، ادعوا انهم اصدروا الاوامر لقوات المليشيا بالانسحاب "بعد ان اكتشفوا ما يحدث داخل المخيم"! الا ان الانسحاب لم يتم، بل استمرت عمليات القتل الجماعي، وتم الانسحاب من داخل المخيم فقط عند ساعات الظهر، ومن منطقة المخيم باكملها، بعد الظهر.
خلال ساعات النهار الثالث، اجبر سكان شاتيلا (من بقي منهم)، وسكان ضاحية صبرا بالخروج الى شارع شاتيلا الرئيسي، والوقوف على جوانبه، في ما يعرف بـ"المارش الاخير"، وكان هؤلاء السكان شهود على عمليات قتل واغتصاب، كانت تتم في الشارع، بصورة عشوائية، ان دلت على شيء، فعلى انعدام الحس الانساني للمجرمين من قوات الكتائب، وعلى كراهية هؤلاء لكل ما هو فلسطيني، كراهية زرعت فيهم بالتحريض العنصري والطائفي، وبمساعدة مشاهد القتل اليومي التي اضحت عادية في لبنان في مرحلة الحرب الاهلية.
تؤكد الشهادات بان عمليات القتل الجماعي والدفن في القبور الجماعية استمرت خلال ساعات النهار الاولى من يوم المجزرة الثالث، السبت 17/9/1982، وان المهاجمين لم يتصرفوا على اساس ان هذه ساعتهم الاخيرة في المخيم، بل على العكس، تصرفوا على اساس انهم باقون.
ظاهرة اخرى تميز بها اليوم الثالث كانت عمليات الاختطاف التي قام بها افراد المليشيا، فاختطفوا عددا كبيرا من سكان المنطقة، ووضعوهم في الشاحنات، واخذوهم الى مصيرهم المجهول، الذي ما زال مجهولا!!
في اليوم الثالث، شارك جنود الاحتلال الاسرائيلي بعمليات استجواب سكان المنطقة، ومن السكان من عاد الى منزله بعد الاستجواب، ومنهم من لم يعد ابدا.