دراسة علمية جديدة: العربية تتربع عرش اللغات نهاية القرن الحالي –
د عبد الرحمن الخالدي* المصدر: صحيفة هسبريس الإلكترونية:
ظهرت حقائق علمية جديدة مؤخراً تهمّ واقع ومستقبل اللغة العربية، ليس فقط باعتبارها اللغة الخالدة لخلود القرآن، ولكن أيضا باعتبارها لغة تملك كل مقومات الهيمنة على اللغات الأخرى.
ليس الأمر مبالغة أو انحيازاً عاطفياً للغة العربية فقط، ولكنه نتائج أبحاث علمية لم يكشف عنها العرب ولا المسلمون، وإنما الذي اكتشفها وعبر عنها ونشرها هو فريق علمي غربي بإحدى جامعات لندن، ليس فيه من المسلمين العرب إلا عالم واحد، هو الدكتور سعيد الشربيني من جمهورية مصر العربية وهو من تولى الإعلان عما وصل إليه فريقه.
العلم الذي أتحدث عنه هنا هو ما يعرف بعلم اللغة الكوني، وهو العلم الذي يدرس لغات العالم جميعها في وقت واحد بمقارنة النظام النحوي والعلاقة الجينية بينها ليعرِف أسباب موتها وأسباب بقائها واستمرارها وكذا قوتها وضعفها، أي هو العلم الذي يدرس لغات العالم دفعة واحدة ليعرف مراحل نشأتها وشبابها وشيخوختها، وليعرف بالتالي أي لغة يكتب لها الخلود لخصائصها ومميزاتها.هذا العلم بدأ سنة 2003 على يد زمرة من العلماء الغربيين في جامعة لندن، قسم "علم اللغة الكوني" حيث يسمى فيها قسم اللغة العربية بقسم "اللغة الأم"، وليس "قسم اللغة العربية".
أهم الخلاصات التي توصل إليها هذا الفريق كشف عنها الدكتور الشربيني في سلسلة حلقات تلفزيونية ومن جملة ما أشار إليه، تعميما للفائدة وبشارة لمحبي لغة الضاد، أن غالبية اللغات الآن تحمل في ذاتها عوامل فنائها وموتها إلا اللغة العربية، فهي لغة خالدة لخلود القرآن إلى قيام الساعة. وقد علل الدكتور سعيد هذا الحكم بالإشارة إلى أنه ثبت علميا أن جملة " الحمدلله " التي قالها آدم عليه السلام عند خلقه كانت بالعربية. وذلك لأن كلمة "الحمد" لايمكن أن تترجم إلى أي لغة أخرى بما يحفظ لها معناها كما هو. فهي إن ترجمت ستكون
إما شكرا وهو مقابل شيء ما، أو مدحا، وهو ما تجوز فيه المبالغة، أما الحمد فهو الشكر دون مقابل والمدح دون مبالغة، وإن كان يجوز مثلا أن نحمد في فلان أو علان سلوكاً معيناً، كأن نقول "أحمد فيك خلق الوفاء". وعليه فهذه الكلمة لا يمكن ترجمتها، بما يحفظ لها معناها، بكلمة أخرى أبدا في أي لغة على الأرض، حية كانت أو ميتة.
وفي سياق بيان أفضلية اللغة العربية على غيرها أشار الشربيني إلى أن فريقه أثبت علمياً من خلال دراسة نسبة وفاة اللغات على الأرض أنه عند نهاية القرن الحالي لن تبقى سوى ثلاث لغات فقط منها وعلى رأسها اللغة العربية بالإضافة إلى الإنجليزية والصينية.
وأن اللغة الإنجليزية التي تهيمن على العالم الآن، والتي لم يخف إعجابه بها، قد دخلت عملياً في مرحلة شيخوخة واعوجاج، غير أن وفاتها لن تكون كوفاة معظم اللغات، فهي ستموت على الألسن بمعنى لن تكون لغة الحديث إطلاقا، لكن سيُبقى عليها لغةً الكترونية للعلم فقط. غير أنه في المقابل أكد أن عدد اللغات التي تموت في السنة الواحدة هو 50 لغة، بمعدل لغة واحدة كل أسبوع، مشيراً إلى أن آخر لغة ماتت هذه السنة هي اللغة النوبية بمصر، وأن عدد اللغات الحية حاليا هو 601 لغة، بينما عدد اللغات التي ماتت هو 402 لغة، وأن عدد اللغات التي ماتت بالهند وحدها في السنة الماضية فاق أربعين لغة، كما أنه بحلول 2030 يتوقع هذا الباحث أن تبقى فقط 15 لغة فقط من أصل الـ 601 الحالية، لتبقى فقط ثلاث لغات عند نهاية هذا القرن، أي بحلول 2100، طبعاً لن تكون منها الفرنسية لأنه يتوقع ألا تستمر هذه اللغة على قيد الحياة أكثر من 70 سنة لتموت نهائيا. وهو ما عبر عنه بظاهرة " كوليرا اللغات ".
أما اللغة الصينية فلعراقة تاريخها وتعدد أصواتها وحروفها (حوالي 60 صوتاً ) إلا أنها أصبحت لغة مُعوَّقة لما اعتراها من عيوب تتعلق بوضعية الضمائر وابتعادها عما سماه بـ " فطرية التعبير الزمني ": الماضي والحاضر والمستقبل. وهي في هذا تشترك مع الإنجليزية الآن التي أصيبت هي الأخرى باعوجاج ، بل إن الجهات المسؤولة عن التعليم في بريطانيا تناقش بشكل رسمي أن تضيف اللواحق والمحددات أمس "Yesterday"واليوم "Today"وغدا "Tomorrow" للأفعال لتحديد
الزمن المقصود. وهذا الاعوجاج، مقدمة للموت المحقق، ولذلك إن العربية لن تموت لاعتدال أصواتها، فهي لغة ليس بها اعوجاج لقوله تعالى في مطلع سورة الكهف:" الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا" وقريب من هذا كذلك قوله تعالى في سورة الزمر:" وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ، قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ".ويستشهد على ذلك بأن الكتب المكتوبة باللغة اللاتينية مثلاً قبل 500 سنة فقط لا يمكن للعامة الآن قراءتها مهما حاولوا، ولا يستطيع ذلك إلا الدارسون المتخصصون جداً في هذه اللغة القديمة، فكانت النتيجة أن أصبحت هذه الكتب شيئاً من التاريخ.غير أن الأمر مختلف تماماً في ما يتعلق باللغة العربية، ذلك أن العرب بإمكانهم قراءة الكتب المكتوبة قبل 1400 سنة، وأن ما دخل عليها من تغيرات لم يدخل على معاني الكلمات ومدلولاتها أو طريقة نطقها الصحيحة، وإنما الذي أُلحق بها وأضيف إليها إنما هو مجرد نقطٍ للكلمات وشكلٍ لها مما يزيد اللغة قوة ووضوحاً. ويؤكد رأيه هذا فيضرب مثلاً داعماً حياً بالقرآن الكريم، وهو الكتاب الذي ما يزال يُتلى تواتراً ومشافهة منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يومنا هذا بالحروف نفسها والأصوات نفسها التي بها نزل والتي تلاها رسول (ص) الله نفسه. ليخلص إلى أن اللغة العربية محفوظة بحفظ الله للقرآن الكريم. أما اللغة العِبرية فهي لغة ميتة منذ آلاف السنين، وقد أعاد اليهود استعمالها فعلاً، لكنهم لم يستطيعوا إحياءها إلا بعد أن غيروا فيها الكثير والكثير جداً فصارت مسخاً للغة كانت ذات يوم "عبرية".
و من جملة المعطيات العلمية الجديدة أن العربية ليس بها عوج على الإطلاق وأنها شابَّة كما بدأت، وأنها أي كلمة "العربية" تعني من جملة ما تعنيه "الشباب" أو "الشابة" كما أن كلمة "العربية"إن هي إلا صفة لهذه " اللغة العربية " وليس اسماً لها، فعندما أقول أنت عربي فكأنني أتمنى أن تظل دائماً شاباً، ولعل هذا التفسير يجد ما يؤكده في قوله تعالى وهو يتحدث عن جزاء أصحاب اليمين في الآخرة:" إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء، فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا، عُرُبًا أَتْرَابًا، لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ " حيث يذهب المفسرون إلى أن كلمة "عرباً "ومفردها "عَروب" تعني "العواشق المتحببات إلى أزواجهن، اللواتي يحسن التبعّل"، ولا يفترض حدوث هذا تصورياً إلا ممن كانت شابة حيوية.
وإذا كان خير الحق ما شهد به الأعداء والخصوم فإن في بريطانيا الآن، كما في أمريكا يتم تدوين معظم الأبحاث والدراسات والوثائق الهامة، وحتى المعاهدات الدولية، باللغة العربية لتكون متاحة للأجيال القادمة، وهذا اعتراف ضمني منهم بخلود هذه اللغة وتفوقها على اللغة الإنجليزية، فبالأحرى الفرنسية مثلا. وما يدعم هذا ويؤكده أن جامعات مرموقة كثيرة بدأت تعتني باللغة العربية عناية خاصة، فبدأت تكتب بها وتترجم إليها، وآخر جامعة شرعت في ذلك هي جامعة طوكيو.
وهذا فعلاً مما يثير الاستغراب والدهشة، إلى أن الكونجرس الأمريكي وافق على قرار كتابة صيغ التحذير على معلبات المخلفات النووية التي تلقى في أماكن غير مأهولة بالسكان في أمريكا، والتي يتوقع المسؤولون الأمريكيون أن يصل إليها الإعمارالسكاني بعد 100 سنة، (وافق على كتابة التحذير) باللغة العربية وليس بالإنجليزية أو غيرها، فقط، لأنهم يعلمون أنها هي اللغة التي ستبقى.