حوار: هدى أبو بكر
مدير التفتيش القضائى:يجوز للرئيس الآن بصلاحياته التشريعية إصدار قانون السلطة القضائية أو تعديله
يبقى التفتيش القضائى الإدارة الأهم والأخطر فى وزارة العدل، خصوصًا أنها تتحكم فى جميع أعمال القضاة، وتتولى مهمة تقييم أدائهم، وكتابة تقارير عن كفاءتهم فى العمل، وعليها ظلت تلك الإدارة لسنوات طويلة سلاحًا ذا حدين، فهى تتبع وزير العدل، ممثل السلطة التنفيذية، ومن ثم كان يمكنه استخدامها كأداة لترهيب أو ترغيب القضاة، كما كان يحدث فى العهد البائد.
وأمام هذا الوضع الشائك، ظلت قضية نقل تبعية التفتيش القضائى من وزير العدل إلى مجلس القضاء الأعلى مطلبًا أساسيًّا طالما نادى به «تيار استقلال القضاء»، لغَلّ يد وزير العدل عن أى عمل قد يخل بمنظومة العدالة.
المستشار زغلول البلشى، وهو أحد المنتمين إلى تيار استقلال القضاء، يتولى الآن منصب مدير التفتيش القضائى، حيث بات يمتلك بين يديه مفاتيح تطوير وتطهير القضاء، وبينما كانت «التحرير» بصحبته فى أول يوم يدخل فيه مكتبه، ويتولى مهام منصبه بشكل رسمى، كان هذا الحوار:
■ فى البداية، ما اختصاص إدارة التفتيش القضائى، وما طبيعة عملها؟
- الاختصاص يتعلق بالتفتيش على أعمال القضاة، وذلك لجمع البيانات التى تؤدى إلى معرفة درجة كفاءتهم، ومدى حرصهم على أداء وظيفتهم وإعداد البيانات اللازمة عنهم، من أجل عرضها على مجلس القضاء الأعلى، عند النظر فى الحركة القضائية، وكذلك تلقى الشكاوى التى تُقدَّم ضد القضاة، وتُعِدّ هيئة التفتيش القضائى ملفا سريا لكل قاضٍ تودع به جميع الأوراق المتعلقة به، ولا يجوز إيداع أوراق بهذا الملف تتضمن مآخذ على القاضى دون إطلاعه عليها وتمكينه من الرد وحفظ ذلك الرد، ولا يجوز لغير القاضى صاحب الشأن ووزير العدل ومجلس القضاء الأعلى الاطلاع على الملف السرى.
■ وكيف يتم اختيار مدير التفتيش القضائى؟
- مدير التفتيش القضائى كان يتم اختياره فى السابق من قِبل وزير العدل، ويُنتدَب بترشيح منه، لكن ولأول مرة يتم الترشيح من مجلس القضاء الأعلى بناء على طلب الوزير، حيث طلب وزير العدل المستشار أحمد مكى، من مجلس القضاء الأعلى أن يرشِّح له مديرًا للتفتيش القضائى فرشحنى المجلس، وضم الوزير مع خطاب الترشيح اعتبار أن التفتيش القضائى يتبع مجلس القضاء الأعلى من الناحية الفعلية من تاريخ الخطاب، وهو ما يتضمن وعدًا صريحًا بأن الوزير سوف يعمل جاهدًا على تنفيذ وعده باتخاذ ما يلزم لنقل تبعية التفتيش إلى مجلس القضاء الأعلى بدلا من وزارة العدل، وهو ما يحقق الاستقلال الكامل للقضاء بعيدًا عن باقى سلطات الدولة خصوصًا السلطة التنفيذية.
■ هل يجوز أن يمارس مجلس القضاء الأعلى هذا الدور دون صدور قانون بذلك؟
- لا يستطيع المجلس أن يمارس صلاحيات أو اختصاص على التفتيش دون صدور قانون ينقل تبعية التفتيش القضائى إلى مجلس القضاء الأعلى وهو ما ظل الوزير يكافح من أجله طوال مدة خدمته فى القضاء.
■ هل يعنى هذا حتمية صدور قانون السلطة القضائية قريبًا؟
- ليس هناك ما يمنع من صدور قانون السلطة القضائية أو تعديله بقرار بقانون من رئيس الجمهورية والذى يجمع الآن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.
■ وهل صحيح أن التفتيش القضائى كان يُستخدم للتنكيل بالقضاة؟
- بالفعل.. فى فترة من الفترات كان يستخدم التفتيش القضائى للتدخل فى بعض القضايا والضغط على القضاة والتنكيل بمن له مطالب معينة بشأن استقلال القضاء عن طريق النقل إلى أماكن نائية، بل كانت تصل الضغوط على القضاة إلى حد استغلال الظروف المرضية، كأن ترفض الوزارة علاج قاضٍ يحتاج السفر إلى الخارج، أو علاج أبنائه، حتى يستجيب لمطالبهم.
■ وهل تعرضتَ شخصيا لمثل تلك الممارسات من قِبل التفتيش القضائى؟
- نعم تعرضتُ وزملائى، حين كنت أعمل بالمحكمة بالإسكندرية وصدر قرار بنقلى إلى المنطقة الثانية، وهذه المنطقة تبدأ من دمنهور وتنتهى بالمنيا، والمنطقى أن نُنقل إلى دمنهور باعتبارها الأقرب، لكنى أنا وزميلى المستشار يحيى جلال كنا وقتها ندعم مطالب استقلال القضاء من خلال نادى قضاة الإسكندرية، فتم نقلنا إلى المنيا بدلا من دمنهور، بل إننا حين ذهبنا وجدنا أن المحكمة بها زيادة فى أعداد القضاة الذين يعملون بها ولا تحتاج إلى قضاة آخرين.
■ ما خطتك للنهوض بإدارة التفتيش القضائى بصفة خاصة، وبالقضاء والقضاة بصفة عامة؟
- تطوير العمل بالمحاكم والتدريب المستمر لقضاة المحاكم الابتدائية لصقل خبراتهم ورفع كفاءاتهم من الناحية الفنية واللغوية عن طريق الدورات التدريبية المستمرة والمتخصصة فى متابعة أحدث التشريعات بالشرح والتحليل عن طريق المتخصصين كلٌّ فى مجاله، وكلها أمور مستحدثة توجب إلمام القاضى بها بشكل كافٍ، يمكنه من إصدار أحكام صحيحة فى هذا الشأن وهو ما يؤدى إلى تخفيف العبء على محاكم الاستئناف ومحكمة النقض.
■ هناك حديث دائر الآن عن المستوى الضعيف للقضاة، ووزير العدل الأسبق ممدوح مرعى كانت له جملة شهيرة «لو طلعت 200 أو 300 قاضى كويسين أبقى جدع».. فما ردك؟
- هذا الكلام مخالف للواقع إلى حد كبير، فغالبية القضاة على قدر من الكفاءة المهنية التى تمكنهم من إصدار الأحكام الصحيحة وتتفق مع أحكام القانون، ولا أدرى من أين أتى الوزير الأسبق بهذا الكلام وهذا العدد، هناك بالطبع قلة قليلة جدا من القضاة منحرفون وهؤلاء لن يتم السكوت عنهم، بل «سأقطع رقابيهم»، لكن هذه القلة القليلة لا تتجاوز الواحد فى الألف، فنحن لدينا 14 ألف قاضٍ يحال منهم إلى الصلاحية فقط كل عام 3 أو 4 قضاة، وإذا افترضنا على أسوأ الأحوال أن عدد من يحال إلى الصلاحية من القضاة سنويا بسبب الانحراف عشرة قضاة، فهى نسبة لا تصل إلى الواحد فى الألف، وهو ما يقطع بأن القضاء المصرى من أشرف وأنزه وأطهر القضاء فى العالم، فضلا عن أنه يحمل على عاتقه عبء القضاء فى دول الخليج العربى.
■ لكن قبل أيام انتشرت أخبار عن التحقيق مع 6 قضاة فى قضايا رشوة؟
- ما نُشر عن اتهام 6 قضاة فى قضايا رشوة والقول إن تحقيقات تجرى معهم الآن هو كلام غير صحيح بالمرة، وقد تأكدت من ذلك بنفسى، فهذه مجرد قضايا قديمة وعلى فترات متباعدة جدا، منها ما مضى عليها أكثر من 3 سنوات، ولست أدرى لماذا لم يتم ذكر تاريخ تلك القضايا، عند إثارتها.
■ كيف يواجه التفتيش القضائى الفساد فى القضاء؟
- كل من يثبت عليه مسلك معيب أو انحراف سوف يقدَّم إلى المحاسبة، إذا ما ثبت أن مسلكه لا يتفق مع كرامة القضاة والتقاليد القضائية أو ثبت أنه انحراف بعمله عما توجبه العدالة والحيدة والنزاهة فى الحكم، كما أن الوقائع الجنائية كلها التى يرتكبها قضاة يتم الكشف عنها حيث يحاكَم القاضى، أما التفتيش الفنى فهذا شىء داخلى نقيس به كفاءة القاضى، والقاضى الذى يحصل على 50% فى تقديره ليس له مكان فى القضاء ويحال إلى وظيفة إدارية بدرجته، وكل القضاة الموجودين كفاءتهم فوق الـ65%، وهو تقدير يُقاس وفق نشاط القاضى وإنجازه فى القضايا ومستواه الفنى.
■ ما سر التعتيم على مصير قضاة تورطوا فى مخالفات مثل قضية التمويل الأجنبى الشهيرة؟
- الآن لا يوجد تعتيم على أحد. والتحقيق الخاص بقضية التمويل الأجنبى والضغط على الدائرة التى كانت تنظر القضية من أجل الإفراج عن المتهمين الأجانب لم يُحفَظ أو يُغلَق، والمستشار عبد المعز إبراهيم خضع للتحقيق وكان عضوًا بمجلس القضاء الأعلى أمام المستشار محمد رضا شوكت، فنحن ليس لدينا ما نخفيه على الشعب أو نخجل منه ولن يكون هناك تعتيم على أى مسلك معيب أو انحراف أيًّا كان حجمه أو من ارتكبه. فالقضاء المصرى مثل البحر يلقى بكل القاذورات خارجه ولا يحتفظ بها، كما أن مجتمع القضاة يتخلص من أى شىء غريب فيه، ونحن جميعًا نتذكر ما فعله المستشاران هشام البسطويسى ومحمود مكى، والأخير هو نائب الرئيس الحالى بعد الانتخابات البرلمانية عام 2005، حين كشفا عن قضاة تورطوا فى تزوير الانتخابات وطالبا بمحاسبتهم، كما كان المستشار أحمد مكى وزير العدل، أول من تحدث عما جرى فى «فضيحة التمويل الأجنبى» وفضح التدخل الذى مارسه المستشار عبد المعز إبراهيم، رغم كونه عضوًا بمجلس القضاء الأعلى.
■ «الشعب يريد تطهير القضاء» شعار ردده ولا يزال الثوار فى التحرير.. فما رأيك فيه؟
- القضاء يحتاج إلى تطوير أكثر منه إلى تطهير، وهناك فرق بين التطوير والتطهير، وتطوير القضاء يقضى على مسألة القول إنه يحتاج إلى تطهير، وهتاف «الشعب يريد تطهير القضاء» جاء من أن الناس بعد الثورة كانت فى انتظار أحكام سريعة جدا وشديدة جدا، وأى قضية تحتاج إلى الوقت الكافى واللازم، وهناك أمور لا يعرفها الجمهور، ومن هنا جاء هذا الهتاف، وحين وجدت أن الهتافات طالت شخصا معينا، أنا أول من طالبته بالتنحى وكتبت مقالا فى هذا وطالبت القاضى بالتنحى وتنحى بالفعل.
■ يتردد أن هناك حملة تطهير بوزارة العدل فى الفترة القادمة ستطول كل من تولى مناصب قيادية فيها فى العهد البائد؟
- أى حركة تغيير ستصدر سوف يكون المقصد منها تطوير العمل بالقضاء والنهوض بالمستوى الفنى للقضاة عن طريق الدورات التدريبية المتخصصة سواء كانت فى المحاكم نفسها أو أكاديمية القضاء، ولن يتولى أى موقع سوى من كان كفئا لها، وإذا لم تحدث طفرة فى القضاء خلال موعد أقصاه 30 يوليو القادم سأترك العمل وأطلب إنهاء ندبى كمدير للتفتيش القضائى، ومن حسن الحظ أن رئيس مجلس القضاء الأعلى ووزير العدل ونائب رئيس الجمهورية ورئيس الجمهورية يؤمنون إيمانًا مطلقًا باستقلال القضاء وأهميته فى المرحلة المقبلة.
■ إلى أى مدى تتفق مع المخاوف المتصاعدة من «أخونة القضاء»، خصوصا فى ظل الميول الإسلامية إلى وزير العدل المستشار أحمد مكى؟
- أعتقد أن وزير العدل المستشار أحمد مكى رد على هذا الادعاء بما يفنده، وأنا على يقين أن لديه الشجاعة الكافية للاعتراف والإفصاح إذا كان ينتمى إلى الإخوان المسلمين أم لا، وهو صادق فى ما يقول.. مافيش حاجة اسمها أخونة القضاء، وسوف يظل القضاء المصرى من كل المصريين ولكل المصريين أيًّا كانت انتماءاتهم.
■ يُقال إن الوزير يستعين فقط بالمقربين منه ممن ينتمون إلى «تيار الاستقلال» وأنت أحدهم؟
- هذا أمر طبيعى أن يستعين وزير العدل بمن يؤمن باستقلال القضاء ليتحقق هذا الاستقلال، ولا بد أن يستعين بمن يعينه ويساعده ويؤمن بأفكاره لا بمن يعرقله ويعطله.
■ وماذا عن رؤساء المحاكم الابتدائية الذين كانوا طوال السنوات الماضية يدينون بالولاء للوزير الذى يختارهم دون معايير محددة؟
- سوف توضع ضوابط صارمة لاختيار رؤساء المحاكم الابتدائية من حيث الكفاءة والحيدة والنزاهة والقدرة على العمل والمثابرة بالإضافة إلى الدورات التدريبية للقضاة، والتى وعد الوزير بأنه سيكون أول من يحضرها، وفى المرحلة المقبلة لن يتولى رئاسة المحكمة إلا من حصل على هذه الدورة، حيث إنه يوجد قضاة أكْفاء جدا فى العمل الفنى، إنما ليسوا أكْفاء فى إدارة المحكمة.
■ هل كان يتم استخدام رؤساء المحاكم الابتدائية بالفعل فى خدمة أهداف ومصالح النظام السابق؟
- فى فترة من الفترات كانوا بالفعل يتم استخدامهم لتحقيق أهداف ومصالح النظام، حيث كان يختارهم وزير العدل دون أى معايير سوى الولاء والإخلاص، لذلك استخدم البعض منهم فى مواقف أبرزها الانتخابات البرلمانية الأخيرة فى عهد النظام السابق، حيث كان هناك دخل لرؤساء المحاكم الابتدائية فى تزويرها من خلال اختيارهم لقضاة بعينهم فى الإشراف على الانتخابات، وتتم مكافأتهم بعد ذلك عما قاموا به، لذلك كان قرار وزير العدل بوضع ضوابط صارمة وواضحة فى اختيار رؤساء المحاكم الابتدائية ممن تتوافر فيهم الكفاءة الفنية والإدارية، وعليه فإن غالبية رؤساء المحاكم الحاليين سيتم تغييرهم مع صدور الحركة القضائية منتصف سبتمبر القادم. علاوة على أن قانون السلطة القضائية الجديد سيتضمن نصًّا يحظر على القاضى تولى أى مناصب قيادية فى البلد إلا بعد مرور 3 سنوات من تركه الخدمة حتى لا يضعف أحد القضاة ويستجيب لضغوط ما من أجل الحصول على مكسب ما.
■ هل الثورة وصلت إلى القضاء؟
- الآن الثورة تصل إلى القضاء، ويكفى أن يتولى مجلس القضاء الأعلى رجل يتّسم ويتصف بالحكمة والإيمان الكامل باستقلال القضاء، وأيضا وزير العدل المستشار أحمد مكى الذى يؤمن ويناضل طوال حياته وخدمته فى القضاء من أجل استقلاله، علاوة على أن نائب رئيس الجمهورية هو من صقور تيار الاستقلال داخل القضاء.