حاتم صادق يكتب: صورة النبي.. كما رآها ورواها أصحابهإن أول ما يرتسم فى مخيلة الإنسان حين يتصور وصفا تفصيليا لشكل وملامح النبى (صلى الله عليه وسلم) أنه أمام جمال مدهش لا مثيل له، ومظهر يوحى بإنسانية خالصة ورجولة كاملة وثقة مطلقة لا حدَّ لها.. ويكاد الإجماع ينعقد على ذلك كما نلمس من جميع الروايات التى تعرضت للتكوين الجسمانى له صلى الله عليه وسلم.
وصف أم معبد: قالت أم معبد الخزاعية فى وصف رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم) لزوجها، حين مر بخيمتها مهاجرا وكان معه أبو بكر وعبد الله بن أريقط: «رجل ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخلق لم تعبه تجلة، ولم تزر به صعلة، وسيم قسيم، فى عينيه دعج، وفى أشعاره وطف، وفى صوته صحل، وفى عنقه سطح، أحور، أكحل،أزجّ، أقرن، شديد سواد الشعر، إذا صمت علاه الوقار، وإن تكلم علاه البهاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحسنهم وأحلاهم من قريب، حلو المنطق، فضل، لا نزر ولا هذر، كأن منطقه خرزات نظمن يتحدرن، ربعة، لا تقحمه عين من قِصر ولا تشنؤه من طول، غصن بين غصنين، فهو أنظر الثلاثة منظرًا، وأحسنهم قدرًا، له رفقاء يحفون به إذا قال استمعوا إلى قوله، وإذا أمر تبادروا إلى أمره، محفود، محشود، لا عابس ولا مفند».
الوضاءة = الحسن والبهجة.
أبلج = مشرق.
ثلجة = عظم البطن وصحته.
صعلة = صغر الرأس.
دعج = سواد العين.
وطف = طول شعر الأجفان.
صحل = بحة يسيرة.
تشنؤه = أى لا تبغضه لفرط الطول.
محفود = الذى يخدمه أصحابه ويعظمونه ويسرعون فى طاعته.
محشود = الذى يجتمع إليه أصحابه.
وصف هند ابن أبى هالة ربيب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أمه خديجة بنت خويلد:
«كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فخما مفخما، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع، وأقصر من المشذب، عظيم الهامة، رجل الشعر، ذا وفرة، أزهر اللون، واسع الجبين، أزج الحواجب سوابغ فى غير قرن، بينهما عِرق يدره الغضب أقنى العرنين، له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم، كث اللحية، أدعج سهل الخدين، ضليع الفم، أشنب مفلج الأسنان، دقيق المسربة كأن عنقه جيد دمية فى صفاء -يعنى: الفضة-، معتدل الخلق، بادن متماسك، سواء البطن والصدر، عريض الصدر، بعيد ما بين المنكبين، موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجرى كالخط، عارى الثديين والبطن مما سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين وأعالى الصدر، طويل الزندين، رحب الراحة، شثن الكفين والقدمين، سابل الأطراف، ذريع المشية إذا مشى كأنما ينحطّ من صبب، وإذا التفت التفت جميعا، خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره السماء، جل نظره الملاحظة يسوق أصحابه يبدأ من لقيه بالسلام».
هاتان هما الروايتان الأكثر شهرة وذيوعا فى نقل الوصف الدقيق للتكوين الجسدى للنبى (صلى الله عليه وسلم)، يتكامل معهما روايات أخرى وردت فى كتب الصحاح، بحيث لو تم التوفيق بينها جميعا لخرجنا بتلك التفاصيل عن شكل وملامح النبى الكريم (صلى الله عليه وسلم):
وجه النبى (صلى الله عليه وسلم): ورد فيه الحديث الذى رواه الإمام البخارى من حديث البراء بن عازب يقول: «كان النبى (صلى الله عليه وسلم) أحسن الناس وجهًا» كان وجه الحبيب (صلى الله عليه وسلم) أحسن الوجوه. وفى صحيح البخارى أيضًا: «كان صلى الله عليه وسلم إذا سُرَّ -أى: فرح- استنار وجهه كأنه قطعة قمر».. وأخرج البيهقى عن جابر بن سمرة قال: «رأيت النبى (صلى الله عليه وسلم) فى ليلة أضحيان -أى: فى ليلة مقمرة- فجعلتُ أنظر إلى النبى وأنظر إلى القمر، وأنظر إلى النبى وأنظر إلى القمر، وأنظر إلى النبى وأنظر إلى القمر، ثم قال رضى الله عنه: فوالله لقد كان النبى (صلى الله عليه وسلم) فى عينى أحسن من القمر». وكان أسيَل الجبين أى مستوِى الجبين، مسنون الخدين ولم يكن مستديرًا غاية التدوير، بل كان بين الاستدارة والإسالة. وعن عمار بن ياسر (رضى الله عنه) قال: «كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يُسَلِّمُ عن يمينه وعن يساره حتى يُرى بياض خده»، وقال يزيد الفارسى (رضى الله عنه): كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) جميل دوائر الوجه.
أما لون وجهه (صلى الله عليه وسلم) فقد وصفه لنا هند بقوله: «أزهر اللون»، يعنى: كان وجهه أبيض اللون مشربًا بحُمرة.
فمه وخده:
كان (صلى الله عليه وسلم) أسلت الخدين، يعنى: ليس فيه تجعدات، وكان ضليع الفم يعنى: فم النبى عليه الصلاة والسلام كان فيه سِعَة، وإذا كان الرجل ضليع الفم فإنه يكون بليغًا مفوّهًا، كان النبى (صلى الله عليه وسلم) أسلت الخدين، ضليع الفم، أشنب، يعنى: كان له شارب. مفلج الأسنان، يعنى: الأسنان كانت غير متلاقية، بين كل سن وسن فَرق جميل، وهذا أطيب للفم وأجمل. وكان إذا رُئِى وهو يتكلم ظن الناظر إليه أن نورًا يخرج من بين ثناياه، وهذا الوصف رواه الإمام الترمذى من حديث ابن عباس.
وكان أدعج العينين يعنى: شديد سوادها، كأن فى عينيه كحلًا عندما تراه من بعيد، وإذا اقتربت منه فإنك لا ترى شيئًا من الكحل. فهذا جابر بن سمرة يقول: «كنت إذا نظرت إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قلت: أكحل العينين وليس بأكحل» يعنى: تراه كأنه مكحّل وليس بأكحل.
أما رأسه فكما قال على بن أبى طالب (رضى الله عنه): كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ضخم الرأس. وهذا ما عناه هند بن أبى هالة بـ«عظيم الهامة».
وشعْر النبى ليس بالجعد القطط، أى: خلاف السبط من الشعر، وليس بالناعم اللافت للنظر، وتوفاه الله عز وجل وهو ابن ثلاث وستين سنة، وليس فى شعر رأسه ولا فى شعر لحيته إلا عشرين شعرة بيضاء.
وكان (صلى الله عليه وسلم) كَثّ اللحية، أى: ذا وفرة، وكانت لحيته تملأ صدره. أما عنق النبى (صلى الله عليه وسلم) فقد كان كإبريق فضة من شدة البياض.
أما حاجباه، فكان طويل الحاجبين من غير التقاء، يعنى: أن حاجبى النبى (صلى الله عليه وسلم) كانا غير ملتقيين، أى: كان هناك فراغ بينهما، وكان بين حاجبيه عِرق، وهذا العِرق كان يظهر إذا غضب النبى صلى الله عليه وسلم.
أنفه:
كان (صلى الله عليه وسلم) أقنى الأنف، أقنى أى طويلًا فى وسطه بعض ارتفاع، مع دقة أرنبته،أى لم يكن أنفه غليظا ولا دقيقا ولم يكن طويلا متدليا إلى أسفل.
منكباه:
عن البراء بن عازب (رضى الله عنه) قال: كان النبى (صلى الله عليه وسلم) بعيد ما بين المنكبين. رواه البخارى ومسلم.
والمنكب هو مجمع العضد والكتف. والمراد بكونه بعيد ما بين المنكبين أنه عريض أعلى الظهر ويلزمه أنه عريض الصدر مع الإشارة إلى أن بعد ما بين منكبيه لم يكن منافيًا للاعتدال. وكان كتفاه عريضين عظيمين.
كفَّاه:
عن أنس أو جابر بن عبد الله: أن النبى (صلى الله عليه وسلم) كان ضخم الكفين لم أر بعده شبهًا له.
لذا كان النبى (صلى الله عليه وسلم) رحب الراحة (أى واسع الكف) كفه ممتلئة لحمًا، غير أنّها مع غاية ضخامتها كانت ناعمة.
صدره:
قال هند بن أبى هالة: كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سواء البطن والصدر، عريض الصدر.
وقالت عائشة (رضى الله عنها): كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عريض الصدر ممسوحه، كأنه المرايا فى شدتها واستوائها، لا يعدو بعض لحمه بعضًا، على بياض القمر ليلة البدر، موصول ما بين لبته إلى سرته شعر منقاد كالقضيب، لم يكن فى صدره ولا بطنه شعر غيره.
قدماه:
ووفقا لوصف هند بن أبى هالة: «كان النبى (صلى الله عليه وسلم) خمصان الأخمصين (الأخمص من القدم ما بين صدرها وعقبها، وهو الذى لا يلتصق بالأرض من القدمين، يريد أن ذلك منه مرتفع) مسيح القدمين (أى ملساوين ليس فى ظهورهما تكسر) وشثن الكفين والقدمين (أى غليظ الأصابع والراحة).
وكان النبى (صلى الله عليه وسلم) أشبه الناس بسيدنا إبراهيم، وكانت قدماه الشريفتان تشبهان قدمى سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فى حديث الإسراء فى وصف سيدنا إبراهيم عليه السلام: «ورأيت إبراهيم وأنا أشبه ولده به» (صحيح البخارى).
وكان أبو جهم بن حذيفة الصحابى الجليل، يقول: ما رأيت شبهًا كشبه قدم النبى (صلى الله عليه وسلم) بقدم إبراهيم التى كنا نجدها فى المقام.
قامته وطوله:
وعن البراء بن عازب رضى الله عنه قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أحسن الناس وجهًا وأحسنهم خلقًا، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير. رواه البخارى ومسلم.
صوته:
وفقا لوصف أم معبد: كان فى صوت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) صحل، أى بحة يسيرة وهى مستحسنة فى الصوت.
ريقه:
لقد أعطى الله تعالى رسوله (صلى الله عليه وسلم) خصائص كثيرة لريقه الشريف، ومن ذلك أن ريقه (صلى الله عليه وسلم) فيه شفاء للعليل، ورواء للغليل وغذاء وقوة وبركة ونماء.. فكم داوى (صلى الله عليه وسلم) بريقه الشريف من مريض فشفى على الفور.
جاء فى الصحيحين عن سهل بن سعد رضى الله عنه قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوم خيبر: لأعطِيَنَّ الراية غدًا رجلًا يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله. فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وكلهم يرجو أن يُعطاها، فقال صلى الله عليه وسلم: أين على بن أبى طالب؟ فقالوا: هو يا رسول الله يشتكى عينيه. قال: فأرسلوا إليه.
فأتى به، (وفى رواية مسلم): قال سلمة: فأرسلنى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى على، فجئت به أقوده أرمد فتفل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فى عينيه، فبرئ كأنه لم يكن به وجع.
وعن يزيد بن أبى عبيد قال: «رأيت أثر ضربة فى ساق سلمة فقلت: يا أبا مسلم ما هذه الضربة؟ قال: هذه ضربة أصابتها يوم خيبر فقال الناس أصيب سلمة… فأتيت النبى (صلى الله عليه وسلم) فنفث فيه ثلاث نفثات فما اشتكيت حتى الساعة» (أخرجه البخارى).
وروى عن عبد الرحمن بن الحارث بن عبيد عن جده قال: «أصيبت عين أبى ذر يوم أحد فبزق فيها النبى (صلى الله عليه وسلم) فكانت أصح عينيه»، (أخرجه البخارى).
مشيته:
عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: «ما رأيتُ شيئًا أحسن من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كأنَّ الشمس تجرى فى وجهه، وما رأيت أحدًا أسرع من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كأنَّما الأرض تطوى له، إنَّا لَنُجهد أنفسنا وإنَّه غير مكترث».
وعن أنس رضى الله عنه «أنَّ النبى (صلى الله عليه وسلم) كان إذا مشى تكفأ ( أى مال يمينًا وشمالا)».
وعن ابن عباس رضى الله عنه «أن النبى (صلى الله عليه وسلم) كان إذا مشى، مشى مجتمعًا ليس فيه كسل، (أى شديد الحركة، قوى الأعضاء غير مسترخ فى المشى)».
التفاته:
كان (صلى الله عليه وسلم) إذا التفت التفت معًا أى بجميع أجزائه، فلا يلوى عنقه يمنة أو يسرة إذا نظر إلى الشىء، لما فى ذلك من الخفة وعدم الصيانة وإنّما كان يقبل جميعًا ويُدبِر جميعًا، لأن ذلك أليَق بجلالته ومهابته، وهذا بالطبع يقتصر على الالتفات وراءه.
ضحكه:
كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لا يضحك إلا تبسما.
وعن عبد الله بن الحارث قال: «ما رأيتُ أحدًا أكثر تبسمًا من الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لا يُحَدِّث حديثًا إلا تبسم وكان مِن أضحك الناس وأطيَبَهم نَفسًا».
وكان (صلى الله عليه وسلم) إذا ضحك بانت نواجذه أى أضراسه من غير أن يرفع صوته، وكان الغالب من أحواله التبسم.
وبعد فهذه كانت محاولة لقراءة شكل وملامح أعظم مخلوق عرفته الدنيا.
كتبتها وكلى ثقة فى أنه مهما تفنن الواصفون لحسن وجمال النبى فسيفنى الزمان وفيه ما لم يدركه الخيال أو تحيط به الكلمات.. ورحم الله حسان إذ يقول:
خلقت مبرأ من كل عيب كأنك قد خلقت كما تشاء
وأحسن منك لم تر قط عينى وأجمل منك لم تلد النساء