عمرو الشوبكي
من المؤكد أن الظروف التى جاء فيها الدكتور كمال الجنزورى إلى رئاسة الوزراء فى 25 نوفمبر الماضى هى من أصعب الفترات التى مرت على مصر منذ عقود طويلة، فقد جاء الرجل إلى السلطة والبلد على حافة الإفلاس، وبعد أن توقف عمل الحكومة التى سبقته عن اتخاذ أى قرار، ووقفت حائرة بين ضغوط ميدان التحرير والمجلس العسكرى، ففشلت فى اتخاذ أى قرار يرضى المواطنين أو الثوار.
جاء الجنزورى والبلد منقسم وهناك تيار واسع من الشباب يعارضه، متصورا ـ عن خطأ ـ أنه من النظام القديم، وناسياً أن هذا النظام لم يحتمل كفاءة الرجل ولا اعتزازه بنفسه، لأنه اعتاد أن يضم المنحنين ومعدومى الكفاءة.
أعرف الرجل من قبل الثورة وكان نموذجاً للوطنية الصادقة، وامتلك خبرة رجل الدولة المحنك، الذى يعرف كيف يدير جهاز الدولة، وفى الوقت نفسه مهارة السياسى الذى يقرأ ويتابع ويقيم أوضاع البلد وأحوال نخبته وأحزابه السياسية، لأننا فى مصر اعتدنا أن نرى سياسيين قادرين على الاحتجاج، ورجال دولة لا علاقة لهم بالسياسة، أما أن تجتمع الميزتان، رجل الدولة والسياسى فى شخص واحد، فهذا أمر نادر الحدوث ولم يتكرر كثيرا إلا مع شخص بقامة الجنزورى.
إن كثيراً من الناس انتظر من البرلمان السابق، الذى وصفه البعض ببرلمان الثورة، أن ينصفه، لأنه اضطهد واستبعد فى عهد مبارك، ولكن ما جرى كان العكس تماما، فقد تبارى بعض النواب فى شتمه وتوجيه اتهامات باطلة له، وحاولوا بكل الطرق سحب الثقة منه حتى لو كان بالمخالفة للقوانين والإعلان الدستورى الذى جاءوا من خلاله إلى البرلمان، ونسوا أيضا أن فى كل تجارب التحول الديمقراطى من تونس إلى كثير من بلدان أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية تشكلت الحكومات الانتقالية أساسا من خارج الأحزاب القائمة، ولعل رئيس وزراء تونس الأسبق، الذى أدار بكفاءة المرحلة الانتقالية خير دليل على ذلك، رغم أن عمره 87 عاما وكان وزيرا فى العهد السابق ولم تقم الدنيا ولم تقعد كما يجرى فى مصر، حتى سلّم السلطة بعد ذلك إلى حكومة حزبية منتخبة.
صحيح أن بعض وزراء الحكومة السابقة كانوا محدودى الكفاءة، ومثلوا عبئا عليها، إلا أن أداء الرجل ومعظم حكومته كان عظيما وصبورا وأنقذ مصر من أخطار اقتصادية جسيمة، وسمح بإجراء انتخابات رئاسية نزيهة بفضل حياد الحكومة وجهازها الإدارى.
إن المطالبة بتغيير حكومة الجنزورى قبل انتخابات الرئاسة كان من شأنها أن تدفع بحكومة إخوانية لكى تشرف على انتخابات الرئاسة، وكان مجىء مرسى للحكم فى هذه الحالة وفى ظل أجواء عدم الثقة السائدة سيحمل اتهاما بالتزوير والتدخل الحكومى.
على الشعب المصرى أن يوجه الشكر للدكتور الجنزورى وحكومته على الجهد الذى بذل فى مرحلة من أصعب المراحل التى مرت بها مصر، وعلينا أن نتذكر أن كثيراً من السهام التى وجهت ظلما وزورا للرجل ستكشف أنها كانت بسبب تركة مبارك الثقيلة وليس أداء الرجل ولا حكومته، وأن الحكومة الجديدة وأى حكومة قادمة لن تستطيع أن تتخلص من إرث مبارك فى يوم ولا شهر ولا سنة، إنما هى رحلة طويلة من الجهد والعرق، بذلت فيها حكومة الجنزورى الكثير، فعلينا أن نشكرها ونشكره من أعماق القلب.
عمرو الشوبكي