الإنشاد الدينيالجمهورية أونلاين- إعداد - مى سيدهو الفن الغنائي الذي يتناول موضوعات لها سمت ديني كالعشق الإلهي، أو مدح الرسول ، أو الوحدانية والملكوت الأعلى وغيرها، وكان الذين يتصدون لهذا الفن من ذوي الأصوات الجميلة الجذابة. من مميزات الانشاد الديني هو لإبداع في العتماد على الحناجر البشرية مع محدودية تدخل الآلات الموسيقية التي استعاض عنها المنشدون بجمال أصواتهم وقصائدهم.
نشأته
وللإنشاد الديني قصة تؤكدها كتب التراث بأن بدايته كانت مع بداية الاذان حيث كان بلال المؤذن يجود فيها كل يوم خمس مرات، ويرتلها ترتيلاً حسنًا بصوت جميل جذَّاب، ومن هنا جاءت فكرة الأصوات الندية في التغني بالأشعار الإسلامية، ثم تطور الأمر على أيدي المؤذنين في الشام ومصر والعراق وغيرها من البلدان، وأصبح له قوالب متعددة وطرائق شتى.
وتؤكد كتب التراث الإسلامي أن بداية الإنشاد الديني كان على أيدي مجموعة من الصحابة في عهد الرسول(ص)، ثم مجموعة من التابعين. وكانت قصائد حسان بن ثابت، شاعر الرسول(ص)، هي الأساس للمنشدين. ثم تغنَّوا بقصائد أخرى لغيره من الشعراء الذين كتبوا في موضوعات متنوعة منها: الدعوة إلى عبادة الله الواحد، التمسك بالقيم الإسلامية وأداء الفرائض من صلاة، وزكاة، وحج إلى غير ذلك.
أشكاله
وكان يتخلل الإنشاد الديني كثير من الحوارات الغنائية بين "المنشد الأصلي" وبين مجموعة المنشدين من خلفه، وكان المنشد يتوسط الحلقة، ويلتف من حوله مجموعة "السنيدة" بعد ذلك. وكان المنشد يختار مقطعًا من القصيدة أو جملة يجعلها محورًا تدور حولها كل الردود من "السنيدة"، فيرددونها وراءه ثم يعودون إليها بعد المنشد. وكانت الوصلة الأولى يختار لها الشيخ المنشد مقامًا موسيقيًّا معينًا مثل "الراست" مثلاً أو البياتي، أو الحجاز، وغيرها، ثم يبدأ المنشد الوصلة بإبراز مواهبه في الأداء، وبراعته في التنقل بين المقام الأصلي ومشتقاته، وقدرته على إبراز الحليات والزخارف اللحنية، ثم يقوم المنشدون بعد ذلك بترديد المقطع أو الجملة المحورية التي بدأ بها القصيدة.
ثم تأتي الوصلة الثانية فيختار لها مقامًا موسيقيًّا آخر حتى ينوع في المقامات، وحتى لا يمل السامعون ويفعل ما فعله في الوصلة الأولى.
وكان الإنشاد الديني في هذه الفترة يُغنَّى بدون مصاحبة آلية اللهم إلا في استخدام نقر المسبحة على كوب من الماء ليحدث رنينًا جذابًا. ثم تطور بعد فترة وجيزة ليصبح فنًّا له أصوله وأشكاله، فبداء يعتمد على الجمل اللحنية المبتكرة، وكذلك استخدام "اللزمات الموسيقية" والإيقاعات التي تناسب روح القصيدة. فتكونت الفرق الموسيقية المصاحبة "للمنشد"، وكانت تسمى آنذاك "بالتخت" أو بالخماسي الموسيقي والذي يعتمد العود والقانون والناي والكمان والإيقاع. وكان انشد يتوسط المنصة وحله بشكل دائري الموسيقيين وخلفهم المنشدين.
انتقل الإنشاد من الارتجال والتطريب إلى التعبير والتأثير، فضلاً عن استحداث جمل تسمى "اللزمات" وإيقاعات متنوعة وجمل حوارية بين الآلات بعضها وبعض وبين المنشدين، وتكوَّنت فرق خاصة بأداء هذا اللون تسمى "فرق الموسيقى العربية" التي تتناول التراث الموسيقي والغنائي بأشكال وقوالب جديدة.
واستُحْدِث بعد ذلك لون هو وليد تجربة القصائد والأناشيد هو الدعاء الديني، وكان الدعاء الديني يُغنَّى بالفصحى أو بالعامية، ولا يزيد عن خمس دقائق ليكون جرعة روحية مكثفة ذات موضوع واحد.
حتى ظهر لون جديد يسمى بالغناء الديني الشعبي وهو فن يعتمد على دراما القصة في شكل غنائي يشبه الملحمة يحكي فيها المنشد قصص الأبطال التاريخيين أو يمدح رسول الله(ص) ويروي سيرته. ومن أبرز من أدى هذا اللون الدرامي من المشايخ الشيخ محمد عبد الهادي وكذا الشيخ عبد الرحيم دويدار، والشيخة هنيَّات شعبان، الشيخة سعيدة عبد الرحيم.
أشهر المنشدين
برز العديد من المنشدين في القرن العشرين ففي مصر برز الشيخ طه الفشني والشيخ النقشبندي وغيرهم. أما في سوريا فيعتبر المنشد الراحل توفيق المنجد أهم من ظهر في هذا المجال وهو من منشدي دمشق، مع وجود أسماء كبيرة مثل المنشد فؤاد الخنطوماني والمنشد صبري مدلل في حلب وكذلك المنشد منذر السرميني أبو الجود والمنشد محمد أبو راتب وغيرهم. ومن الأسماء الأخرى في دمشق برز في السبعينات اسم المنشد حمزة شكور الذي انضمت فرقته إلى رابطة المنشدين بدمشق التي أسسها توفيق المنجد. ومن العراق الشيخ المرحوم حمزه الزغير والمرحوم ياسين الرميثي والمرحوم عبد الرضا الرادود وجاسم الطويرجاوي ومهدي الاموي وعزيز الكلكاوي وباسم الكربلائي وجليل الكربلائي وأبو بشير النجفي وغيرهم المئات من العراقيين والعرب بل وحتى في العالم الإسلامي.