المِصريون تكشف ملف الأجانب المختطفين على يد أمن الدولةمروة رسلان :"عاوز أعرف إذا كان عايش ولا ميت.. انصب له الصوان واتلقَّ العزاء ولا فيه أمل يرجع؟!" .. بتلك الكلمات الباكية بدأ الحاج أحمد نعمان حكاية ابنه أيمن المختفى فى مصر حديثه مع "المِصريون"، فقد أعاد ظهور نائب وزير الدفاع اليمنى السابق أحمد سالم عبيد، بعد اختفائه الغامض بالقاهرة لثلاثة أشهر كاملة، الأمل لدى والد أيمن أحمد نعمان، طالب الطب اليمنى، الذى دخل قسم شرطة الدقى ولم يخرج منه منذ ست سنوات، ولا يزال والده يبحث عنه بلا كلل أو ملل.
القصة كما استمعت إليها "المصريون" من الحاج "أحمد سعيد نعمان" والد أيمن المخطوف، بدأت فى 15/12/2006 ، عندما حاول الاتصال بابنه، فوجد هاتفه مغلقًا بشكل دائم، قائلاً "أسبوع وأنا أستمع لنفس الرسالة الصوتية المتكررة : الهاتف المطلوب قد يكون مغلقًا".
وأوضح الحاج أحمد أنه اضطر لترك عمله بالسعودية، وجاء إلى القاهرة؛ لعله يجده بخير، ولكن ظنونه خابت عندما ذهب إلى منزله، وأبلغة حارس العقار الخبر الصادم "أيمن، يا حاج أحمد خرج ولم يعد.. غادر العمارة يوم الجمعة الماضية للصلاة ولم يرجع حتى الآن".
وقال الحاج أحمد إن هول الصدمة لم تمنعه من التحرك سريعًا للبحث عن ابنه، فقام بالاتصال بزملائه فى الكلية، وأخبروه أنهم يمشّطون شوارع القاهرة للبحث عنه، مبيّنًا أنهم أخبروه فى أحد الأيام أنهم وجدوا سيارته أمام قسم الدقى، فأسرع إليه مهرولاً؛ لعله يجد دليلاً واحدًا يدله على ابنه.
وداخل القسم أبلغه الضابط أن ابنه أيمن كان محجوزًا بالفعل فى القسم أربعة أيام عقب حادث تصادم بسيارته رقم 9762 جمرك القاهرة، مع أحد المواطنين المصريين الذى كان يقود سيارة رقم4171 نقل الجيزة بشارع جامعة الدول العربية، وتم اقتيادهما إلى قسم العجوزة فأحالهما إلى قسم الدقى للاختصاص المكانى الذى أحالهما إلى النيابة للتحقيق بالمحضر رقم 16807 جنح الدقى لسنة 2006.
ويضيف الأب أنه عندما تم عرض ابنه على النيابة كان منهارًا، ويتمتم بكلمات غير مفهومة، لسوء المعاملة التى وجدها من الضباط فى القسم، فقرر وكيل النائب العام أن يتم عرضه على الطب الشرعى فى اليوم التالى، لكنه فى اليوم التالى أصبح أكثر هدوءًا وتجاوبًا مع وكيل النائب العام، مما جعل وكيل النائب العام يعدل عن قراره بعرْضه على الطب الشرعى والإفراج عنه بكفالة مائتى جنيه؛ لأنه يقود بدون رخصة للقيادة وذلك بعد تنازل الطرف الثانى عن المحضر.
ولاستكمال إجراءات الإفراج تم اقتياد أيمن مكبلاً بالحديد إلى قسم أول أكتوبر لإخلاء سبيله من القسم التابع له مقر سكنه، ولكنهم فوجئوا برفض قسم أكتوبر تسلمه وتمت إعادته لقسم الدقى لسوء حالته النفسية والجسدية لتعرضه لضرب مبرِّح، موضحًا أن الضابط كان عليه تحرير محضر بحالة أيمن وإحالته إلى طبيب لكتابة تقرير، ولكنهم تخاذلوا عن ذلك وأرسلوه إلى قسم الدقى.
وقال إنه عندما ذهب إلى قسم الدقى قالوا له نصًّا "لا نعلم أى شىء عن أيمن منذ أن خرج من القسم يوم 18 ديسمبر"، مشيرًا إلى أنهم يكذبون عليه، فإذا كان حديثهم صحيحًا، فلماذا ظلت السيارة محجوزة بجوار القسم، رغم أنه تسلمها دون أى مشاكل أو أى اعتراض من القسم، كما أنه تسلم حافظة نقوده التى وجد فيها بِطاقتين لشخصين لا يعرفهما، وعندما ذهب ليتحقق من شخصيتهما وجد أن عُنوان أحدهما بالبطاقة لا وجود له.
والغريب فى الأمر أن الحاج أحمد عندما طالع فاتورة هاتف ابنه أيمن وجد عشر مكالمات أجراها قبل أن يتم إغلاق هاتفه يوم 27/12/2006 وعندما سأل أصحاب هذه الأرقام، ومعظمهم من المنيا، أكدوا له أنهم لا يعرفون أحدًا يُدعى أيمن أحمد نعمان، مشيرًا إلى أن هذه المعلومات جعلته يتأكد من حديث أمين الشرطة، الذى أخبره خارج القسم همسًا "متتعِبْش نفسك يا حاج.. ويا ريت متدوّرش على ابنك؛ لأنك مش هتلاقيه.. ابنك ضاع!".
وسط دموعه الصامتة أكد الحاج أحمد نعمان أنه خاطَبَ السفارة اليمنية، التى قامت بدورها بإرسال العديد من رسائل الاستغاثة إلى وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى، المحبوس حاليًّا فى طرة، ومدير أمن الجيزة ورئاسة الجمهورية، ولكنه لم يتلقَّ غير الصمت.
ويضيف قائلاً "إننى استنفدت كل سبل البحث عن ابنى ولم أجد الآن إلا هذا الباب، رغم ذلك لم أفقد الأمل فى أن أجد ابنى، الذى كان كل حُلمه أن يُنهِى دراساته ويفتح عيادته فى اليمن لطب الأسنان".
ومن جانبه أكد باسم الشرقاوى، محامى أيمن نعمان، أنه قام بعد الثورة بعمل بلاغ للنائب العام باتهام كل من حبيب إبراهيم العادلى، واتهام رئيس مباحث الدقى بقتل وإخفاء مواطن أجنبى؛ لأنه دخل قسم الدقى، ولم يخرج منه، مشيرًا إلى أن هناك تحقيقًا فى نيابة الدقى، وقام بإدراج اسم حسن عبد الرحمن، رئيس مباحث أمن الدولة السابق؛ لأنه فى عام 2004 أصدرت مباحث أمن الدولة تعليمات بخصوص الأجانب ومختلفى الديانة يوجب عرضُهم على أمن الدولة، ورغم تفاعل وكيل النيابة إلا أنه فى النهاية تم حفظ البلاغ كالعادة.
وقال الشرقاوى إنه بدأ بعمل بحث استقصائى عن اليمنيين الذين تم اختفاؤهم فى مصر، فوجد أن هناك أربع حالات تم اختفاؤهم، مبينًا ان كل الدلائل تؤكد أن ايمن تم القبض عليه فى صفقة استخباراتية، وتم ترحيله إلى اليمن، ودليله أنه كانت هناك اتفاقية الدفاع العربى المشترك، التى تنص على أنه من حق أى دولة القبض على أى مواطن ويتم إخراجه بدون ختم على جواز سفره، على الرغم من أنه يمتلك شهادة من الجوازات تؤكد أن أيمن داخل مصر!
وأشار إلى أنه عندما سأل فى أمن الدولة قبل الثورة، أخبره الضباط أنه موجود ولا يوجد عليه أى إدانة، ولكنهم يحتجزونه لسبب آخر، ونصحوه بعدم فتح هذا الملف، موضحًا أنه بعد اندلاع الثورة قام بإجراء محاولة أخرى؛ اعتقادًا منه أن الأمور تغيرت، فأخبروه أن كل المعتقلين تم ترحيلهم للأمن القومى.
وأكد الشرقاوى على أنه ذهب إلى اللواء هانى عبد العليم، المتحدث الرسمى باسم وزير الداخلية السابق حبيب العادلى، فقال له نصًّا: "مش موجود عندنا الاسم ده.. يمكن يكون موجودًا فى المخابرات أو الأمن القومى، وعاوزين يلبّسوها لينا!"، مبينًا أنه طلب فى المحضر من وكيل النيابة، ضم السجلات الخاصة بالقسم فى هذه الفترة؛ حتى يعرف أين ذهب، ويعرف مَن الذى قام بإخراجه من القسم، ولكن النيابة لم تستجِبْ لطلبه، وتم حفظ القضية.
ومن ناحية أخرى أكد محمد زارع رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائى، أنه تعامَلَ مع جميع ملفات الأجانب المختفين فى مصر، وعلى رأسهم قضية نائب وزير الدفاع اليمنى السابق، حيث كان على خلاف مع الرئيس المعزول على عبد الله صالح، واختفى وهو موجود فى مصر، وأثناء نظر الدعوى القضائية بالمحكمة نفت الخارجية والسفارة اليمنية علمهما بمكانه، موضحًا أنه بعد فترة اكتشف أن نائب وزير الدفاع اليمنى أحمد سالم عبيد موجود فى اليمن، وتم تبديله ببعض المطلوبين المصريين فى عملية غير قانونية.
وأشار زارع إلى أن هذه العمليات كانت تتم بين الأنظمة العربية فى السابق، وربما يكون ما حدث مع نائب وزير الدفاع اليمنى قد حدث مع أيمن، مبينًا أنه يثق، من خلال عمله بالجمعية، بأن هناك أكثر من 40 حالة اختفاء، ولكنه قد يكون هناك عشرة أضعاف هذا الرقم، كلهم من المصريين، باستثناء منصور الكيخيا رئيس وزراء ليبيا السابق، الذى لم يظهر حتى الآن، مشيرًا، فى الوقت نفسه، إلى أن أغلبهم تم اعتقالهم فى الفترة السابقة، من الجماعات الإسلامية والجهادية.