كتب : ناصر شهاب
عندما أعلن قيام دولة الوحدة بين مصر وسوريا فى يوم 22فبراير سنة 1958 تحت راية الجمهورية العربية المتحدة واستقر الرأى على أن يكون رئيسها جمال عبد الناصر على أن يجرى لاحقا استفتاء فى إقليمى الجمهورية الوليدة بإقليميها " الإقليم الشمالى (سوريا) والإقليم الجنوبى (مصر) " .. كانت شعبية عبد الناصر تتأجج مشاعرها فى سوريا تماما كما هى فى مصر كرمزللكفاح ومقاومة الاستعمار والقومية العربية و عندما ذهب عبد الناصر للمرة الأولى فى حياته ووطأت قدماه أرض مطار المزة فى دمشق ذهب بصفته الرئيس الذى انتقل فى بلده التى هو حاكما لها من مدينة إلى مدينة أخرى من القاهرة إلى دمشق وكانت شعبيته الطاغية تعز على الوصف فقد كان السوريون يحبون عبد الناصر حبا حماسيا متأججا لدرجة لاتصدق وكانت استقبالاتهم استقبالات شعبية فوارة بالحماسة والوطنية أو استقبالات الأبطال الفاتحين حتى كانت من فرط انفعالها تأتى منها أفعال ربما يصعب على أحد تصورها فى الوقت الحاضر فقد حملت الجماهير السورية سيارة جمال عبد الناصر الكاديلاك السوداء التى كانت تقله هو وشكرى القوتلى الرئيس السورى الذى سلم مقاليد الرئاسة فى سوريا طواعية إلى الزعيم عبد الناصر !
نعم حملوا السيارة على أكتافهم فى أول زيارة لجمال إلى دمشق يوم 24 فبراير 1958 وتحدث العالم أجمع عن الاستقبال الأسطورى الذى قوبل به هناك . وكان رفع سيارة عبد الناصر حدثا فريدا لم يحدث مثيلا له فى التاريخ من قبل فقد غامر الرجال بأرواحهم كى يعبروا عن مشاعرهم الفياضة التى لاتستطيع أى كلمات وصفها وتناقلت وكالات الأنباء والإذاعات والصحف الخبر وأصبح حمل السوريون لسيارة عبد الناصر هو الخبر المدهش الذى يبهر الناس ليس فى مصر وسوريا فقط ولكن فى كل دول العالم ...ولم تكن بقية المدن السورية أقل حظا فى حب الزعيم من دمشق الشهباء فانتقل هذاالأمر إلى المدن الأخرى ومنها مدينة حمص فعندما قام بزيارتها هو وضيف الجمهورية العربية جوزيف بروزتيتو الرئيس اليوغوسلافى ، مرة أخرى تدافعت الجماهير الحمصية لتحمل سيارة الزعيم وضيفه تيتو على الأكتاف وسمى الميدان الذى مرت به سيارة الرئيس محمولة على الأكتاف باسمه تخليدا لذكرى هذا اليوم ومايزال هذا الميدان يحمل اسم جمال عبد الناصر إلى يومنا هذا وإن كان الكثيرين لايدركون السبب المباشر لإطلاق هذه التسمية عليه .
وكأن الجماهير المحبة لناصر قد اعتبرت أن حمل سيارته تقليدا من الواجب اتباعه وهذا مالم يرض عبد الناصر شخصيا لأنه كان يشفق عليهم من رفع سيارته تبجيلا وحبا وكرامة ومن هذه الروايات ماقيل إن الزعيم أثناء زيارته لمدينة السويداء حاولت الجماهير رفع سيارته لكنه خاطبهم وطلب منهم ألا يفعلوا وبالفعل استجابت الجماهير له فقط كى خضوعا لرغبته وإن كانت الحماسة تدفعهم لتكرار ماحصل فى مدن أخرى وكأنهم يرفضون أن يكونو فى السويداء أقل تعبيرا عن حبهم لعبد الناصر .
حادث حمل سيارة عبد الناصر مازال يذكره كل من عاصروا فترة قيام الوحدة وكذلك يردده المسؤلون السابقون الذى عاشوا هذه الفترة سواء فى لقاءاتهم التليفزيونية أو مذكراتهم وكتبهم ونعتقد أن تكرار هذا الأمر فى الوقت الحاضر فى أى بقعة من العالم شىء غير محتمل حدوثه لا لعدم وجود زعامات تستحق هذه الحفاوة فمن الممكن فى أى وقت وفى أى مكان ظهورها مرارا وتكرارا هكذا أخبرنا التاريخ ولكن لأن معدل وزن السيارة الآن ارتفع لأكثر من الضعف عنه فى فترة الخمسينات وحتى الثمانينات حيث كان يقدر وزنها فى الماضى بحوالى 750كجم أما الآن فإن متوسط وزنها تعدى الطن ونصف الطن بسبب الإضافات والتطويرات الكثيرة التى طرأت عليها بمرور الزمن ..ترى فهل تستطيع الجماهير الآن رفع سيارة بما تحمله من ركابها على أكتافهم ؟ أعتقد أنه ربما لا !