بقلم:
مجدي سلامة
جسم المقال:
الوحيد القادر علي تحديد مكان غرق الغواصة "داكار".
تل أبيب تطلب رأس اللواء عزب..قبطان أسيوط.
مطاردة مثيرة الاحداث والتفاصيل، طرفاها اسرائيل بكل قادتها وكامل اجهزتها العسكرية والمخابراتية.. والثاني مواطن اسكندراني في العقد السابع من عمره.
الشرارة الاولي في المطاردة انطلقت منذ ما يزيد علي عقد من الزمان وهدف الاسرائيليين هو رأس المواطن المصري اللواء متقاعد محمد عبد المجيد عزب!! سبب المطاردة هو ان اللواء »عزب« الوحيد في الدنيا كلها الذي يملك حل لغز غامض يحير اسرائيل طوال الـ 38 عاما الاخيرة ولهذا فهو مطلوب في تل ابيب حيا وحيا فقط. اكثر من مرة حاولت اسرائيل ان تصل لرأس اللواء »عزب« بالاغراءات المادية.. رصدت لذلك 2 مليون دولار وارسلت للواء عزب هدايا ثمينة، ومنحته اعلي درع في اسرائيل، ولكنها فشلت في ان تصل لرأس البطل المصري.
طلبت »تل ابيب« رسميا من الحكومة المصرية المساعدة في ان تصل لرأس اللواء المصري.. واستجابت حكومتنا ولكن اسرائيل فشلت في تحقيق ماتريد ولهذا مازالت تطارد الرجل وتطلب رأسه!!
اصل الحكاية يعود الي الاحداث التي اعقبت اغراق البحرية المصرية عام 1967 للمدمرة الاسرائيلية »ايلات« وهي اكبر قطع الاسطول البحري الاسرائيلي ـ وقتها ـ فعقب اغراق »ايلات« سارعت اسرائيل بشراء الغواصتين »داكار« و»دولفين« من انجلترا لدعم قواتها البحرية.
وفي ميناء »بورت سميث« الانجليزي اقيم احتفال يوم 9 يناير 1968 بمناسبة بدء ابحار الغواصتين من ا نجلترا الي اسرائيل، وكان من المقرر ان تصل الغواصتان الي حيفا وهي القاعدة الرئيسية للبحرية الاسرائيلية ـ آنذاك ـ يوم 25 يناير من نفس العام حيث سيقام بهذه المناسبة احتفال كبير يحضره رئيس الوزراء الاسرائيلي ـ آنذاك ـ ليفي اشكول«.
ولكن ما حدث هو ان »داكار« قطعت المسافة بسرعة اكبر مما هو مخطط، ولهذا تلقي قائدها الرائد بحري »يعقوب رعنان« اوامر بأن يهدئ من سرعة الغواصة حتي لايصل ميناء »حيفا« قبل موعد الاحتفال، وبعد بضع ساعات تلقي اوامر جديدة بالاتجاه الي الشواطئ البحرية، وتحديدا الي ميناء الاسكندرية لمهاجمة قطع بحرية كان مقررا ان يستقلها الرئيس جمال عبد الناصر صباح يوم 25 يناير لمشاهدة مناورة لوحدات البحرية المصرية، وعلي الفور جنحت الغواصة الاسرائيلية الي الشواطئ المصرية واقتربت جداً من ميناء الاسكندرية، وفي يوم 23 يناير 1968 ارسل قائدها رسالة من كلمة واحدة الي قادته في تل ابيب تقول الرسالة »تمام« وبعدها انقطع الاتصال بالغواصة واختفت ولم يعثر لها علي اثر!!.
جنون
وبمجرد اختفاء »داكار« بكامل طاقمها الذي يضم 69 ضابطا وجنديا اسرائيليا اصيبت اسرائيل بالجنون، ورصدت تل ابيب مليون شيكل يوميا للبحث عن الغواصة المختفية، ولذات الهدف استنجدت اسرائيل بالولايات المتحدة وبريطانيا واليونان وطلبت منها مساعدتها في الوصول الي الغواصة داكار، وبعد 57 طلعة جوية اسرائيلية و14 طلعة جوية بريطانية و14 طلعة امريكية و3 طلعات يونانية انتهي الامر الي »لاشيء«!! بعد تمشيط 104 الاف ميل مربع من البحر المتوسط.
ورغم ذلك لم تفقد »تل ابيب« الامل ولهذا قامت بتمشيط 2.60 الف ميل مربع اخري بالبحر المتوسط بواسطة 10 قطع من سلاح البحرية الاسرائيلية و18 سفينة من الاسطول التجاري وقطعتين من البحرية البريطانية و3 قطع من البحرية الامريكية و4 قطع بحرية تركية وقطعتين يونانيتين.. ولكن لم يعثر لداكار علي اثر.
وفي مساء 25 يناير 1968 اي بعد 48 ساعة كاملة من اختفاء داكار وقف وزير الدفاع الاسرائيلي امام الكنيست ليقول بكل الحزن والاسف ابلغ الشعب الاسرائيلي بفقدان الغواصة »داكار« وعلي الفور تم تشكيل 4 لجان مختلفة لتقصي الحقائق في حادثة اختفاء داكار.
شائعات
وبعد اختفاء »داكار« كانت اسرائيل اشبه بالغريق الذي يتعلق بأي قشة ولهذا اخذت البحرية الاسرائيلية تتعقب اية معلومة وتجري وراء اية شائعة عسي ان تصل في النهاية لفك لغز اختفاء الغواصة، ولكن الاسرائيليين استبعدوا تماما ـ حسب تأكيدات الخبراء ـ احتمال غرق »داكار« علي اثر عمل عدائي حيث اوحت بيانات المخابرات الاسرائيلية بأنه لم تحدث اي اعمال حربية خلال الفترة التي اختفت فيها »داكار« في شهر يناير عام 1968 ولهذا استبعدوا تماما ما اعلنه الفريق اول محمد فوزي وزير الحربية المصري في تلك الفترة من ان المصريين اغرقوا »داكار« وهو نفس ما اكده الفريق محمد صادق ـ قائد المخابرات الحربية المصرية ـ آنذاك ـ والفريق بحري محمود فهمي عبد الرحمن رئيس عمليات القوات البحرية المصرية في ذات الفترة.
استبعد الاسرائيليون اغراق »داكار« نتيجة عمل عسكري بينما راحوا يلهثون وراء اية شائعة، تعقبوا ـ مثلاً ـ شائعة تقول ان الغواصة »داكار« اصطدمت بغواصة روسية مما ادي لغرق »داكار« بينما تم سحب الغواصة الروسية التي اصيبت بشدة الي ميناء الاسكندرية، ولكن بعد البحث والتحري اتضح ان حادثة اصطدام الغواصة الروسية باخري وقعت عام 1969 وليس عام 1968 الذي شهد اختفاء »داكار«.
وتعقبت اسرائيل ايضا رواية صياد يوناني اكد انه شاهد الغواصة تغرق بالقرب من شواطئ جزيرة »كريت« وبعد البحث في المكان الذي حدده اكتشفوا ان الذي غرق في هذا المكان هو سفينة يونانية.
ولما ظهرت بقعة زيت في البحر المتوسط قرب قبرص سارعت اسرائيل اليها ولكن بعد تحليل عينة من الزيت اتضح انه ليس من النوع الذي كانت تستخدمه »داكار«.
ولما ظهرت العوامة الخاصة بداكار امام شواطئ خان يونس الفلسطينية بعد 8 أشهر من اختفاء الغواصة بدأ سلاح البحرية الاسرائيلي بإلقاء عدد من العوامات في اماكن مختلفة من البحر وراح يتعقبها في محاولة منه لفك لغز اختفاء »داكار« ولكن هذه المحاولات كلها انتهت الي لاشيء وفشلت في فك اللغز.
وبعد فشل كل هذه المحاولات بدأ قادة »تل ابيب« يأخذون التصريحات المصرية التي تؤكد اغراق القوات المصرية للغواصة »داكار« قرب ميناء الاسكندرية، ولهذا وبمجرد توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين القاهرة وتل ابيب عام 1978 طلبت اسرائيل البحث عن حطام »داكار« قرب الشواطئ المصرية وارسلت اكثر من بعثة ومجموعة بحث وفتشوا ونقبوا ولم يعثروا علي شيء!!.
ومن جديد راحت اسرائيل تفتش في الماضي وتحلل بدقة مانشرته الصحف المصرية عام 1970 عن تفاصيل اغراق الغواصة الاسرائيلية داكار بواسطة احدي سفن التدريب التابعة لقوات البحرية المصرية، وساد يقين لدي قادة اسرائيل ان قائد سفينة التدريب المصري هو الوحيد القادر علي كشف لغز »داكار« وتحديد المكان الذي غرقت فيه.
السفينة اسيوط
وكانت السفينة الحربية المصرية »اسيوط« قد غادرت ميناء الاسكندرية يوم 23 يناير عام 1968 في مهمة تدريبية وعلي متنها عدد من طلبة الكلية البحرية، وبعد انتهاء التدريب، وكان الوقت ظهرا، ارسلت السفينة الاشارة التقليدية لطلب الاذن بالدخول الي الميناء واخذت تبحر ببطء صوب الميناء لحين صدور الاذن لها بالدخول، وفي هذه الاثناء كان بعض الطلبة المتواجدين بمركز قيادة السفينة يقومون بالتدريب علي اعمال المراقبة البصرية، واخذ احدهم وهو العريف طالب عادل معتوق يتطلع الي سطح البحر الساكن، في ذلك اليوم، ومن خلال النظارات المبكرة التي كان يستخدمها شاهد هدفا صغير جداً يشق سطح البحر، وبعد مراقبته لبضع دقائق لم يستطع التعرف علي هوية ما يراه، وعندها لجأ الي زميل دراسته وهو وقتئذ الرقيب طالب محمد احمد ابراهيم الذي لم يعرف هو الآخر نوعية الهدف، فلجأ الي قائد السفينة الذي تمكن بسهولة ـ بحكم خبرته ـ من تحديد هذا الشيء الصغير الذي لم يكن سوي »بريسكوب« غواصة!!.
وفورا قرر قائد السفينة مهاجمة تلك الغواصة المجهولة التي انتهكت مياهنا الاقليمية بالسير تحت سطح البحر في منطقة يمتنع علي غواصاتنا الغطس فيها، وعلي الفور اصدر قائد السفينة المصرية المقدم بحري محمد عبد المجيد عزب اوامره باعلان مراكز القتال بالسفينة فانطلق دوي اجراس الانذار وسارع كل فرد بالسفينة لاتخاذ موقعه والتأهب لتنفيذ ما يصدر اليه من اوامر، وبعد ذلك اصدر قائد السفينة اوامره بالهجوم علي الغواصة بقذائف الاعماق وما هي الا لحظات واخذت ماكينات السفينة تهدر بشدة، ودارت السفينة علي احد جوانبها لتتجه مقدمتها الي الغواصة ثم تقدمت صوب الغواصة باقصي سرعة، وتم تجهيز قذائف الاعماق لكي تنطلق صوب الغواصة الذي حدد مكانها بدقة جهاز اكتشاف الغواصات بالسفينة وفي تلك اللحظة صدرت الاوامر للسفينة بالدخول الي الميناء، وعندها ارسل المقدم »عزب« اشارة الي قادته يخطر فيها بوجود غواصة معادية بالقرب من الميناء وانه مستعد للتعامل معها وجاءه الرد بالتأكيد علي ضرورة دخوله ميناء الاسكندرية فوراً.
ويتذكر اللواء بحري متقاعد محمد عبد المجيد عزب احداث هذا اليوم ويقول »كنت واثقا يومها ان الغواصة معادية ولهذا كنت في غاية الغيظ والضيق عندما صدرت لي الاوامر بدخول ميناء الاسكندرية، ولم يخفف من غيظي سوي اعتقاد ثبتت صحته بعد ذلك وهو اصطدام الغواصة بالقاع الذي يبعد عن سطح البحر بـ 18 قامة فقط عند محاولتها الهرب بالغطس السريع، اذ لابد وان الغواصة ادركت بأن السفينة الحربية قد كشفتها وانها اصبحت هدفا للهجوم عليها بقذائف الاعماق ولم يكن امامه من مهرب سوي الغطس السريع، فغطست في مكان عمق الماء به حوالي 36 مترا تقريبا بينما اقل عمق يمكن ان تغطس فيه ينبغي الا يقل عن 40 متراً وبالتالي غاصت في الرمال بقاع البحر«.
وقد ادرك قادة اسرائيل ان اللواء متقاعد محمد عبد المجيد عزب هو الوحيد القادر علي تحديد مكان »داكار« ولهذا طلب »نتنياهو« عندما تولي رئاسة وزراء اسرائيل ـ رسميا ـ من السلطات المصرية ان يلتقي وفدا اسرائيليا باللواء »عزب« ولكن طلبه قوبل بالرفض من الجانب المصري ولهذا تدخل »عيزرا وايزمان« عندما كان رئيسا لاسرائيل وطلب هو الآخر بأن يشارك اللواء »عزب« البعثات الاسرائيلية التي تبحث عن »داكار« قرب ميناء الاسكندرية ووافقت السلطات المصرية علي طلب وايزمان.
يقول اللواء عزب: »ارسل الاسرائيليون حوالي 6 بعثات منها اربع بعثات التقت بي وحاولوا ان يعرفوا مني المكان الذي غرقت فيه »داكار« ولكني في كل مرة كنت ارفض تحديد المكان مشترطا ان تكشف اسرائيل اولا عن مصير 9 آلاف و800 مصري اختفوا في سيناء عقب نكسة 1967 وان يعلنوا ما انتهت اليه التحقيقات بشأن الجرائم التي ارتكبت في حق الاسري المصريين في حربي 1956 و1967«.
ويضيف: راوغ الإسرائيليون وحاولوا الادعاء عام 2000 بأنهم عثروا علي حطام »داكار« بالقرب من شواطئ جزيرة قبرص، ولكني التزمت الصمت لأنني واثق أن داكار ترقد في أعماق البحر المتوسط بالقرب من شواطئ الاسكندرية، وبعد ذلك حاولوا إغرائي بالمال ورصدوا مبلغ 2 مليون دولار لهذا الهدف وأرسلو لي هدايا عديدة.. أرسلو تمثالا لاثنين من الدولفين المصنوعين من الفضة الخالصة، ثم أرسلوا ميدالية ذهبية ومنحوني درع قبطان القباطين وهو أعلي وسام بحري في إسرائيل وذلك في محاولة منهم ان يصلوا لما في رأسي ويعرفوا مكان غرق »داكار« ولكني مازلت مصراً علي موقفي ولن أحدد لهم مكان الغواصة إلا بعد ان يعلنوا أولاً عن مصير المفقودين المصريين في حربي 1956 و1967 ويعلنوا ما انتهت إليه التحقيقات بشأن جرائم الحرب التي ارتكبها بعض قادة إسرائيل في حق الأسري المصريين، وأيضا يفرجوا عن كل النساء الفلسطينيات المحتجزات في سجون إسرائيل وإذا فعلوا ذلك سأحدد لهم مكان »داكار«.. وأنهي كابوسا يخيم علي إسرائيل كلها منذ غرق هذه الغواصة يوم 23 يناير 1968 وحتي الآن.
الوفد