محمد عبد القوى مشرف
عدد الرسائل : 7866 بلد الإقامة : مصر احترام القوانين : العمل : الحالة : نقاط : 15658 ترشيحات : 10
| موضوع: الوليدبن عبدالملك 18/1/2009, 22:38 | |
| الوليد بن عبد الملك..
تُوفي الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بعد أن ترك دولة قوية مترامية الأطراف متماسكة البناء، ثرية بالموارد، غنية بالرجال والقادة، وقد استغرق تحقيق ذلك سنوات طويلة من عمر خلافته، قضاها في تنظيم الدولة، وإدارة شئونها، وإعادة الوحدة إليها بعد أن نازعه في الخلافة عبد الله بن الزبير، والمختار الثقفي، لكنه نجح في التخلص منهما بعد جهود مضنية وسنوات شاقة، وكان ساعده الأيمن في تحقيق الوحدة الحجاج بن يوسف الثقفي، وكان سياسيًّا ماهرًا، وإداريا كفئًا وقائدًا مغوارًا استخدم الشدة والعزم في تثبيت أركان الدولة، وإعادة الهيبة لسلطانها، لكنه اشتط في تطبيق سياسته الحازمة، وأسرف في معاملة الناس.
وقد أنجز عبد الملك بن مروان أعمالاً إدارية ضخمة دفعت بدولته إلى طريق الرقي والتقدم بعد أن استتب الأمن وأُسكنت الفتنة، فقام بتعريب الدواوين والنقود وتنظيم شئون البريد، فلما تُوفي سنة (86هـ ) كانت الدولة مستقرة تمامًا، وكان على خليفته الوليد بن عبد الملك أن يكمل المسيرة، ويرتقي بالدولة أشواطًا أبعد على طريق الرقي والإصلاح، وأن يزيد من رقعة دولته، ويفتح للإسلام آفاقًا جديدة وهذا ما كان.
مولده ونشأته:-
وُلد الوليد بن عبد الملك في خلافة معاوية بن سفيان حوالي سنة (50هـ ) في المدينة المنورة، حيث كان يقيم أبوه "عبد الملك بن مروان بن الحكم"، وكان أكبر أبنائه، وحين هاجر مروان بن الحكم إلى الشام كان الوليد معه ضمن أسرته، والمعروف أنه ترك المدينة في ربيع الآخر سنة (64هـ ) بعد أن أعلن عبد الله بن الزبير الدعوة إلى نفسه بالخلافة.
وكان عبد الملك بن مروان قبل أن يلي الخلافة ينهل من علم أهل المدينة وفقهائها، ويتأدب بأدبهم وأكثر من مجالسة العلماء، وروى عنه جماعة من التابعين، مثل: خالد بن معدان، وعروة بن الزبير، والزهري، ورجاء بن حيوة، وقد اشتهر بالفقه حتى قيل: كان فقهاء المدينة أربعة سعيد بن المسيب، وعروة، وقبيصة بن ذؤيب، وعبد الملك بن مروان، والأخبار تكاد تتواتر على فقهه وغزارة علمه ورجاحة عقله.
وعرف عن عبد الملك أنه كان حريصًا على تربية أبنائه تربية صحيحة وإعدادهم لجسام الأمور، وأولى أكبر أبنائه عناية خاصة، وعُني بتدريبه على الإدارة والسياسة وفنون القتال، وحثه على التزود من العلم؛ فشبَّ الوليد على حب العربية، وكان أبوه يقول له: لا يلي العرب إلا من يحسن لغتهم، ونشأ على مداومة تلاوة القرآن؛ فكان يختمه في كل ثلاثة أيام، وقيل: في كل سبع، ولم يهمل هذا الورد حتى بعد أن تولى الخلافة وكثرت مهامه.
تولِّيه الخلافة:-
كان عبد العزيز بن مروان وليًّا للعهد في خلافة أخيه عبد الملك بن مروان، فلمّا تُوفي عبد العزيز سنة (85هـ ) عين عبد الملك ابنه الوليد في ولاية العهد وبايعه الناس، فتولى الخلافة عقب وفاة أبيه في (15 من شوال 86هـ ).
تولى الوليد الخلافة وهو في شرخ الشباب مزودًا بثقافة واسعة وخبرة إدارية ونضوج عقل، وتسلّم مقاليد الأمور، ودولته يسودها السلام بعد أن قضى أبوه معظم خلافته في القضاء على الفتن والحروب الداخلية التي كادت تمزق أوصال الدولة، وبدأ في الإصلاح والتعمير، وإحياء حركة الفتوحات الإسلامية في المشرق والمغرب؛ فتم على يديه في المدة التي قضاها في الخلافة وهي لا تعدو عشر سنوات ما قد تعجز الدول عن تحقيقه في قرون عديدة.
الحجاج بن يوسف الثقفي واستقرار الأمن:-
استعان الوليد بن عبد الملك بواليه على العراق "الحجاج بن يوسف الثقفي" في إقرار الأمن في شرق العالم الإسلامي، وتوسيع رقعته، وكان الوليد يعرف فضله ومكانته فتمسك به، وأطلق يده في شئون المشرق الإسلامي الذي كان منبع الثورات في العصر الأموي، ولم تهدأ أحوال المشرق، وتسكن ثوراته إلا على يد الحجاج الثقفي، وكان فضله على استقرار دولة عبد الملك بن مروان لا ينكر، وكانت وصية عبد الملك لأبنائه في مرض موته: أكرموا الحجاج؛ فإنه الذي وطأ لكم هذا الأمر.
وكان الحجاج مخلصًا لدولة بني أمية، لم يأل جهدا في توطيد سلطانهم وفي إقرار الأمن، والقيام بالإصلاحات، فلم يكن قائدًا عسكريًا بصيرًا بأساليب الحرب والسياسة فحسب، بل كان إداريًا حازمًا ومصلحًا ماليًا، فلما هدأت الفتنة واستقرت الأحوال انتقل الحجاج إلى ميادين جديدة من الإصلاح والتعمير، وكانت أياديه ظاهرة فيها، فاستكمل الحجاج في عهد الوليد بن عبد الملك الفتوحات الإسلامية في الجناح الشرقي للدولة، وعمل على إنعاش البلاد التي أنهكتها الحروب والثورات، فاهتم بإصلاح القنوات التي تخرج من دجلة والفرات، وأعاد فتح القنوات القديمة التي رُدمت، وشق قنوات جديدة، وعُني بإصلاح السدود، وتجفيف المستنقعات، وإحياء الأرض البور.
الفتوحات الإسلامية فى عهده:-
شهد عصر الوليد بن عبد الملك أعظم حركة للفتوحات الإسلامية في الدولة الأموية؛ فبسط المسلمون أيديهم على أكبر بقعة من العالم القديم المعروف آنذاك، واتسعت دولتهم على نحو لم تشهده من قبل، وبرز في عهده عدد من القادة الأكفاء الذين اتسموا بالقدرة العسكرية والمهارة الحربية وعُرفوا بالشجاعة والتضحية، فقاموا بعبء هذه الفتوحات وأعادوا للأذهان ذكرى الفتوحات التي تمت في عهد الخلفاء الراشدين.
ففي الجناح الشرقي للدولة حمل الحجاج الثقفي أهل العراق على الاشتراك في جيش "قتيبة بن مسلم الباهلي" لفتح بلاد ما وراء النهر، واستغرقت جهوده في الفتح عشر سنوات (86-96هـ )، فتح خلالها بخارى وسمرقند ووصل إلى إقليم كاشغر الذي يلامس حدود الصين.
وأرسل الحجاج ابن عمه محمد بن القاسم الثقفي لفتح إقليم السند في شبه القارة الهندية سنة (89هـ )، وكان دون العشرين من عمره، لكنه كان قائدًا عظيمًا، نجح في مهمته، وبسط سلطان الدولة في هذه البقاع، وفتح مدينة الديبل، وهي تبعد نحو 45 ميلا شرقي جنوب كراتشي في باكستان، وامتدت فتوحاته إلى ملتان في جنوب إقليم البنجاب.
وأما في الجناح الغربي فقد نجح موسى بن نصير وطارق بن زياد في عبور البحر المتوسط إلى شبه جزيرة أيبريا (إسبانيا) سنة (92هـ )، وتمكنا من فتح تلك البلاد التي أطلق عيها المسلمون اسم الأندلس، ولم يقف طموح موسى بن نصير عند هذا الحد بل عزم على فتح بلاد غالة (فرنسا الحالية) على أن يتجه شرقًا حتى يصل إلى القسطنطينية التي عجز المسلمون عن فتحها، ثم يستمر في فتوحاته حتى يصل إلى دمشق حاضرة الخلافة، لكن الخليفة الوليد حذره من مغبة القيام بهذا العمل، والتوغل في دروب مجهولة، وأمره بالعودة إلى دمشق.
ودأب الوليد على محاربة الدولة البيزنطية؛ لتأمين حدود دولته معها، وكان أخوه مسلمة بن عبد الملك بطل هذه الحروب، واشترك معه أبناء الخليفة الوليد في منازلة البيزنطيين وفتح حصونهم، وظلت الحملات تتوالى على بلاد الروم منذ سنة (88هـ )، ولا يكاد يخلو عام من حملة على الروم، واستعد الوليد لإرسال حملة برية وبحرية لغزو القسطنطينية، لكن المنية عاجلته قبل أن ينفذ هذا المشروع، فنهض به أخوه سليمان بن عبد الملك الذي ولي الخلافة من بعده.
النهضة العمرانية:-
الجامع الأموي
عرف الوليد بن عبد الملك بأنه كان مغرمًا بالبناء والتشييد، محبًا للعمارة على نحو لم يعرفه خلفاء بني أمية؛ فحفر الآبار والعيون، وأصلح الطرق التي تربط بين أجزاء دولته المترامية الأطراف، وبنى المساجد والمستشفيات.
وأثنى المؤرخون على جهوده العظيمة في هذا الميدان الذي شمل معظم أرجاء دولته؛ فعُني بتجديد الكعبة وتوسيع المسجد الحرام، وأعاد بناء المسجد النبوي، وزاد فيه من جهاته كلها، فأدخل فيه حجرات أزواج النبي (صلى الله عليه وسلم)، وعهد بهذه المهمة إلى ابن عمه وواليه على المدينة عمر بن عبد العزيز، وبعث إليه بالأموال والرخام والفسيفساء وبثمانين صانعا من الروم والقبط من أهل الشام، وجدد أيضا المسجد الأقصى بفلسطين ، ويعزى إليه فكرة عمل المحاريب المجوفة في المساجد، وإقامة المآذن، كما أرسل إلى واليه في مصر بتجديد جامع عمرو بن العاص.
أما أبدع ما أنشأه الوليد فهو الجامع الأموي بدمشق، الذي جاء آية من آيات الفن البديع والعمارة الإسلامية، وبالغ في تشييده وتزيينه؛ ليكون مظهرًا لقوة الدولة ومبلغ حضارتها، وأنفق عليه أموالاً طائلة واستغرق بناؤه عهد الوليد كله، وبقيت منه أعمال أنجزها أخوه سليمان بن عبد الملك من بعده.
قصر الوليد:-
وأنشأ الوليد قصر عمرة، وهو قصر صغير يقع على بعد خمسين ميلا شرقي عمان في الأردن، ولم يُعرف هذا القصر إلا في سنة (1316هـ )؛ حيث اكتشفته البعثة العلمية التي كان يرأسها موزل، ويمتاز القصر بتصاوير جدرانه الرائعة ونقوش جميلة لطيور وحيوانات وزخارف نباتية.
استكمال التعريب:-
كانت عملية التعريب عملية طويلة بدأها عبد الملك وسار الوليد على نهجها؛ فأمر واليه على مصر عبد الله بن عبد الملك بتدوين الدواوين في مصر باللغة العربية بعد أن كانت تُكتب بالقبطية، فكان هذا تتمة لما بدأه عبد الملك بن مروان في سياسة التعريب التي لم تتم نهائيا إلا بعد تعريب دواوين خراسان سنة (124هـ )، وقد ساعد التعريب على شيوع اللغة العربية وانتشارها بين الموالي، وأصبحت لغة الثقافة، بالإضافة إلى كونها لغة الدين.
كان من نتيجة استقرار الدولة أن زادت ماليتها وتكدست خزائنها بالأموال، وأنفق الوليد جزءًا منها على البناء والتشييد، وخصص جزءًا آخر لتقديم الخدمات للناس دون أجر، فأمر بتشييد المستشفيات لذوي الأمراض المزمنة، وأعطى رواتب لذوي العاهات من العميان والمجذومين وغيرهما، ومنح كل مُقعد خادمًا، وكل ضرير قائدًا.
وفـــاته:-
نجح الوليد في مدة خلافته التي لم تتجاوز عشر سنوات أن يقيم دولة عظيمة، وأن ينعم الناس في ظلها بالرخاء، وأن تنشط حركة العمران، وتزدهر الثقافة وحلقات العلم في المساجد الكبرى، حتى صارت دولته أقوى دولة في العالم آنذاك، ولم تطل به الحياة فتوفي في (منتصف جمادى الآخرة سنة 96هـ ).
المصدر:-
محمد بن جرير الطبري - تاريخ الرسل والملوك - تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم - دار المعارف القاهرة -1971.
البلاذري أحمد بن يحيى - فتوح البلدان - تحقيق صلاح الدين المنجد القاهرة - بدون تاريخ |
|
رأفت الجندى المدير الإداري
العمر : 65 عدد الرسائل : 9511 بلد الإقامة : الفيوم احترام القوانين : العمل : الحالة : نقاط : 13232 ترشيحات : 29 الأوســــــــــمة :
| موضوع: رد: الوليدبن عبدالملك 19/1/2009, 17:07 | |
| |
|
صفاء الروح مراقب عام
عدد الرسائل : 3955 بلد الإقامة : أرض الإسلام احترام القوانين : العمل : الحالة : نقاط : 9809 ترشيحات : 102 الأوســــــــــمة :
| موضوع: رد: الوليدبن عبدالملك 19/1/2009, 18:24 | |
|
اخي و استاذي الفاضل / الاستاذ محمد عبد القوي
لا حرمك الله اجر هذه المواضيع القيمة التي تثري المنتدى بتاريخنا الاسلامي المشرف
جزاك الله خير الجزاء
في انتظار قادمك
تقبل اخي كل التقدير و الاحترام
|
|
الأم الطيبة مشرف
عدد الرسائل : 949 بلد الإقامة : A R E احترام القوانين : العمل : الحالة : نقاط : 6764 ترشيحات : 9
| موضوع: رد: الوليدبن عبدالملك 21/1/2009, 14:46 | |
| [ color=green]
شكرا للاستاذ محمد على هذا الموضوع القيم الذى يبين بان كل الامراء سواء الامويين
اوالعباسيين قد قاموابدور هام فى تارخ الامة الاسلامية مهما يتم من تشويه لهم
كما شوهوا احد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان احد كتاب الوحى
وهو معاوية بن سفيان - قال رسول الله (ص) اصحابى كالنجوم بايهم
اقتديتم اهتديتم صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
فطوبى لهؤلاء الخلفاء الذين قاموا بواجبهم كما امرهم الله تعالى [/color] |
|
عبير عبد القوى الأعلامى نائب المدير الفني
عدد الرسائل : 9451 بلد الإقامة : مصر احترام القوانين : العمل : الحالة : نقاط : 17867 ترشيحات : 33 الأوســــــــــمة :
| موضوع: رد: الوليدبن عبدالملك 28/1/2009, 21:39 | |
|
شكرا للاستاذ محمد على هذا الموضوع القيم الذى يبين بان الخلفاء المسلمين قدجاهدوا
وسعوا بكل ماملكوا لاعلاء شان دينهم
|
|
الوتر الحزين شخصيات هامة
العمر : 57 عدد الرسائل : 18803 بلد الإقامة : مصر احترام القوانين : العمل : الحالة : نقاط : 32784 ترشيحات : 121 الأوســــــــــمة :
| |
محمد عبد القوى مشرف
عدد الرسائل : 7866 بلد الإقامة : مصر احترام القوانين : العمل : الحالة : نقاط : 15658 ترشيحات : 10
| موضوع: رد: الوليدبن عبدالملك 18/2/2009, 23:02 | |
|
شكرا لاستاذنا الكبير رافت الجندى مروره الكريم
|
|