سالي علي كوبري عباس، يسير عليه كل يوم آلاف العربات ومئات المارة، وفي الغالب لا
يعرف أحد منهم شيئًا عن قصته، أو تاريخه الذي يحمله بين طياته. علي الرغم من أن هذا الكوبري قد يحمل ذكريات جميلة للمحبين، ويظهر ذلك عندما
نتذكر أغنية المطرب الشعبي عدوية "يا بنت السلطان" إلا أنه يحمل بين طياته العديد
من الذكريات الأليمة التي لا يعلم عنها الكثير شيئًا، فهو شاهد علي أسمي صور النضال
الوطني في يوم 21 فبراير من عام 1946 خلال المذبحة التي راح ضحيتها عدد كبير من
طلاب جامعة القاهرة بين غريق وقتيل.
قصة كوبري عباس
يربط كوبري عباس الذي أنشأ في عام 1908 ويحمل اسم الخديوي عباس حلمي الثاني
بين محافظتي القاهرة والجيزة، والذي أبى أن يتم تغيير اسمه بعد ثورة يوليو لطمس كل
ما يمت للفترة العثمانية بصلة... حيث أطلق عليه " كوبري الجيزة " ليظل يحمل نفس
اسمه الذي اشتهر به طيلة عقود سابقة متمسكًا بكل تفاصيلة إلا من بعض التفاصيل
المتعلقة بالترميم، حيث تم إلغاء الجزء الذي كان يتحرك منه في شكل صينية لإمكان
فتحة لتعبر المراكب الشراعية، ويبلغ طوله 535 مترًا وعرضه 20 مترًا.
أكبر من مجرد كوبري
كانت البداية في عام 1935 عندما تناقلت الصحف تصريح خطير للسير "صمويل هور"
مقدًما نصيحة للمصريين بعدم جدوى إعادة دستوري 1923 و 1930 لأن الأول ظهر أنه غير
صالح العمل به، والثاني ضد رغبة الأمة بالإجماع.. وكان هذا التصريح سببًا في انتشار
موجه عامة لانتقاده والهجوم عليه وعلي الحكومة المصرية.
ثم زاد من التهاب المشاعر الوطنية عندما حل 13 نوفمبر يوم عيد الجهاد الوطني،
حيث انفجرت مظاهرات الشباب في الجامعات فخرجت المظاهرات تهتف ضد التصريح البريطاني
وضد الاحتلال، ونادت بسقوط الوزارة، وعندما اندفعت حشود الطلاب لتجتاز كوبري عباس
لتصل لقلب العاصمة، ترصدها البوليس وأطلق عليهم النيران.
وفي اليوم التالي شهد كوبري عباس مظاهرات أكثر ضراوة، حيث شارك طلاب المدارس
الثانوية والمتوسطة كمدرسة التجارة، وعند اجتياز كوبري عباس تصدت لهم قوة من
كونستبلات الإنجليز، فسقط عدد من الجرحي كما توفي أحد طلاب كلية الزراعة وأحد طلاب
كلية الآداب، واستجاب الرأي العام للحركة الطلابية وأعلنت مختلف الطوائف أن يوم 21
نوفمبر 1935 سيكون إضرابًا عامًا.
مذبحة كوبري عباس
لم يمر عشرة أعوام حتى اندلعت مظاهرات لا تقل ضراوة عن سابقتهاأ بل كانت أشد،
حيث راح ضحيتها عدد كبير من طلاب جامعة القاهرة، فالكوبري نفسه شهد في 21 فبراير
عام 1946 مذبحة أدت إلي غرق وجرح العشرات، ويُعتبر هذا اليوم من الأيام المشهودة
للحركة الطلابية.
وتعود اندلاع هذه المظاهرات إلي فشل "النقراشي باشا" في التخلص من الوجود
العسكري البريطاني في مصر، وإنهاء العمل بمعاهدة 36 وبالفعل ففي 20 ديسمبر1945
بادرت الحكومة المصرية بإرسال مذكرة إلي الحكومة البريطانية تطالبها بإعادة النظر
في المعاهدة، ولكن جاء رد الحكومة البريطانية بعد نحو شهر مخيبًا لأمال كل
المصريين، فقد أكدت بريطانيا علي صلاحية المبادئ الأساسية للمعاهدة، كما أنهم لم
يستجيبوا لموضوع المفاوضات، ورفضوا مناقشة مسألة السوادن، مما زاد من حرج
وزارة"النقراشي باشا"، وأدي ذلك إلي اندلاع المظاهرات الشعبية التي فجرها طلاب
جامعة القاهرة، فوقعت حادثة كوبري عباس الشهيرة 21 فبراير 1946 علي إثر انعقاد
المؤتمر العام الأول لطلبة جامعة القاهرة (جامعة فؤاد)، وشارك فيه كثيرون من طلبة
المعاهد والمدارس، وعم الاجتماع شعور بالوحدة وأعلن المؤتمر اعتبار المفاوضة عملاً
من أعمال الخيانة يجب وقفه، وطالب بإلغاء معاهدة 1936 واتفاقيتي 1899 الخاصتين
بالسودان، وضرورة جلاء القوات البريطانية فورًا.
وخرجت من الجامعة أضخم مظاهرة عُرفت منذ قيام الحرب العالمية الثانية، فعبرت
شارع الجامعة ثم ميدان الجيزة إلى كوبري عباس، وما إن توسطته حتى حاصرها البوليس من
الجانبين وفتح الكوبري عليها، وبدأ الاعتداء على الطلبة فسقط البعض في النيل وقتل
وجرح أكثر من مائتي فرد في هذه المذبحة.
اليوم العالمي للطلاب
بعد هذه المذبحة تضامنت الحركات الطلابية في العالم أجمع مع الحركة الطلابية
في مصر، وانطلقت المظاهرات في أرجاء العالم، وتم اختيار يوم 21 فبراير يومًا
عالميًا للطالب، لكن الغريب أن كثيرًا من الطلاب لا يعرفون عن هذا اليوم شيئًا