محمد نجيـب الرئيس الأولمحمد نجيبعماد أبو غازي :كان اللواء محمد نجيب أول رئيس للجمهورية المصرية، وقد تسلم الرئاسة فى 18 يونيو 1953، لكن الرئيس نجيب عزل من منصبه بقرار من مجلس قيادة الثورة فى 14 نوفمبر سنة 1954، وجاء هذا فى سياق ما يعرف فى التاريخ المصرى بأزمة مارس 54، رغم أن هذه الأزمة امتدت من فبراير إلى نوفمبر.
أزمة بين اتجاهين، اتجاه يرى عودة الحياة الديمقراطية وعودة الجيش إلى ثكناته، واتجاه يتمسك بإدارة الضباط الأحرار لشئون البلاد حتى النهاية.
كان النظام الجديد قد بدأ منذ مطلع عام 1953 سلسلة من الإجراءات التى صادر فيها الحريات؛ فحل الأحزاب السياسية فى يناير 1953 وصادر أموالها باستثناء جماعة الإخوان المسلمين، وتم اعتقال عدد من قادة الأحزاب وأعضائها، وأعلن عن فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات. وبعد عام بدأ الصدام بين مجلس الثورة والإخوان وصدر قرار حل الجماعة فى يناير 1954.
وفى فبراير 1954 بدأت الخلافات تدب داخل صفوف الضباط الأحرار فأعلن الرئيس محمد نجيب استقالته من مناصبه فى 25 فبراير، وبدا فى البيان الصادر فى ذلك اليوم أن هناك صراعا خفيا منذ اللحظة الأولى بين محمد نجيب وجمال عبدالناصر القائد الحقيقى لتنظيم الضباط الأحرار وفقا للبيان، وانتهى البيان إلى قبول استقالة نجيب وتعيين جمال عبدالناصر رئيسا للوزارة، بالإضافة إلى قيادة لمجلس قيادة الثورة.
لكن الوسطاء نجحوا فى تقريب وجهات النظر وعاد نجيب عن استقالته وعاد لمنصبه فى 27 فبراير، وفى اليوم التالى خرجت المظاهرات الطلابية تطالب بالديمقراطية وعودة الجيش إلى ثكناته وانتهت المظاهرات باشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين فى ميدان قصر النيل وما حوله، وفى اليوم التالى تم وقف الدراسة فى الجامعات، وتم القبض على عدد من الطلاب من الإخوان والاشتراكيين والوفديين والشيوعيين.
وفى محاولة لاحتواء الغضب الشعبى أعلن جمال عبدالناصر رئيس الوزراء عن قرارات اتخذها مجلس الوزراء فى 5 مارس تتضمن اتخاذ إجراءات عقد جمعية تأسيسية منتخبة تجتمع فى يوليو 1954 لتناقش مشروع الدستور الجديد وتقوم بعمل البرلمان لحين انتخابه، أى اختصار الفترة الانتقالية، وتقرر إلغاء الأحكام العرفية قبل الانتخابات بشهر، وإلغاء الرقابة على الصحف ابتداء من 6 مارس.
لكن أيا من هذه القرارات لم ينفذ، فلم تنتخب الجمعية التأسيسية ولم تجتمع إلى الآن، وعادت الأحكام العرفية، ولم تلغ طوال 60 سنة إلا لمدد متفرقة لا تتجاوز ست سنوات.
وفى يوم 25 مارس قرر مجلس قيادة الثورة السماح بقيام الأحزاب، وحل مجلس قيادة الثورة يوم 24 يوليو سنة 1954 أى فى يوم انتخاب الجمعية التأسيسية.
كان الصراع واضحا بين جناح يقوده محمد نجيب ومعه خالد محيى الدين وعدد من ضباط سلاح الفرسان، ينحاز إلى الديمقراطية، وجناح يقوده جمال عبدالناصر وباقى أعضاء مجلس الثورة يسعى إلى عدم تخلى الضباط الأحرار عن الحكم.
وخلال أيام قليلة تم التراجع عن قرارات 5 و25 مارس لصالح استمرار الضباط الأحرار فى الحكم، بعد تحرك الضباط فى عدد من الأسلحة لمساندة جمال عبدالناصر ومجموعته، وبعد دفع بعض العناصر النقابية لتحويل المظاهرات العمالية من تأييد الديمقراطية إلى دعم الاستبداد والديكتاتورية.
وفى الأسابيع التالية توالت قرارات الانقلاب على الديمقراطية، فتم حرمان الوزراء الحزبيين السابقين من الحقوق السياسية، وتم حل مجلس نقابة الصحفيين فى منتصف أبريل، وقبل نهاية العام كان قد تم حل مجلس نقابة المحامين، كما اتسعت حملات الاعتقالات فى صفوف الطلاب والعمال والسياسيين، وتمت إحالة عدد من ضباط الجيش للمحاكمات.
وفى 26 أكتوبر 1954 تعرض جمال عبد الناصر لمحاولة اغتيال أثناء إلقاء خطاب فى ميدان المنشية، تم فى أعقابها اعتقال عدد من أعضاء الإخوان المسلمين وتقديمهم للمحاكمة وإصدار عدد من أحكام الإعدام ضد بعضهم، فى قضية مازالت ملابساتها غامضة.
وتم اتهام الرئيس نجيب بأنه كان على صلة بالإخوان وصدر قرار عزله من منصبه كرئيس للجمهورية وتم تحديد إقامته، وحذف اسمه كأول رئيس للجمهورية من المناهج الدراسية ووسائل الإعلام، إلى أن رفع الرئيس أنور السادات الإقامة الجبرية عنه بعد توليه الرئاسة.