الفلسطينيون القدماء كنعانيون
| جميل خرطبيل |
مقدمة:
المثير
للسخرية هو أن يلجأ المؤرخ العربي إلى المؤرخين الغربيين المشبوهين ليكتب، أو لينقل
عنهم تاريخ فلسطين القديم!
فهل العربي عاجز عن الدراسة والبحث والتنقيب ليكتب
تاريخه، فترك للغرب الاستعماري التلاعب بماضيه وماضي آبائه وأجداده كيفما شاء خدمة
لمصالحه الاستعمارية!؟
أم أن عقد النقص تجاه الغربي، ما زالت تسيطر على بعض
الباحثين!؟
لقد زوّر المؤرخون الغربيون تاريخنا، لأنهم يتحركون تحت إبط توجهات
استعمارية صليبية صهيونية!!
وقد جعلوا تاريخ فلسطين وكأنما هو تاريخ
الإسرائيليين فقط!
والصهيونية لعبت دورها القذر في ذاك الاتجاه، والهدف هو
مصادرة التاريخ الفلسطيني، والجغرافيا الفلسطينية، لصالحها ولصالح مشروعها
الاستعماري لفلسطين!
وإذا كان عزرا مؤلف التوراة والطامع بأرض فلسطين، قد بدأ
حربه على كنعان بدءاً بلعنة نوح عندما رأى ابنه حام عورته!! فإنه حاول تشويه كل
سكان فلسطين، ليبقي الإسرائيليين كنخبة يهوية!
وكذلك فعل الكتبة من بعده
والمؤرخون، حيث زوروا الصراع بين شعب فلسطين والمستعمرين، فصوروه على أنه صراع بين
اليهود والغزاة؛ صراع اليهود واليونانيين، ثم صراع اليهود والرومان...
إن
المؤرخين اللاهوتيين المسيحيين واليهود، المشبعين بالعهد القديم، وعلماء الآثار
الذين تأبطوا الكتاب المقدس ومعول التنقيب معاً، ومنذ منتصف القرن التاسع عشر،
أخذوا يبحثون عن تاريخ إسرائيل (شعب الله المختار) في فلسطين.
ومنذ ذلك التاريخ
وحتى هذه اللحظة، والبعثات الآثارية تنقب في كل مكان من فلسطين. تريد إسقاط أسفار
العهد القديم على فلسطين، قسراً! ولكن لم تستطع كل البعثات أن تجد أي أثر يدعم
أكاذيب العهد القديم!
فعالمة الآثار البريطانية كاثلين صرحت في نهاية الستينات
من القرن العشرين، أنها لم تجد ما يثبت صحة وجود إسرائيل في أرض كنعان، ولا
المملكة!
وعالم الآثار الصهيوني فنكلشتاين دعا أواخر القرن العشرين إلى فك
ارتباط علم الآثار بالتوراة، لأنهما لا يجتمعان!
فالعلم نفى وجود بني إسرائيل
في فلسطين، ونفى وجود المملكة في عهد داود وسليمان.. وأعلنت معظم البعثات الآثارية
الغربية والصهيونية أنه لا يوجد أثر واحد يدعم نصوص الأسفار!!
فمتى يصحو العرب
إلى كتابة تاريخ فلسطين دون الاستناد إلى أسفار العهد القديم، والعمل الجاد على
إعادة كتابة تاريخهم بالاعتماد على أنفسهم!!
لقد شهد العصر البرونزي (3500 -
1200 ق.م) موجات من الهجرات العربية الكبيرة، نتيجة القحط الذي حل في الجزيرة...
وهي هجرات مألوفة قديماً في تاريخ الشعوب.
ولكن اختلف حول مصدرها الأصلي؛ أهي
من جنوبي الجزيرة العربية أو شرقيها (الخليج العربي)، أو غربي الجزيرة المتاخم
للبحر الأحمر...
وقد استوطنت تلك الموجات بلاد ما بين النهرين (العراق)، وبلاد
الشام.
ومن تلك الموجات الهجرة الآمورية/ الكنعانية، والتي اختلف أيضاً حول
مصدرها، فبالإضافة إلى المصادر السابقة هناك من يحصر مصدرها بالبحرين، ومصدر آخر
يقول إنها هاجرت من بلاد الرافدين...
لكن هناك من يقول إن الكنعانيين كانوا
موجودين في فلسطين منذ آلاف السنين قبل الميلاد، ولا علاقة لهم بتلك الهجرات
الجزيرية، فأريحا أقدم مدينة في التاريخ وعرفت الزراعة وبناء البيوت منذ ثمانية
آلاف سنة قيل الميلاد. كما أن المدن الكنعانية يعود تاريخ بعضها إلى أربعة آلاف سنة
قبل الميلاد (أي قبل المدة التي يحددها المؤرخون بأكثر من ألف وخمسمئة سنة) وكلها
جاءت ضمن التطور الطبيعي للسكان ودون وجود عوامل خارجية مؤثرة!
ولكن سنتابع
البحث بحسب بعض المعطيات المتداولة والتي مصدرها المؤرخون الغربيون، لأن الدراسة
الآثارية النزيهة هي الحاسمة في النهاية، ولكن بما أن معظمها مُصادر الآن، تبقى
أمامنا المناقشة العقلية للمطروح استعمارياً لتهديمه، وبالاستناد إلى ما ثبتت صحته،
بهدف تصحيحه واستعادة ما أغفله المغرضون!
لقد استقر الكنعانيون في سورية
وفلسطين حوالي 2500 ق.م!
وفي الشمال عرفوا باسم الفينيقيين، وفي الجنوب على
الساحل الفلسطيني عرفوا باسم "الفلسطينيين".
وفي الداخل السوري عرفوا باسم
الآموريين، وفي الداخل الجنوبي عرفوا باسم الكنعانيين..
فسكان الساحل تغيرت
تسميتهم، بينما الداخل حافظوا عليها! فكيف حدث ذلك، ولم، وما الهدف منه!؟ أم أن
سكان الساحل هم أصيلون في ساحلهم وليسوا مهاجرين من الجزيرة، في الوقت الذي يمكن
فيه أن يكون سكان الداخل هم الذين هاجروا من الجزيرة؟! ولم العرب تأتيهم التسميات
من الخارج كما يزعم المؤرخون (الفينيقيون، الفلسطينيون)!!
لقد اندمج الوافدون
الكنعانيون إلى فلسطين مع السكان الأصليين بشكل طبيعي، وعبر الزمن توحدت اللهجات
والعادات والتقاليد، وأساليب الثقافة والمفاهيم، والرؤى الدينية... (من خلال جدلية
المجاورة والاحتكاك والتبادل... تأثيراً وتأثراً).
ولم يكن الخلاف ما بين سكان
الساحل (الفلسطينيين) وسكان الداخل، إلا ما تفرضه طبيعة الحياة المختلفة، كما
نلاحظه في عصرنا ما بين بيئة أهل غزة، أو أهل حيفا، وبين أهل صفد أو نابلس.
وكنسبة للكنعانيين عرفت فلسطين الداخلية قديماً بأرض كنعان.. لكن سكان حوض
المتوسط الذين احتكوا مع الكنعانيين البحريين (الفلسطينيين)، عرفوها باسم فلسطين،
لأن الفلسطينيين كفنيقيي الشمال، أهل بحر وصيد ورحلات بحرية وتجارة، وقد انفتحت
أمامهم آفاق أكثر من أهل الداخل.
فسكان حوض المتوسط عرفوا فلسطين من خلال
الكنعانيين/ الفلسطينيين الساحليين. والمصريون عرفوهم من خلال قربهم منهم براً
وبحراً.
وكلمتا فلسطين والفلسطينيين عربيتان كنعانيتان. وليس الفلسطينيون كما
يدعي المؤرخون الصهاينة والمستعمرون الغربيون ومن يأخذ عنهما، بأنهم غرباء جاؤوا من
البحر (كريت/ كفتور..) حوالي عام 1188 ق.م استناداً للتوراة الساقطة علمياً
وتاريخياً وجغرافياً.
ومنهم من يستند إلى السجلات المصرية في عهد رمسيس الثالث
(1198 – 1167 ق.م)، والتي تتحدث عن حربه ضد الشعوب الخمسة التي جاءت من جزر بحر
إيجة (سميت بشعوب البحر) ومن بينها البيلست أو البليست! وقد قضى عليهم رمسيس الثالث
عام 1191 ق.م، ولم يعد لهم وجود إلا قلة اختفت من التاريخ. أما البيلست فهم وحدهم
قد بقوا واستوطنوا ساحل فلسطين وسكنوا في خمس مدن بنوها (غزة وجت وأشقلون وأشدود
وعقرن)!!
ولن نجد جواباً معقولاً حول السؤال: لم أبقى رمسيس البيلست كشعب حياً
وتركه يستقر على الساحل في الوقت الذي أباد فيه الشعوب الأربعة إلا القلة التي فرت!
وفي الوقت نفسه يقولون هؤلاء البيلست هم أنفسهم الفلسطينيون الذين تذكرهم
الأسفار؟
وماذا عن الفلسطينيين الذين ذكرتهم التوراة في عهد إبراهيم حوالي 1850
ق.م، وهم مؤمنون بصحتها المطلقة لأنها إلهية بزعمهم!؟
والمدن المذكورة أليست
مدناً كنعانية، وكانت قبل مجيء البيلست، عامرة بأهلها؟! فكيف تمت عملية الانصهار
والدمج!؟
ولن تجد الجواب أيضاً على كيفية التوثيق بين تواريخ الأسفار (القضاة
وصموئيل.. )، وتواريخ البيلست!
لعل الخزعبلات واضحة، والكذب والتزوير واضحان!!