حقائق نظام الدولة الإسلامية
نظام الدولة الاسلامية نظام فريد، ليس له نظير في نظم الحكم التي عرفتها الحضارات المتعاقبة على مر التاريخ، فالدولة الدينية الكهنوتية التي اقامتها الكنيسة الاوربية في عصورها الوسطى، كانت تحكم بالحق الإلهي، مدعية النيابة عن السماء.. أي ان دولتها عرفت الدين واللاهوت والسماء «وعرفت الحكومة البابوية» النائبة عن السماء، ولا وجود فيها للأمة والشعب وارادة وسلطة المحكومين.
والدولة العلمانية الاوربية، التي ثارت على الدولة الدينية الكهنوتية وحلت محلها، عرفت «الأمة والشعب» وعرفت «الدولة» المختارة بواسطة سلطة الأمة والشعب ولا وجود فيها «لحاكمية السماء والشريعة والدين».
أما نظام الدولة الاسلامية، فهو الوحيد الذي تفرد باجتماع «حاكمية الشريعة الإلهية» و«سلطة الأمة» و«سلطان الدولة» جميعا.. ذلك لأن الأمة ـ في الرؤية الإسلامية ـ مستخلفة لله، سبحانه وتعالى، وملتزمة بالشريعة الإلهية، التي هي بنود عقد وعهد الاستخلاف، وهذه الامة هي مصدر السلطات، في اطار سيادة الشريعة، وهي تختار الدولة وتفوضها وتراقبها وتحاسبها، وفق الشريعة، أي وفق بنود عقد وعهد الاستخلاف، الملزم للأمة والدولة جميعا. فنظام هذه الدولة هو الوحيد الجامع بين «السماء وشريعتها» و«الأمة وسلطتها» و«الدولة وسلطانها».
ولهذه الحقيقة من حقائق نظام الدولة الاسلامية، لم يفض رفض الاسلام الكهانة والسلطة الدينية الى نفي الشريعة الإلهية.. فالاسلام ـ كما يقول الامام محمد عبده: «دين وشرع، لم يدع ما لقيصر لقيصر، بل كان من شأنه ان يحاسب قيصر على ماله، ويأخذ على يده في عمله.. فكان الاسلام كمالا للشخص، وألفة في البيت ونظاما للملك، امتازت به الأمم التي دخلت فيه عن سواها ممن لم يدخل فيه..». فنظامه شامل وحاكم للفرد، وللاجتماعي الاسري، وللاجتماع السياسي ايضا.
فحاكمية الشريعة الإلهية وسيادتها معلم من معالم النظام في الدولة الاسلامية «والدولة» التي تختارها الأمة، وتفوضها في تنفيذ القانون، هي دولة القانون، الخاضع سلطانها لسلطات الأمة.. الطرف الاصلي في الاستخلاف عن الله.. وليس لهذه الدولة سلطة دينية كهنوتية تجعلها ـ بدعوى النيابة عن الله ـ تتحلل من سلطات الأمة في الاختيار والرقابة والحساب. ذلك أن الاسلام، كما يقول الامام محمد عبده، ايضا: «ليس فيه سلطة دينية سوى سلطة الموعظة الحسنة والدعوة الى الخير والتنفير من الشر، وهي سلطة خولها الله لأدنى المسلمين يقرع بها أنف اعلاهم، كما خولها لأعلاهم يتناول بها من ادناهم.. وقلب السلطة الدينية أصل من أجلّ أصول الكلام، ولم يدع الاسلام لأحد، بعد الله ورسوله، سلطانا على عقيدة أحد ولا سيطرة على ايمانه، فليس في الاسلام ما يسمى عند قوم بالسلطة الدينية بوجه من الوجوه. والأمة أو نائب الأمة هو الذي يُنصّب الخليفة، والأمة هي صاحبة الحق في السيطرة عليه، وهي تخلعه متى رأت ذلك من مصلحتها، فهو حاكم مدني من جميع الوجوه، ولا يجوز لصحيح النظر ان يخلط الخليفة عند المسلمين بما يسميه الافرنج «ثيوكراتيك» أي سلطان إلهي..» هكذا تفرد ويتفرد نظام الدولة الاسلامية بين نظم الحكم على مر التاريخ.
المصدر - الشرق الأوسط - محمد عمارة