ديمقراطية سكر زيادة !بقلم: عبد الناصر سلامة
في صمت ودون ضجيج أصدر الكونجرس الأمريكي قرارا اعتمده الرئيس باراك أوباما يعطي للرئيس ولقواته المسلحة الحق في اعتقال أي مواطن
أو غير مواطن يشكل خطرا علي المجتمع, ويتم الاعتقال دون تحديد موعد المحاكمة ويودع في سجن حربي دون السماح له بالاستعانة بمحام للدفاع عنه.
جاء هذا القرار في القسمين1031 و1032 من الميزانية العسكرية الأمريكية التي وصلت هذا العام إلي662 مليار دولار, وبموجب القرار يحق للرئيس الأمريكي إصدار تعليماته لقواته المسلحة للقيام بهذه المهمة في أي مكان بالعالم بل ويمكن تصفية أي شخص أيضا.
وعلي الرغم من أن هذا القرار قد طالته- علي استحياء- انتقادات شخصية وحقوقية داخلية هناك إلا أنه لم يجد اهتماما إعلاميا أمريكيا قدر الاهتمام الواسع من هذا الإعلام تحديدا بقرار من هذا النوع يمكن أن يصدر في موزمبيق مثلا, بل إن أي عاصمة في العالم لم يصدر عن خارجيتها أو إعلامها أي شيء من هذا القبيل علي اعتبار أن بلاد العم سام خارج حدود النقد.. وهذه هي ديمقراطيتهم!.
وما يعنينا هنا هو ديمقراطيتنا نحن, ولأنها سكر زيادة, فقد عبثت علي أراضينا وبطرق مختلفة وكلها غير مشروعة منظمات وأجهزة مخابراتية أمريكية وغير أمريكية منها ما هو معلن وما هو في الخفاء دون رادع وفي غفلة من القانون, كما سمحت هذه الديمقراطية أيضا لحفنة شاردة بمنع الحكومة من العمل داخل مقرها الرسمي وتغاضت أيضا عن جوانتانامو آخر أقامته مجموعة من النشطاء لمناوئيهم فوق سطح مسجد عمر مكرم, في الوقت الذي أفرجت فيه عن متهمين بالتحريض علي الجيش وآخرين ممن حملوا سلاحا لمواجهته, وغيرهم ممن أغلقوا الميادين وسدوا الطرقات تحت دعاوي الديمقراطية والثورية وحرية التعبير.
فعلي الرغم من أن المرحلة كانت تتطلب انطلاقة قوية إلي الأمام إلا أن سخاء توزيع الأموال وشراء الذمم جعل أطفال الشوارع يجدون فيها ضالتهم والشاردين يجدون مبتغاهم والأمريكيين وغيرهم استغلوا الفرصة لإغراء هؤلاء وإغواء هؤلاء, وكانت النتيجة ما نحن فيه الآن من مصاعب ومصائب ربما لم يخفف من وطأتها سوي السير بخطي ثابتة نحو اكتمال العملية الديمقراطية ممثلة في المرحلة الثالثة من الانتخابات التشريعية والتي سوف يعقبها رغم كل محاولات تعويق باقي خطوات الجدول الزمني.
كان المفترض في هذه الآونة تحديدا أن نثبت أننا شعب يستحق الديمقراطية وأن ماعشناه في أزمنة غابرة كان بمثابة سحابة صيف عابرة حتي وإن كانت قد طالت مدة عبورها, إلا أنها يجب أن تكون قد أصقلتنا بما فيه الكفاية حتي نستطيع تحمل المسئولية كاملة دون وصاية من أحد أو فرض إملاءات ممن يفتقدون إليها.
فإذا استفدنا فقط من25 يناير الاستقلال الحقيقي في صناعة القرار والخلاص من وصاية بلاد ما وراء البحار فإننا إذن أمام تطور مهم, أما إذا ظل الاستقواء بالخارج من بعض الغوغاء واستمر التمويل الأجنبي لبعض الانتهازيين وتعاقبت علينا حكومات تستسهل التوسل هنا والاقتراض من هناك فإن شيئا لم يتغير ويصبح حريا بأم الدنيا أن تتعجل الآخرة.
إلا أنه وحتي الخروج من الأزمة الراهنة وحتي استيعاب وسائل إعلامنا هي الأخري لهذا الذي يحاك بنا بعيدا عن مصالحها الخاصة الداخلية والخارجية فإننا سنظل نتطلع إلي فرعون رشيد لا ترهبه تجمعات أفاقين ولا تزعجه تهديدات انتهازيين, يضع صالح الوطن والمواطن فوق كل اعتبار بعيدا عن الطبطبة والدلع, وبمنأي عن التدخلات الخارجية والأهواء الداخلية.. وكفانا سكر زيادة!.
المصدر
جريدة الأهرام