موقف الصوفية من العبادة والدين
أساتذتي الأعزاء
هذا الموضوع هام جدا وخاصة في هذه الأيام والتي هي أيام فتن ، فأدعوا الله سبحانه وتعالى أن يثبتنا على دينه وأن يهدينا إلى صراطه المستقيم .. وإليكم الموضوع :
للصوفية ـ خصوصا ـ المتأخرين منهم منهج في الدين والعبادة يخالف منهج السلف ، ويبفعد كثيرا عن الكتاب والسنة . فهم قد بنوا دينهم وعبادتهم على رسوم ورموز واصطلاحات اخترعوها ، وهي تتلخص فيما يلي :
1 ـ قصرهم العبادة على المحبة ، فهم يبنون عبادتهم لله على جانب المحبة ، ويهملون الجوانب الأخرى ، كجانب الخوف والرجاء ، كما قال بعضهم : أنا لا أعبد الله طمعا في جنته ولا خوفا من ناره ـ ولا شك أن محبة الله ـ تعالى ـ هي الأساس الذي تبنى عليه العبادة . ولكن العبادة ليست مقصورة على المحبة كما يزعمون ، بل لها جوانب وأنواع كثيرة غير المحبة كالخوف والرجاء والذل والخضوع والدعاء إلى غير ذلك ، فهي كما قال شيخ الاسلام ابن تيمية .. (*( اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة )*) ..
ولهذا يقول بعض السلف : من عبد الله بالحب وحده هو زنديق ، ومن عبده بالرجاء وحده هو مرجئ ، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري ، ومن عبده بالحب والخوف والرداء فهو موحد . وقد وصف الله رسله وأنبياءه ، بأنهم يدعون ربهم خوفا وطمعا ، وأنهم يرجون رحمته ويخافون عذابه ، وأنهم يدعونه رغبا ورهبا . قال شيخ الاسلام ابن تيمية ـ يرحمه الله ـ : (*( ولهذا قد وجد في نوع من المتأخرين من انبسط في دعوى المحبة حتى أخرجه ذلك إلى نوع من الرعونة والدعوى التي تنافي العبودية )*) .. وقال أيضا : (*( وكثير من السالكين سلكوا في دعوى حب الله أنواعا من الجهل بالدين ، إما من تعدى حدود الله ، وإما من تضييع حقوق الله . وإما من إدعاء الدعاوى الباطلة التي لا حقيقة لها . (5) .. )*) ، وقال أيضا : (*( والذين توسعوا من الشيوخ في سماع القصائد المتضمنة للحب والشوق واللوم والعذل والغرام كان هذا أصل مقصدهم ، ولهذا أنزل الله اية المحبة محنة يمتحن بها المحب ، فقال : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ} .. ( ال عمران ) ، الأية : ' 31 ' . فلا يكون محبا لله إلا من يتبع رسوله ، وطاعة الرسول ومتابعته لا تكون إلا بتحقيق العبودية ، وكثير
ممن يدعي المحبة يخرج عن شريعته وسنته ، " صلى الله عليه وسلم " ، ويدعي من الخيالات ما لا يتسع هذا الموضوع لذكره ، حتى يظن أحدهم سقوط الأمر ـ وتحليل الحرام له )*) .. ، وقال أيضا : (*( وكثير من الضالين الذين اتبعوا أشياء مبتدعة من الزهد والعبادة على غير علم ولا نور من الكتاب والسنة وقعوا فيما وقع فيه النصارى من دعوى المحبة لله مع مخالفة شريعته وترك المجاهدة في سبيله ونحو ذلك . انتهى .
فتبين بذلك أن الاقتصار على جانب المحبة لا يسمى عبادة بل قد يؤول بصاحبه إلى الضلال بالخروج عن الدين
2 ــ الصوفية في الغالب لا يرجعون في دينهمة وعبادتهم إلى الكتاب والسنة والاقتداء بالنبي ، " صلى الله عليه وسلم " ، وإنما يرجعون إلى أذواقهم وما يرسمه لهم شيوخهم من الطرق المبتدعة ، والأ ذ كار والأوراد المبتدعة ، وربما يستدلون بالحكايات والمنامات والأحاديث الموضوعة لتصحيح ما هم عليه ، بدلا من الاستدلال بالكتاب والسنة ، هذا ما ينبغي عليه دين الصوفية . ومن المعلوم أن العبادة لا تكون عبادة صحيحة إلا إذا كانت مبنية على ما جاء في الكتاب والسنة . قال شيخ الاسلام ابن تيمية ويتمسكون ( يعني الصوفية ) في الدين الذي يتقربون به إلى ربهم بنحو ما تمسك به النصارى من الكلام المتشابه والحكايات التي لا يعرف صدق قائلها ، ولو صدق لم يكن معصوما ، فيجعلون متبوعهم وشيوخهم شارعين لهم دينا ، كما جعل النصارى قسيسيهم ورهبانهم شارعين لهم دينا ... انتهى .
ولما كان هذا مصدرهم الذي يرجعون إليه في دينهم وعبادتهم ، وقد تركوا الرجوع إلى الكتاب والسنة صاروا أحزابا متفرقين . كما قال ـ تعالى ـ : { وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } .. ( الأنعام ) ، الأية : ' 153 ' . فصراط الله واحد ، لا انقسام فيه ولا اختلاف عليه ، وما عداه فهو سبل متفرقة تتفرق بمن سلكها ، وتبعده عن صراط الله المستقيم ، وهذا ينطبق على فرق الصوفية فإن كل فرقة لها طريقة ، خاصة تختلف عن طريقة الفرقة الأخرى . ولكل فرقة شيخ يسمونه شيخ الطريقة يرسم لها منهاجا يختلف عن منهاج الفرق الأخرى ، ويبتعد بهم عن الصراط المستقيم . وهذا الشيخ الذي يسمونه شيخ الطريقة يكون له مطلق التصرف وهم ينفذون ما يقول ولا يعترضون عليه بشيء . حتى قالوا : المريد مع شيخه يكون كالميت مع غاسله وقد يدعي بعض هؤلاء الشيوخ أنه يتلقى من الله مباشرةما يأمربه مريدية وأتباعه .
3 ــ من دين الصوفية التزام أذكار وأوراد يضعها لهم شيوخهم فيتقيدون بها ، ويتعبدون بتلاوتها ، وربما فضلوا تلاوتها على تلاوة القران الكريم ، ويسمونها ذكر الخاصة . زأما الذكر الوارد في الكتاب والسنة فيسمونه ذكر العامة . فقول لا إله إلا الله . عندهم هو ذكر العامة ، وأما ذكر الخاصة : فهو الاسم المفرد :: الله :: وذكر خاصة الخاصة :: هو :: قال شيخ الاسلام ابن تيمية : ومن زعم أن هذا الدين ، أي قول لا إله إلا الله ذكر العامة وأن ذكر الخاصة ـ هو الاسم المفرد ـ وذكر خاصة الخاصة :: هو :: أي الاسم المضمر
فهو ضال مضل . واحتجاج بعضهم على ذلك بقوله ـ تعالى ـ { قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ } .. ( الأنعام ) ، الأية : ' 91 ' من بين أبين غلط هؤلاء ، بل من تحريفهم للكلم عن مواضعه ، فإن الاسم :: الله :: مذكور في الأمر بجواب
الاستفهام في الأية قبله ، وهو قوله ـ تعالى ـ : { من أنزل الكتب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس } إلى قوله ـ تعالى ـ { قل الله } أي الله هو الذي أنزل الكتاب الذي جاء به موسى . فالاسم :: الله :: مبتدأ خبره دل عليه الاستفهام ، كما فينظائر ذلك . نقول . من جارك ؟ فيقول : زيد . وأما الاسم المفرد مظهرا ومضمرا فليس بكلام تام ، ولا جملة مفيدة ، ولا يتعلق به إيمان ولا كفر ولا أمر ولا نهي ، ولم يذكر ذلك رسول الله ، " صلى الله عليه وسلم " ، ولا يعطي القلب نفسه معرفة مفيدة ، ولا حالا نافعا ، وإنما يعطيه تصورا مطلقا لا يحكم فيه بنفي ولا إثبات . إلى أن قال : وقد وقع بعض من واظب على هذا الذكر بالاسم المفرد وبـ ـ :: هو :: في فنون من الاتحاد ، وما يذكر عن بعض الشيوخ في أنه قال : أخاف أن أموت بين النفي والاثبات ، حال لا يقتدي فيها بصاحبها ، فإن في ذلك من الغلط ما لا خفاء به ، إذ لو مات العبد في هذه الحال لم يمت إلا على ما قصده ونواه ، إذ الأعمال بالنيات ، وقد ثبت أن النبي ، " صلى الله عليه وسلم "، أمر بتلقين الميت لا إله إلا الله . وقال : (( من كان أخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة )) ولو كان ما ذكره محظورا لم يلقن الميت كلمة يخاف أن يموت في أثنائها موتا غير محمود . بل كان ما اختاره من ذكر الاسم المفرد ، والذكر بالاسم المضمر أبعد عن السنة ، وأدخل في البدعة ، وأقرب إلى إضلال الشيطان ، فإن من قال :: ياهوياهو:: ، أو :: هو :: ، ونحو ذلك لم يكن الضمير عائدا إلا إلى ما يصوره قلبه ، والقلب قد يهتدي وقد يضل ـ وقد صنف صاحب الفصوص (6) .. كتابا سماه كتاب : " الهو " وزعم بعضهم أن قوله ـ تعالى ـ : { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ } .. ( ال عمران ) ، الأية : ' 7 ' . معناه : وما يعلم تأويل هذا الاسم الذي هو الهو ، وهذا مما اتفق المسلمون بل العقلاء على أنه من أبين الباطل . فقد يظن هذا من يظنه من هؤلاء . حتى قلت لبعض من قال شيئا من ذلك لو كان هذا كما قلته لكتبت الأية وما يعلم تأويل هو منفصلة (7) .. ، أي كتبت :: هو :: منفصلة عن : تأويل ...
4 ــ غلو المتصوفة في الأولياء والشيوخ خلاف عقيدة أهل السنة والجماعة . فإن عقيدة أهل السنة والجماعة موالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه ـ قال ـ تعالى ـ : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } .. ( المائدة ) ، الأية : ' 55 ' . وقال ـ تعالى ـ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء } .. ( الممتحنة ) ، الأية : ' 1 ' . وأولياءالله هم المؤمنون
المتقون الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ، ويجب علينا محبتهم والاقتداء بهم واحترامهم ـ وليست الولاية وقفا على أشخاص معينين . فكل مؤمن تقي فهو ولي لله ـ عز وجل ـ ، وليس معصوما من الخطأ ، هذا معنى الولاية والأولياء ، وما يجب في حقهم عند أهل السنة والجماعة ـ أما الأولياء عند الصوفية فلهم اعتبارات ومواصفات أخرى ، فهم يمنحون الولاية لأشخاص معينين من غير دليل من الشارع على ولايتهم ، وربما منحو الولاية لمن لم يعرف بإيمان ولا تقوى ، بل قد يعرف بضد ذلك من الشعوذة والسحر واستحلال المحرمات ، وربما فضلوا من يدعون لهم الولاية
على الأنبياء ، صلوات الله عليهم وسلامه عليهم ، كما يقول أحدهم :
مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي
ويقولون : إن الأولياء يأحذون من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إلى الرسول ، ويدعون لهم العصمة . قال شيخ الاسلام ابن تيمية ـ يرحمه الله ـ وكثير من الناس يغلط في هذا الموضع فيظن في شخص أنه ولي الله ، ويظن أن ولي الله يقبل منه كل ما يقوله ، ويسلم إلبه كل ما يقوله . ويسلم إليه كل ما يفعله ، وإن خالف الكتاب والسنة . فيوافق ذلك الشخص . ويخالف ما بعث الله به الرسول الذي فرض الله على جميع الحلق تصديقه فيما أخبر وطاعفه فيما أمر . إلى أن قال وهؤلاء مشابهون للنصارى الذين قال الله فيهم : ـ { اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } .. ( التوبة ) ، الأية : ' 31 ' . وفي المسند وصححه الترمذي عن عدي بن حاتم في تفسير هذه الأية ، لما سأل النبي ، " صلى الله عليه وسلم " ، عنها ، فقال : ما عبدوهم ، فقال النبي ، " صلى الله عليه وسلم " ، أحلوا لهم الحرام ، وحرموا عليهم الحلال ، فأطاعوهم . وكانت هذه ، عبادتهم إيلهم ، إلى أن قال : وتجد كثيرا من هؤلاء : في اعتقاد كونه وليا لله ، أنه قد صدر عنه مكاشفة في بعض الأمور أو بعض التصرفات الخارقة للعادة ، مثل أن يشير إلى شخص فيموت أو يطير في الهواء إلى مكة أو غيرها ، أو يمشي على الماء أحيانا أو يملأ إبريقا من الهواء ، أو أن بعض الناس استغاث به وهو غائب أو ميت فراه قد جاءه فقضى حاجته ، أو يخبر الناس بما سرق لهم أو بحال غائب لهم أو مريض أو نحو ذلك . وليس في هذه الأمور ما يدل على أن صاحبها ولي لله . بل قد اتفق أولياء الله على أن الرجل لو طار في الهواء أو مشى على الماء لم يغتر به حتى ينظر متابعته للرسول ، " صلى الله عليه وسلم " ، وموافقته لأمره ونهيه . وكرامات أولياء الله أعظم من هذه الأمور . وهذه الأمور الخارقة للعادة ، وإن كان قد يكون صاحبها وليا لله ، فقد يكون عدوا لله ، فإن هذه الخوارق تكون لكثير من الكفار والمشركين وأهل الكتاب والمنافقين ، وتكون لأهل البدع ، وتكون من الشياطين ، فلا يجوز أن يظن أن كل من كان له شيء من هذه الأمور أنه ولي لله . بل يعتبرأولياء الله بصفاتهم وأفعالهم وأحوالهم التي دل عليها الكتاب والسنة ، ويعرفون بنور الايمان والقران ، وبحقائق الايمان الباطلة ،
وشرائع الاسلام الظاهرة . مثال ذلك أن هذه الأمور المذكورة وأمثالها قد توجد في أشخاص ويكون أحدهم لا يتوضأ ولا يصلي الصلوات المكتوبة ، بل يكون ملابسا للنجاسات معاشرا للكلاب ، يأوي إلى الحمامات والقمامين والمقابر والزابل ، رائحته خبيثة لا يتطهر الطهارة الشرعية ولا يتنظف . إلى أن قال : فإذا كان الشخص مباشرا للنجاسات والخبائث التي يحبها الشيطان ، أو يأوي إلى الحمامات والحشوش التي تحضرها الشياطين ، أو يأكل الحيات والعقارب والزنابير واذان الكلاب التي هي خبائث وفواسق أو يشرب البول ونحوه من النجاسات التي يحبها الشيطان ، أو يدعو غير الله فيستغيث بالمخلوقات ويتوجه إليها أو يسجد إلى ناحية شيخه ، ولا يخلص الدين لرب العالمين ، أو يلابس الكلاب أو النيران أو يأوي إلى المزابل والمواضع النجسة أو يأوي إلى المقابر ولا سيما إلى مقابر الكفار من اليهود والنصارى والمشركين ، أو يكره سماع القران وينفر عنه ، ويقدم عليه سماع الأغاني والأشعار ، ويؤثر سماع مزامير الشيطان على سماع كلام الرحمن ، فهذه علامات أولياء الشيطان لا علامات أولياء الرحمن (
... انتهى .
ولم يقف الصوفية عند هذا الحد من منح الولاية لأمثال هؤلاء بل غلوا فيهم حتى جعلوا فيهم شيئا من صفات وتقربوا إليهم بأنواع النذور، وهتفوا بأسمائهم في طلباتهم ، هذا منهج الصوفية في الولاية والأولياء .
5 ــ من دين الصوفية الباطل تقربهم إلى الله بالغناء والرقص ، وضرب الدفوف والتصفيق . ويعتبرون هذا عبادة لله . قال الدكتور // صابر طعيمة \\ في كتابه : " الصوفية معتقدا ومسلكا " : أصبح الرقص الصوفي الحديث عند معظم الطرق الصوفية في مناسبات الاحتفال بموالد بعض كبارهم أن يجتمع الأتباع لسماع النوتة الموسيقية التي يكون صوتها أحيانا أكثر من مائتي عازف من الرجال والنساء ، ومبار الأتباع يجلسون في هذه المناسبات يتناولون ألوانا من شرب الدخان ، وكبار أئمة القوم وأتباعهم يقومون بمدارسة بعض الخرافات التي تنسب لمقبوريهم ، وقد انتهى إلى علمنا من المطالعات أن الأداء الموسيقي لبعض الطرق الصوفية الحديثة مستمد مما يسمى .. (*( كورال صلوات الآحاد المسيحية )*) .. وقال شيخ الاسلام ابن تيمية : مبينا وقت حدوث هذا . موقف الأئمة منه ومن الذي أحدثه ... اعلم أنه لم يكن في عنفوان القرون الثلاثة المفضلة ، لا بالحجاز ولا بالشام ، ولا باليمن ، ولا مصر ، ولا المغرب ولا العراق ولا خراسان من أهل الدين والصلاح والزهد والعبادة من يجتمع على مثل سماع المكاء والتصدية ، وبدف ولا بكف ، ولا بقضيب وإنما أحدث هذا بعد ذلك في أواخر المائة الثانية . فلما راه الأئمة أنكروه فقال : الشافعي رضي الله عنه : خلفت ببغداد شيئا أحدثته الزنادقة يسمونه " التغبير " يصدون به الناس عن القران ، وقال يزيد بن هارون : ما يغبر إلا فاسق ، ومتى كان التغبير ؟ ... وسئل الامام أحمد فقال : أكرهه هو حمدث ، قيل : أتجلس معهم ، قال ، لا . وكذلك سائر أئمة الدين كرهوه ، وأكابر الشيوخ الصالحين لم يحضروه ، فلم يحضره إبراهيم بن أدهم ولا الفضيل بن عياض ، ولا
معروف الكرخي ، ولا أبو سليمان الدارني ، ولا أحمد بن أبي الحواري ، والسري السقطي وأمثالهم والذين حضروه من الشيوخ المحمودين تركوه في اخر أمرهم ، وأعيان المشايخ عابوا أهله ، كما فعل ذلك عبد القادر والشيخ أبو البيان ، وغيرهما من المشايخ ، وما ذكره الشافعي ـ يرحمه الله ـ من أنه من إحداث الزنادقة ، كلام إمام خبير بأصول الاسلام ، فإن هذا السماع لم يرغب فيه ويدع إليه في الأصل إلا من هو متهم بالزندقة ، كابن الراوندي والفارابي وابن سينا وأمثالهم إلى أن قال : وأما الحنفاء أهل ملة إبراهيم الخليل ، الذي جعله الله إماما ، وأهل دين الاسلام الذي لا يقبل الله من أحد دينا غيره ، المتبعون لشريعة خاتم الرسل محمد ، " صلى الله عليه وسلم " ، فليس فيهم من يرغب في ذلك ولا يدعو إليه ، وهؤلاء هم أهل القران والايمان والهدى والسعد والرشاد والنور والفلاح وأهل المعرفة والعلم واليقين والاخلاص لله والمحبة له والتوكل عليه والخشية له والانابة إليه . إلى أن قال : ومن كان له خبرة بحقائق الدين وأحوال القلوب ومعارفها وأذواقها ومواجيدها عرف أن سماع المكاء والتصدية لا يجلب للقلوب منفعة ولا مصلحة : إلا وفي ضمن ذلك من الضرر والمفسدة ما هو أعظم منه فهو للروح كالخمر ، للجسد ولهذا يورث أصحابه سكرا أعظم من سكر الخمر فيجدون لذة بلا تمييز ، كما يجد شارب الخمر بل يحصل لهم أكثر وأكبر مما يحصل لشارب الخمر ، ويصدهم ذلك عن ذكر اله وعن الصلاة أعظم مما يصدهم الخمر ويوقع بينهم العداوة والبغضاء أعظم من الخمر . وقال أيضا : وأما الرقص فلم يأمر الله به ولا رسوله ، ولا أحد من الأئمة ، بل قد قال الله في كتابه : { وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ} .. ( لقمان ) ، الأية : ' 19 ' . وقال في كتابه : { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً } .. ( الفرقان ) ، الأية : ' 63 ' . أي بسكينة ووقار ، وإنما عبادة المسلمين الركوع والسجود . بل الدف والرقص لم يأمر الله به ولا رسوله ، ولا أحد من سلف الأمة ، قال : وأما قول القائل هذه سبكة يصاد بها العوام فقد صدق فإن أكثرهم إنما يتخذون ذلك شبكة لأجل الطعام والتوانس على الطعام ، كما قال الله ـ تعالى ـ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ } .. ( التوبة ) ، الأية : ' 34 ' . ومن فعل هذا فهو من أئمة الضلال الذين قيل في رؤوسهم : { رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا. رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً } .. ( الأحزاب ) ، الأيتان : ' 67 ، 68 ' . وأما الصادقون منهم يتخذونه شبكة ، لكن هي شبكة مخرقة ، يخرج منها الصيد إذا دخل فيها ، كما هو الواقع كثيرا ، فإن الذين دخلوا في السماع المبتدع في الطريق ولم يكن معهم أصل شرعي شرعه الله ورسوله ، أورثهم أحوالا فاسدة .. انتهى .كلامه (9) .. فهؤلاء الصوفية الذين يتقربون إلى الله بالغناء والرقص يصدق عليهم قول الله ـ تعالى ـ : { الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً} .. ( الأعراف ) ، الأية : ' 51 ' .
6 ــ ومن دين الصوفية الباطل ما يسمونه بالأحوال التي تنتهي بصاحبها إلى الخروج عن التكاليف الشرعية نتيجة لتطور التصوف ، فقد كان أصل التصوف ، كما ذكره ابن الجوزي : رياضة النفس ، ومجاهدة الطبع ، برده عن الأخلاق الرذيلة ، وحمله على الأخلاق الجميلة ، من الزهد والحلم والصبر ، والاخلاص والصدق . قال وعلى هذا كان أوائل القوم ، فلبس إبليس عليهم في أشياء ، ثم لبس على من بعدهم من تابعيهم ، فكلما مضى قرن زاد طمعه في القرن الثاني ، فزاد تلبسه عليهم إلى أن تمكن من المتأخرين غاية التمكن ، وكان أصل تلبيسه عليهم أن صدهم عن العلم وأراهم أن المقصود العمل ، فلما أطفأ مصباح العلم عندهم تخبطوا في الظلمات ، فمنهم من أراه أن المقصود من ذلك ترك الدنيا في الجملة ، فرفضوا ما يصلح أبدانهم ، وشبهوا المال بالعقارب. ونسوا أنه خلق للمصالح وبالغوا في الحمل على النفوس حتى إنه كان فيهم من لا يضطجع ، وهؤلاء كانت مقاصدهم حسنة غير أنهم على غير الجادة ، وفيهم من كان لقلة علمه يعمل بما يقع إليه من الأحاديث الموضوعة وهو لا يدري ، ثم جاء أقوام فتكلموا لهم في الجوع والفقر والوساوس والخطرات وصنفوا في ذلك ، مثل الحارث المحاسبي ، وجاء اخرون فهذبوا مذهب الصوفية وأفراده بصفات ميزوة بها من الاختصاص بالمرقعة والسماع والوجد والرقص والتصفيق . ثم مازال الأمر ينمى ، والأشباح يضعون لهم أوضاعا ويتكلمون بمواقعاتهم ـ وبعدوا عن العلماء ورأوا ما هم فيه أو في العلوم حتى سموه العلم الباطن ، وجعلوا علم الشريعة العلم الظاهر ، ومنهم من خرج به الجوع إلى الخيالات الفاسدة فادعى عشق الحق والهيمان فيه . فكأنهم تخايلوا شخصا مستحسن الصورة فهاموا به . وهؤلاء بين الكفر والبدعة ، ثم تشعبت بأقوام منهم الطرق ففسدت عقائدهم . فمن هؤلاء من قال بالحلول ، ومنهم من قال بالاتحاد ، وما زال إبليس يخبطهم بفنون البدع حتى جعلوا لأنفسهم سننا .. انتهى (10) .. وسئل شيخ الاسلام ابن تيمية عن قوم داموا على الرياضة مرة فرأوا أنهم قد تجوهروا ، فقالو لا نبالي الآن ما علمنا ، وإنما الأوامر والنواهي رسوم العوام ، ولو تجوهروا لسقطت عنهم ، وحاصل النبوة يرجع إلى الحكمة والمصلحة ، والمراد منها ضبط العوام ، ولسنا نحن من العوام ، فندخل في حجر التكليف لأنا قد تجوهرنا وعرفنا الحكمة فأجاب : لا ريب عند أهل العلم والايمان أن هذا القول من أعظم الكفر وأغلطه ، وهو شر من قول اليهود والنصارى . فإن اليهودي والنصراني امن ببعض الكتاب وكفر ببعض . وأولئك هم الكافرون حقا ، كما أنهم يقرون أن لله أمرا ونهيا ، ووعدا ووعيدا ، وأن ذلك متناول لهم إلى حين الموت ، هذا إن كانوا متمسكين باليهودية والنصرانية المبدلة المنسوخة ، وأما إن كانوا من منافقي أهل ملتهم كما هو الغالب على متكلميهم ومتفلسفتهم كانوا شرا من منافقي هذه الأمة ، حيث كانوا مظهرين للكفر ومبطنين للنفاق فهم شر ممن يظهر إيمانا ويبطن نفاقا . والمقصود أن المتمسكين بجملة منسوخة فيها تبديل خير من هؤلاء الذين يزعمون سقوط الأمر والنهي عنهم بالكلية ، فإن هؤلاء خارجون في هذه الحال من جميع الكتب والشرائع والملل ، لا يلتزمون لله أمرا ولا نهيا بحال ، بل هؤلاء شر من المشركين المتمسكين ببقايا من
الملل كمشركي العرب الذين كانوا متمسكين ببقايا من دين إبراهيم ، عليه السلام ، فإن أولئك معهم نوع من الحق يلتزمونه . وإن كانوا مع ذلك مشركين ، وهؤلاء خارجون عن التزام شيء من الحق بحيث يظنون أنهم قد صاروا سدى لا أمر عليهم ولا نهي ـ إلى أن قال : ومن هؤلاء من يحتج بقوله : { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} .. ( الحجر ) ، الأية : ' 99 ' . ويقول معناها : اعبد ربك حتى يحصل لك العلم والمعرفة ، فإذا حصل ذلك سقطت العبادة ، وربما قال بعضهم : اعمل حتى يحصل لك حال ، فإذا حصل لك حال تصوفي سقطت عنك العبادة ، وهؤلاء فيهم من إذا ظن حصول مطلوبة من المعرفة والحال استحل ترك الفرائض وارتكاب المحارم . وهذا كفر كما تقدم إلى أن قال : فأما استدلالهم بقوله ـ تعالى ـ : { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } .. ( الحجر ) ، الأية : ' 99 ' فهي عليهم لا لهم قال الحسن البصري : (*( إن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلا دون الموت )*) : واقرأ قوله : { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } .. ( الحجر ) ، الأية : ' 99 ' وذلك أن اليقين هنا الموت وما بعده باتفاق علماء المسلمين ، وذلك قوله : { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ. قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ } إلى قوله تعالى { وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ. وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ. حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ } .. ( المدثر ) ، الأيات : ' 42 ، 47 ' . فهذا قالوه في جهنم ، وأخبروا أنهم كانوا على ما هم عليه من ترك الصلاة والزكاة والتكذيب بالآخرة ، والخوض مع الخائضين ، حتى أتاهم اليقين . ومعلوم أنهم مع هذا الحال لم يكونوا مؤمنين بذلك في الدنيا ، ولم يكونوا مع الذين قال الله فيهم : { وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } .. ( البقرة ) ، الأية : ' 4 ' . وإنما أراد بذلك أنه أتاهم ما يوعدون وهو اليقين ... انتهى (11) .. فالآية تدل على وجوب العبادة على العبد منذ بلوغه سن التكليف عاقلا : إلى أن يموت . وأنه ليس هناك حال قبل الموت ينتهي عندها التكليف كما تزعمه الصوفية .
ملحوظة : هذا الموضوع منقول من كتاب حقيقة التصوف
وموقف الصوفية من أصول العبادة والدين لفضيلة الشيخ: صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية .