تذكر العم (مرزوق) أحد متقاعدي شركتنا (العالمية) سويعات الأصيل قبل نحو أكثر من سبعين عاماً ، عندما كان يعمل كأجير عند العم (فرج) في جمع الحطب من البادية ، وعلى الرغم من الأجرة القليلة إلا أنها كانت مفعمة بالبركة والنماء ، تعاون الجميع بإخلاص من أجل رفعة العمل ، فحدث أن تشارك العم (فرج) مع مستثمر أجنبي ، فتطور العمل من الاحتطاب فوق الأرض إلى أعماقها ، فتحول للعمل في مناجم الفحم الحجري، فقاسى العم مرزوق وزملاءه الويلات من أجل إستخراج قطع الفحم الحجري، وبنفس الأجر تقريباً...
وفي يوم مشهود ، وأثناء استراحة العمال قرب المنجم ، توجه العم (مرزوق) إلى الخلاء لقضاء حاجته ، وبعد برهة من الزمن سُمع صوته يصيح طالباً النجدة ، فهرع إليه زملاءه ووجدوه يغوص في بقعة من السائل الأسود يصارع الغرق ، فقال أحد العمال : أوفييه يا مريزيق وش ماكل البارحة ، واستخرجوه وهم بحالة من القرف من الريحة ، إلى أن جاء أحد العمال الأجانب والذي صرخ وقال : هذا النفط هذا الذهب الأسود!!!!!
وبعد هذا اليوم المشهود تطور مستوى العم (فرج) وأسس شركة الزيت العربية (فرجكو) ، وانتقل العم (مرزوق) وزملاءه من عمال فحم إلى عمال نفط ، وبنفس الأجرة تقريباً...
تطور العمل في شركة (فرجكو) حتى غدت من أغنى شركات العالم ، ووصلت ميزانياتها إلى مليارات الدولارات ، إلا أن نمط الإدارة السائد في الشركة ، كان النمط البدوي الأصيل ، حيث يحتل شيخ الشركة (فرج) رئاسة مجلس الأدارة ، وأبناءه أعضاء مجلس الإدارة ورؤساء أقسامها بالتزكية ، والذين يديرونها مدى الحياة مالم يباغتهم الموت ، أو يفقدون أهليتهم الأدائية...
وكان المردود المالي للزيت المستخرج من باطن الأرض يمتلكونه ، ويعطون بقية الموظفين نزراً يسيراً على سبيل الأجر أو الصدقة ، وبقي الوضع على ماهو عليه ونسبة الرضا بين الموظفين لا بأس بها...
حتى جاء اليوم الذي مات فيه (فرج) ، وتولى أبناءه رئاسة مجلس الإدارة ، فاختطفهم الموت الواحد تلو الآخر ، حتى جاء أحدهم وأراد أن يضيف دماءً شابة حتى تستمر الشركة ، فلقي معارضة هائلة من قبل أخوانه وأبناءهم الكهول ، فقرر أن يتم إرضاءهم بالمال حتى يحقق هدفه النبيل ، فبدأ مشوار المليارات في المسير على النحو التالي:
1-من أجل إرضاء رئيس قسم الأمن في الشركة تم التعاقد مع شركة أمنية عالمية لتعزيز الإجراءات الأمنية في مقر الشركة وحقول النفط بقيمة 7 مليار ريال ، والنتيجة هي أسلاك شائكة مكسورة الأسنان تحيط بالأسوار ، وكلاب بوليسية تم تجميعها من مكبات القمامة ، وعدد هائل من السيكورتي يصل راتب الواحد منهم إلى 1200ريال سعودي!!
2-من إجل إرضاء رئيس قسم العلاقات العامة ، تم التعاقد مع شركة مقاولات عملاقة ، لإنشاء نادي رياضي لمنسوبي الشركة ، بتكلفة 10 مليار ريال ، وكانت النتيجة ملعب ترابي لكرة القدم ، يمكن تحويله إلى ملعب كرة طائرة بمد حبل في وسطه ، مع عدد لابأس به من مراجيح الأطفال الحديدية ، وإنشاء بوفيه وجبات سريعة!!
3-من أجل إرضاء رئيس قسم النقل والمواصلات ، تم التعاقد مع شركة نقل عالمية ، لتوفير وسائل نقل متطورة ، بتكلفة 12 مليار ريال ، والنتيجة أن الشركة تعاقدت مع سعيد أبو شنب ، لتوفير باصات (خط البلدة) لنقل الموظفين من وإلى الدوام ، وبأجرة السوق!!
4-ومن أجل إرضاء رئيس شؤون التدريب ، تم التعاقد مع الجامعات العالمية لتأهيل موظفي الشركة بالشهادات العليا ، بمبلغ 13 مليار ريال ، وتم إرسال البعثات للخارج ، وتخصيص مبلغ 2000 ريال لكل طالب ، يخصم منه إذا ما لوحظ على الطالب تقصير في تحصيله العلمي ، ويستقطع منه سعر التذكرة في الاجازات الصيفية!!ّ
5-ومن أجل إرضاء مدير شؤون الموظفين الذي أكثر الشكوى في الاجتماعات من كثرة تأخر الموظفين وعدم اهتمامهم بالوقت ، فتقرر إنشاء ساعة عملاقة ، تكون في مقدمة الشركة حتى يراها الموظفون عند بعد ، وتم إرساء المشروع لشركة سويسرية عملاقة بمبلغ 3مليار ريال ، والنتيجة أننا شاهدنا ساعة كبيرة جداً ، إلا أنها كثيرة الأعطال ، والسبب أنها تعمل بحجر بطارية من النوع المتوسط ، وتحتاج إلى تبديل مستمر فكلما رنت الساعة ، فضيت البطارية وهكذا!!!!
ومع هذا كله فإن أجر موظفي الشركة لا زال غير مناسب ، فرفعت الشكاوى لرئيس مجلس الإدارة ، الذي قرّر مشكوراً الأمر بالزيادة في رواتب الموظفين ، وكانت النتيجة أن زادت بواقع خمس هللات من أعلى مرتبة لتصل في آخر سلم الموظفين إلى عشرة ريالات!!!!
والحمد لله الذي أعطانا البلاغة والتشبث بمثل الفقراء (القناعة كنز لا يفنى)
مما راق لي