الشعب يريد التصدي للبلطجة عمت البلطجة معظم شوارع القاهرة الآن, فلا يكاد يمر يوم حتي يسقط فيه ضحايا ومصابون.. ودوي إطلاق الرصاص شمل أرقي الأماكن التي كان من الصعب أن تسمع فيها صدي للصوت. وباتت طلقات الآلي لاتتوقف عن مناطق الدقي والمهندسين والزمالك ومدينة نصر, أما المناطق الشعبية كبولاق أبو العلا وبولاق الدكرور والسيدة زينب والموسكي فلا يمر يوم دون أن يسقط عشرات الضحايا لأن سكانها اعتادوا سقوط الضحايا يوميا, وعلي الرغم من أن رجال الأمن يحاولون السيطرة فإنهم في معظم المشاجرات لايستطيعون فضها تحت طلقات الرصاص التي لاتتوقف بل أن البلطجية يتهجمون علي الشرطة مما دفع رجال الشرطة إلي عدم الاقتراب منهم, الأمر الذي أثار الذعر والرعب في نفوس المواطنين الأبرياء الذين أصبحوا بلا حماية ولسان حالهم يقول كنا نظن أن هذه البلطجة سوف تتوقف بعد عودة الشرطة بكامل طاقتها ولكن الحقيقة أن الشرطة لم تستطع ايقاف هجمات البلطجية, فقد حول البلطجية المشاجرات من بدائية إلي معارك بالأسلحة النارية.. فمن يوقف هذا التحول الخطير في المجتمع؟!.
في الأسبوع المنصرم فقط سقط في القاهرة والجيزة13 قتيلا وأكثر من300 مصاب في مشاجرات بمناطق العتبة والموسكي والسيدة زينب وبولاق أبو العلا وبولاق الدكرور والبدرشين وأوسيم استخدمت خلالها الأسلحة النارية وزجاجات المولوتوف والسنج والمطاوي ولم يتوقف إطلاق الرصاص من أعلي أسطح المنازل والعمارات لمدة ثلاث ساعات متواصلة ورغم ذلك استطاعت الشرطة ضبط بعض المتهمين بينما الأغلبية العظمي هربت وأصبح المواطنون في حالة رعب دائم.. وبات السؤال المحير لماذا تتزايد البلطجة يوما بعد يوم بالشارع المصري ولماذا أصبح إطلاق الرصاص هو اللغة السائدة في جميع المناطق؟!
طرحنا تلك التساؤلات علي خبراء الأمن وعلم الاجتماع ليحددوا لنا أسباب تلك الظاهرة وكيفية الخروج منها فإلي إجاباتهم:
اللواء مجدي البسيوني مساعد وزير الداخلية الأسبق أكد أن ظاهرة البلطجة ليست جديدة علي الشارع المصري ولكنها ازدادت خلال الفترة الماضية بصورة كبيرة وسببها يرجع إلي الضعف الأمني, فعلي الرغم من عودة الشرطة بكامل طاقتها فإن يدها أصبحت مرتشعة ولا تقوم بالمواجهة الحقيقية مع هؤلاء البلطجية الذين تسببوا في ترويع الآمنين بصورة كبيرة في معظم المناطق, كما أن زيادة وانتشار الأسلحة بصورة كبيرة وقلة ثمنها جعلت أعدادا غفيرة من المواطنين يحصلون عليها ويستخدمونها دون رقابة, وعلي الرغم من الحملات الأمنية لضبط هذه الأسلحة والبلطجية فإنهم يفرضون سيطرتهم ويعودون أشد قوة وأشد خطورة, وللأسف الشديد فإن الذين يبلغون عنهم يتعرضون للأذي من قبلهم حتي أن الطرق الرئيسية الآن أصبحت مرتعا للبلطجية.
ويرجع اللواء البسيوني انتشار البلطجة في الشارع في هذه الأيام إلي عدة أسباب, أهمها ضعف القوانين الخاصة بالبلطجة وترويع المواطنين والتي أصبحت غير رادعة للقضاء علي هذه الظاهرة بالإضافة إلي أن توالي قضايا واتهامات ضد كبار المسئولين السابقين والشخصيات العامة واستخدامهم أنصارهم في اشاعة الفوضي بالشارع أحدث نوعا من الانفلات مما دفع المواطن العادي إلي تمني العودة إلي ماقبل الثورة, كما أن النواحي الاقتصادية والمشاكل والأعباء التي يعاني منها المواطنون مثل ضعف الرواتب وزيادة الالتزامات زادت من الضغوط النفسية للمواطنين حتي أصبحوا لا يتحملون بعضهم البعض وأقل مشكلة تتحول إلي مشاجرة بالأسلحة النارية في ظل انتشار السلاح بالشارع عقب الثورة وهروب المساجين من مختلف السجون.
كما أشار مساعد وزير الداخلية الأسبق إلي ثلاثة أنواع من البلطجة, الأول بلطجية للترهيب والاخلال بالنظام والأمن وهؤلاء لايريدون السرقة بل كل همهم هو اشاعة الفوضي في البلاد وهم مدفوعون ومأجورون, أما النوع الثاني فهو بلطجية للأنتقام وهم من البلطجية المسجلين والذين ضبطوا من قبل وكل غايتهم هو الاعتداء علي ضباط الشرطة انتقاما منهم, أما النوع الثالث فهم بلطجية للاستفادة والمنفعة والسرقة.
أما اللواء محمد إبراهيم مساعد وزير الداخلية الأسبق فأكد أن أسباب البلطجة والمشاجرات الموجودة في الشوارع الآن ترجع إلي أن البلطجية يعلمون أن أيادي الشرطة الآن مغلولة نظرا لأن هناك أعدادا كبيرة ممن لهم مصالح خاصة لاترضي عن وجود الشرطة ويريدون أن تعم الفوضي بالشوارع مع انتشار الأسلحة بصورة كبيرة خاصة التي تمت سرقتها من السجون خلال أحداث الثورة وقلة ثمنها أسهمت في حصول العديد من البلطجية عليها, ويشير اللواء محمد إبراهيم إلي أنه لن يتم القضاء علي تلك الظاهرة إلا أن تتمكن الشرطة من إعادة الأسلحة التي سرقت من الأقسام والسجون التي مازالت في أيدي الخارجين عن القانون, والأمر لايتوقف عن البلطجية فقط بل إن حوادث السرقة بالإكراه في الشوارع الرئيسية مازالت منتشرة بصورة كبيرة علي الرغم من وجود ضباط الشرطة في الشوارع فإن وجودهم يكاد يكون للوقوف فقط وليس للتعامل مع تلك الأحداث, كل هذه الأسباب أدت إلي انهيار منظومة الأمن بالكامل وارتفاع نسبة الحوادث بصورة كبيرة وبشكل يومي وسماتها العنف ولن تعود الأمور إلي طبيعتها إلا عندما تكون الشرطة موجودة بالشكل المطلوب والفعال الايجابي وتبدأ في الدفاع الشرعي وحماية المواطنين بالإضافة إلي أن إعادة عدد كبير من المسجلين والهاربين من السجون والأسلحة المسروقة سيسهم في تقليل نسبة الجريمة وإعادة الأمن والأمان في الشارع بصورة كبيرة.
ويستطرد اللواء مجدي البسيوني الذي أشار إلي سبب مهم في انتشار البلطجة وهو وجود أجندات خارجية ودخلاء غير راضين عما حدث من ثورة رائعة كشفت أمورا عديدة وفسادا كبيرا, كنا نعيش فيه طوال السنوات الماضية, فظهرت لهم أياد خفية بالشارع تريد العبث بالبلاد وإشاعة الفوضي وزادت من خلال الأموال التي يحصلون عليها ويفجر اللواء البسيوني مفاجأة علي مسئوليته الخاصة وهي انه إذا زاد الانفلات والبلطجة والمشاجرات بالشارع فلابد من عودة الاعتقالات الجنائية مرة اخري, لانها ستكون السبيل الوحيد لعودة الامن مرة اخري وستساعد في انتعاش الاقتصاد بالإضافة إلي عودة السياحة وزيادة الدخل ودوران عجلة الانتاج الي طبيعتها, مشيرا إلي انه حتي لو كانت الاعتقالات الجنائية في أضيق الحدود, فهذا شئ معترف به في الحالات الاستثنائية وإلا اصبح أمن مصر ومستقبلها في خطر.
ويقول الدكتور عبد الناصر عوض استاذ علم الاجتماع: ان المجتمعات في فترة الثورات تصاب بنوع من الخلل في القيم وهذا الخلل اما ان يؤدي إلي زيادة التمسك بقيم وآداب المجتمع واما ان يؤدي إلي زيادة الانحلال وهذا يتوقف علي سببين: الأول هو زيادة الوعي الديني, والثاني: هو المرحلة العمرية لمستقبلي هذا الحدث.
وبعد الثورة مباشرة سادت حالة من الفوضي العامة والتي سرعان ما هدأت ولكنها كالنار تحت الرماد فقد شعرت قطاعات كبيرة من المجتمع بأن الثورة قد حققت آمالها وقدم الشباب واللجان الشعبية دورا كبيرا في ظل اختفاء الشرطة.
ولكن بمرور الأيام ظهرت بعض القطاعات الشبابية والذين لايملكون الوازع الديني القوي ولديهم رغبة في فرض الرأي بالقوة خاصة مع توافر الاسلحة النارية بشكل مخيف وغياب الشرطة وبعد أن تسرب للمواطنين احساس بأن المجتمع في حالة التفكك وهو ما زاد من حالات البلطجة والاعتداء علي المال العام وان هذه الحالة التي اصابت المجتمع ستحتاج إلي وقت كبير حتي تأتي حكومة قوية ورئيس منتخب ودستور للبلاد.
واشار الدكتور عبد الناصر إلي ان الشرطة تؤدي عملها بالحد الادني من الجهد مثلها مثل كتير من أجهزة الدولة, مشيرا إلي أن القصور في آداء الشرطة يرجع إلي أن بعض رجال الأمن يشعرون أن قيامهم بدورهم وواجبهم في مثل هذه المشاجرات وأعمال البلطجية خوفا من أن يتم معاقبتهم قانونا, كما أن كثيرا من المواطنين بدأوا يتطاولون علي جهاز الشرطة خاصة في ظل انتشار الأسلحة النارية, كما أن العلاقة بين الشرطة والمواطنين علاقة غير جيدة يشوبه رواسب من الماضي وأن الشرطة كانت تتعامل مع المواطنين بتعال وعنف قبل ثورة25 يناير.
وأشار الدكتور عبد الناصر إلي أن منظمات المجتمع المدني لابد أن يكون لها دور في إعادة الثقة بين المواطن ورجال الشرطة بالإضافة إلي أن جهاز الشرطة يحتاج إلي تأهيل نفسي واجتماعي قبل اعادتهم للمجتمع ولابد أن يتخلوا عن الدور السلطوي حتي يتمكنوا من العودة بقوة لتطبيق القانون وليس لعقاب المواطنين ولابد من توفير سيارات الانتشار السريع بشكل كامل للوقاية من أمراض البلطجة قبل وقوعها.