« الشريف » و« عزمي » و« إسماعيل » شركاء في صفقة بنك « نورثرن روك » بـ « لندن »كتب توحيد مجدىفي 29 ديسمبر الماضي التقت "جوديث ماكهال" مديرة قسم العلاقات الخارجية بوزارة الخارجية الأمريكية في سفارتها بالقاهرة مع رئيس الوزراء الأسبق الدكتور أحمد نظيف لتتعرف منه علي ما يحدث في مصر خاصة أن الإدارة الأمريكية قد رصدت يومها تحويلات مالية غير طبيعية بقيمة 2.3 مليار يورو خارج النظام البنكي المصري قام بها كل من صفوت الشريف الأمين العام الأسبق للحزب الوطني المنحل وزكريا عزمي رئيس ديوان رئاسة الجمهورية ورجل الأعمال المصري الهارب ممدوح إسماعيل صاحب عبارة الموت «السلام» لشراء حصة الحكومة البريطانية في بنك "نورثرن روك" المتعثر وذلك طبقا لما جاء بمستند ويكيليكس رقم 37547 القاهرة الذي صنف علي أساس أنه سري للغاية.
في الجلسة السرية كما أشارت وثيقة ويكيليكس التي جاءت تحت عنوان "لقاء ماكهال مع رئيس الوزراء المصري أحمد نظيف بخصوص مشكلة نورثرن بنك الإنجليزي «بدأت ماكهال» تسأل نظيف عن مدي معلوماته عن تلك الصفقة التي تدور بين الثلاثة وما علاقتهم ببعض وتخبره بوضوح أن الإدارة الأمريكية (سي آي ايه) قد رصدت التحويلات غير الشرعية خارج مصر وأن الإدارة الأمريكية قلقة بسبب ما يحدث في مصر من تجاوزات.
«نظيف» في الوثيقة - وكأنه فوجئ بالأمر - طلب منها منحة من وقت حتي يقوم مع الجهات المصرية المختصة علي حد تعبيره في الوثيقة بفحص الموضوع وأكد لها أن مصر تتقدم بقوة في مجال العلاقات الثنائية في مجال التعاون الدولي الاقتصادي إلا أن «ماكهال» عادت لتؤكد خطورة ما يحدث خاصة أن الأموال تحول كما جاء بالوثيقة خارج النظام البنكي المصري.
وانتهي اللقاء بعد أن انتقل «نظيف» لموضوعات أخري في المقابلة منها شكر الولايات المتحدة الأمريكية علي أساس أنها تساعد مصر في مجالات عدة وأهمها مساندة نظام مبارك في الانتخابات البرلمانية الأخيرة وكذلك، لم ينس أن يحكي لها عن التسهيلات التي تمنحها حكومته لإسرائيل التي يسميها الشركاء بالمنطقة ويخبرها أن مصر كانت وستظل شريكا مهماً للولايات المتحدة في الشرق الأوسط ويعد الإدارة الأمريكية بالمزيد من الحريات وترد عليه «ماكهال» بأن إدارة الرئيس أوباما متفائلة وسعيدة بالتحول الديمقراطي في القاهرة وتشكر القاهرة علي دورها في قطاع غزة أو بالتحديد دورها في حصار قطاع غزة، ويخبرها «نظيف» بألا تصدق كل ما يقال من جانب أحزاب المعارضة المصرية التي وصفها بالصاعدة والتي تحتاج وقتاً حتي تنضج وكأنه يناور ويحاور حتي يعرف من أفشي سر أصدقائه ويعلم أي معلومة وحول تسريب خبر التحويلات المالية التي تخص الثلاثة الكبار الذين ظهرت اسماؤهم هكذا في عدد من الصفقات التي وصفتها «ماكهال» بـ«المشبوهة».
ومرت الأيام ومنذ أسبوع واحد يعلن المكتب الإعلامي لوزارة المالية البريطانية أن العرض المقدم من كل من ممدوح إسماعيل وبالنيابة عن صفوت الشريف وزكريا عزمي والذي تقدم فيه إسماعيل بطلب رسمي لشراء حصة الحكومة البريطانية في بنك نورثرن روك قد رفض قبل أن يسلم علي أساس أن مقدم الطلب هارب إلي لندن ومطلوب في قضية العبارة السلام وصادر ضده حكم بالسجن في مصر وتبحث عنه السلطات المصرية مع الإنتربول الدولي حيث لم يتمكن أحد في مصر حتي الآن من إلقاء القبض عليه أو إحضاره للعدالة في مصر.
في أوائل يوليو الماضي تشكك وزير المالية البريطاني "جورج أوزبورن" في موضوع ذلك الطلب المقدم من ممدوح إسماعيل الذي يحمل في ذيله معلومات عن وجود «الشريف» و«عزمي» وهو الطلب المقدم منهم منذ 2010 وبسبب أن بريطانيا كلها حاليا مستاءة من تواجد الهاربين من مصر علي أراضيها ولأنه لديه معلومات أمنية عن مقدم الطلب حيث نعلم لأول مرة أن هناك اتفاقية أمنية بين المخابرات الأمريكية والإنجليزية تحتم علي الجهازين تبادل المعلومات الأمنية التي تخص البلدين ومنها علم الوزير البريطاني القصة كاملة حيث تسبب إسماعيل بمساعدة الآخرين في الهرب من مصر عقب مقتل 1300 مواطن مصري بريء.
«أوزبورن» علم أن القوانين الإنجليزية تقيد تسليم ممدوح لمصر ومع ذلك سعي الوزير المحترم لتحويل الموضوع للسلطات المختصة في لندن وبالتحديد لمكتب (إس إف أو) لمكافحة جرائم غسيل الأموال، وطلب منهم البحث في نقطة واحدة وهي دراسة تلك العلاقة المذكورة في تقارير المخابرات الأمريكية بين الثلاثي المصري حيث أحدهم هارب للندن ويدير لهم حوافظهم سرا بعيدا عن مصر، بينما هما ينكران أمام التحقيقات المصرية وجود أدني صلة بينهم وبالقطع التحقيق في تلك النقطة كفيل بأن يكشف كل الموضوع.
الجدير بالذكر أن مكتب مكافحة جرائم الاحتيال وغسيل الأموال البريطاني (إس إف أو) هو نفس المكتب الذي يعمل منذ ثورة 25 يناير ليل نهار وفي دول عديدة بالعالم للكشف عن الأصول المهربة للنظام المصري البائد حتي إن السلطات المصرية مؤخرا أصبح لديها علاقات رسمية جيدة مع المكتب.
إن «إسماعيل» لم يكن يتوقع أن عرضه ومن ورائه شركاؤه لشراء البنك المنهار بدلا من أن تغلقه الحكومة البريطانية سوف ترفضه لشكها في مصادر تمويله وبدلا من أن يأخذ أوراقه ويذهب للبنك المركزي البريطاني لتسجيل ملكيتهم نجده يحمل أوراقه ليذهب لمحاميه لينقذه حيث فتح علي نفسه دون أن يدري بابا جديدا من التحقيقات التي ربما تنتهي بتسليمه فعلا إلي مصر في حين يسعي من حوله لعمل أي تصرف يمكن إنقاذه خاصة أن اسمه عاد يتردد علي غير هواهم مؤخرا في مصر .
لم يجد المستشار عبد المجيد محمود النائب العام المصري بدا سوي بإعادة فتح قضية العبارة السلام بناء علي العشرات من البلاغات التي قدمت بناء علي تحقيق «روزاليوسف» الذي نشر في 24 يوليو الماضي أثبت وجود علاقة مريبة بين الثلاثة الذين كشفتهم ماكهال مديرة الشئون الخارجية الأمريكية في واقعة البنك الإنجليزي.
ومن هنا تعود قصة ممدوح إسماعيل فيطلب للتحقيق معه في وزارة العدل البريطانية وفي وزارة المالية البريطانية وفي شرطة سكوتلاند يارد التي تحقق أساسا في وقائع أخري لصديقه وشريكه صفوت الشريف في شأن مقتل الفنانة سعاد حسني ورجل الأعمال أشرف مروان وهي التحقيقات التي تجري حاليا في مصر بشكل موازٍ بمعرفة وعلم النائب العام المصري.
أما قضيته «نورثرن روك» فبدأت في 14 سبتمبر 2007 عندما حقق البنك البريطاني العريق خسائر مالية فادحة في أزمة مالية عصفت به وكادت تضيع معها حقوق المودعين الذين كان معظمهم من كبار السن ممن يستثمرون أموال تقاعدهم ومن صغار التجار ولم ينقذ البنك يومها سوي تدخل الحكومة البريطانية التي كان لها من البداية حصة كبيرة في أسهمه التي انهارت بالبورصة البريطانية فقامت الحكومة بالدفع بعدة مليارات سيولة حتي عام 2010 عندما قررت الحكومة بالدفع بآخر سيولة للبنك وقدرها 1.4 مليار استرليني ومعها تقرر بيع حصتها الكبيرة بالبنك وأعلنت أنها تبحث عن مستثمرين أجانب، لإنقاذ البنك الذي عرض مبناه التاريخي للبيع في منطقة ريجينت سنتر نيوكاسل وهي نفس المنطقة التي يسكن فيها ممدوح إسماعيل ما دفعه لتقديم الطلب الذي لم ترد عليها منذ 2010 .
وفي بداية عام 2011 تواجدت هذه المواصفات التي يطلبها البنك الإنجليزي في الثلاثي المصري الذي حول بالفعل 2.5 مليار يورو لشراء الصفقة غير أننا لا ندري كيف حولت تلك الأرصدة لكن مستند ويكيليكس يؤكد أنها حولت بطريق غير شرعي فقد استخدموا كل الإمكانات لتهريب الأموال وخير دليل تلك الآلاف من التحقيقات التي تبحث في أسرار أموال نظام مبارك المهربة.
في الواقع يعد «نورثرن روك» حتي يومنا هذا من بين أكبر 5 بنوك إنجليزية في مجال الرهن العقاري بالاتحاد الأوروبي وربما بسبب سياسة البنك المعروفة بـ(بي بي آي) لحماية أموال المودعين التي تقرها قوانين بريطانيا المالية هي التي أنجت البنك من الأزمة الطاحنة.
وكان السؤال عن السبب الذي سعوا فيه لشراء البنك المتعثر، والإجابة بسيطة: فلأنه بنك عريق والاستحواذ عليه سيحل العديد من المشاكل التي يبحث لها نظام مبارك عن حل في الوقت الذي يطارد العالم كله تلك الأرصدة فقد فكر الثلاثة في أن شراء البنك سيكون الحل الأمثل لكل المشاكل وفي الملف المقدم منه كما أكدت الوثائق قدم ممدوح إسماعيل ضمانات كبيرة علي أساسها سيضمن تحويل عدة مليارات فورية للبنك كاستثمارات سينجح هو في تجنيدها.
من هنا يمكن أن نتأكد أن «إسماعيل» بالفعل يدير حوافظ عدد من رجالات نظام مبارك وإلا ما كانت الإدارة الأمريكية تحدثت عنه في مستند رسمي وعن علاقته بصفوت الشريف وبزكريا عزمي.
أما جورج أوزبورن وزير المالية البريطاني فحقيقة كان هو صاحب فكرة تدويل أصول البنك لحمايته وهو صاحب قرار الدفع بـ1.4 مليار جنيه استرليني سيولة بالبنك العام الماضي وهو أيضا من حدد حصة الشراء بـ2.5 مليار يورو حتي يعوض البنك خسائره ويجعله يحقق مكاسب.