مكاتب الخبرة الأجنبية في مصر ساعدت «مبارك» علي إخفاء أرصدته كتب توحيد مجدى لعبت مكاتب الخبرة والاستشارات الأجنبية في مصر دورا كبيرا في اخفاء أرصدة الرئيس المخلوع حسني مبارك وأسرته حيث قدمت لهم المشورة القانونية والاقتصادية والخبرات البنكية التي ساعدتهم في إيجاد سبل قانونية غير معلومة بالشرق الأوسط لإخفاء أموالهم وأصولهم.
في 5 يونيو 2010 كشفت صحيفة «نيويورك أوبزرفر» الأمريكية عن قيام "طاهر حلمي" العضو الغامض في لجنة السياسات وعضو المجلس الأوروبي المصري والمستشار البنكي الخاص للرئيس المخلوع ونجله جمال رئيس مجلس الأعمال المصري الأمريكي منذ أغسطس 2009 بشراء شقة في منطقة (بيكون كورت) تطل علي حديقة سنترال بارك بمدينة مانهاتن بنيويورك ــ الولايات المتحدة الأمريكية بمبلغ 6.1 مليون دولار أمريكي وقد نقلت بلدية نيويورك ملكيتها من الدكتور "ستيفن فريدل" وزوجته "لوري" لطاهر ثم نجد نفس الخبر منشورا بالتفصيل وبشكل يدعو للشك في مجلة (عالم اليشيفا).
خبر عادي أبرزته الصحيفة بذكاء كأنها أرادت يومها أن تلقي الضوء باستحياء علي معلومة المستشارين السريين للرئيس المخلوع في مصر وحقيقة أدوارهم غير المعلنة حيث لم نسمع أبدا في مصر بأن للمخلوع مستشاراً اسمه "طاهر حلمي".
أما صحيفة "إيه إم لاو دايلي" فقد نشرت في 1 فبراير 2011 تقريرا مطولا عن دور مكاتب الاستشارات القانونية الأجنبية في دول حددتها الصحيفة في بانكوك وتونس ومصر والأردن وذكرت الصحيفة أن تلك الدول التي تشهد أو شهدت ثورات شعبية كانت تهدد بشكل مباشر عمل تلك المكاتب التي بلغ عددها 200 مكتب في مصر عملت لحساب رموز نظام المخلوع ولمبارك نفسه وأن تلك المكاتب كان عملها من السرية التي بلغت حداً لا يمكن تفسيره إلا أنها كانت تلعب دورا من نوع خاص لتقديم الاستشارات المالية والقانونية الشديدة الخطورة للرئيس المخلوع وعائلته ولرموز نظامه.
من هنا يمكن أن نتفهم مثلاً إشارة العديد من الخبراء الذين علموا بوجود تلك المكاتب أو حتي ممن لم يعلموا بدورها أن مسألة استرداد الأموال المنهوبة من مصر مسألة تشوبها المستحيلات حيث حصلت تلك المكاتب علي مئات الملايين من الدولارات وأدت عملها بشكل احترافي كامل أدي بالفعل لجعل البحث عن الأرصدة المهربة عملية شاقة للغاية علي أجهزة الدولة المعنية في مصر حاليا.
تقرير الصحيفة أشار إلي أن اطمئنان مبارك لعدم إمكانية كشف المستور هو ما شجعه في التوقيت المناسب علي اتخاذ قرار عدم الترشح لفترة رئاسية ثانية ومن بعدها عدوله عن الحكم بشكل كامل وتنحيه.
وفي التقرير جاءت الصحيفة بتصريح علي لسان محام يدعي "عبدالعزيز عبدالله الياقوت" ذكر أنه ممثل ومدير إقليمي لمجموعة "دي إل ايه بايبرز" في القاهرة وفيه صرح بأن الاقتصاد في مصر قد تقوض وأنه ترك مصر مسرعا للكويت بعد أن أغلق المكتب في مصر خوفا علي أعماله وخوفا ــ علي حد تعبيره ـ من الفوضي العارمة في القاهرة وكشف أن العاملين بالمكتب سارعوا بترك مصر للحفاظ علي ممتلكاتهم وأسرهم.
دور «ياقوت» غير واضح، فالتقارير في معظمها تفتح النقاط الحساسة ولا تولي كل نقطة حقها من التفسير لكن مجمل الموضوع يشعرك بأن هناك بالفعل دوراً ما لعبته مكاتب الاستشارات القانونية الأجنبية خشوا بعد الثورة من أنه سيورطهم في التحقيقات فخرجوا من مصر وراح كل منهم يتحدث من المكان الذي استقر فيه.
مكتب آخر هو "باكر أند ماك نيزيس" أرسل للصحيفة "بوريس دكوي" متحدثا وممثلا عنه بريداً إليكترونياً رسمياً ذكر فيه أن مكتبهم بالقاهرة كان مرتبطا بشكل مباشر بنظام رموز مبارك وبعد الثورة أغلقوا المكتب الفرعي بالقاهرة وأنهم يعيدون النظر في ترتيب الأولويات وأن لهم 7 شركاء في مصر واثنين من المحامين و31 عضوًا يبحثون عن أمنهم وأن تلك المعلومات قد اتيحت علي موقع الشركة علي شبكة الإنترنت.
وأكد بوريس أن الشركة الأم نصحت شركاءها بالبقاء في منازلهم حتي تتضح الرؤية وتظهر الأمور ليعيدوا التفكير في إعادة افتتاح مكاتبهم في القاهرة.
تلك المكاتب عملت ليل نهار لتقديم المشورة والمساعدات التقنية والفنية لرموز مبارك، حيث أصبح موضوع البحث وراء بياناتهم وأرصدتهم أمراً غير ممكن فبالتأكيد تلك الفروع كانت تعمل بحرفية وتقنيات لا تعرف في مصر أو الشرق الأوسط، وهو ما أدي للمشهد الغريب وكأن الأرصدة المصرية قد تبخرت كما قالت واشنطن بوست ونيوز ويك والأوبزرفر البريطانية في فبراير الماضي.
الصحيفة تعود وتؤكد أنهم بحثوا عن مسئول في "باكر أند ماك نيزيس" ليستعلموا منه عما يحدث في مكاتب الاستشارات الأجنبية بمصر من خوف وهلع كأن الثورة المصرية ستطالهم بالتحقيقات فيصلوا إلي رئيس مجلس إدارة ومدير فرع الشركة في مصر "طاهر حلمي" الشريك صاحب مكتب شركاء حمزة.
وتذكر الصحيفة أنه اختفي عن الأنظار من الجمعة الموافق 28 يناير، وتأكد أنه مؤسس فرعي الشركة في القاهرة والرياض، خاصة أنه شرح العلاقة الوطيدة والقريبة التي كانت بينه وبين النظام المصري حيث كان المستشار الرئيسي لمبارك ونجله المرشح للرئاسة جمال.
ولم تخف الصحيفة في وصفها الرجل أن ذكرت بين قوسين أنه (المفتاح) علي حد وصفها الدقيق، وأنه كان هو المستشار الحقيقي في الكواليس لكل مشاريع جمال للتعديلات الاقتصادية والخصخصة وأنه عمل مستشارًا لمبارك ولجمال منذ عام 1990.
وفي تصريح له للصحيفة أكد طاهر أنهم حققوا تطورا هائلا علي حد تعبيره في إجراء التعديلات للقضاء علي ما اسماه بالبيروقراطية واعترف بأنهم فشلوا في إيجاد حلول للفوارق الاجتماعية الاقتصادية التي حدثت، ولم ينس أن يعلن أنهم اخطئوا في حق الثوار وأن للثوار حقاً فيما خرجوا لأجله.
ويكمل «طاهر» في اعترافه بأن الفارق بين الغني والفقير في مصر أصبح يهدد الأمن القومي المصري وأن طبقة المليارديرات الجديدة قد سيطرت بالفعل علي كل مقادير التجارة والصناعة بالدولة ويكشف عن وجود شركات أخري تعمل في القاهرة لفروع أجنبية تمنح استشارات لوجستية وتمنح الخبرة الخاصة لرجال الأعمال الكبار من النظام ومنهم كما كشف "جوتيليب ستين أند هاميلتون" ويحدد أن تلك الشركة بالذات قد حضرت للقاهرة في عام 2009 لخدمة رجل أعمال ملياردير مصري لا يذكر طاهر اسمه لكنه يشير إلي أنه يملك وحده 21.5 مليار دولار يستثمرها في مجال الدمج بين الاتصالات السلكية واللاسلكية.
تقرير الصحيفة يكشف أيضا عن وجود مكتب استشارات أجنبية آخر يعمل في مصر لتقديم الخبرات والاستشارات غير التقليدية ويدعي "سوليفان كرومويل إم ايه وشركاؤه" وأنهم نجحوا في الوصول إلي شريكهم "فرانك أكيلا" في 13 يناير وأن أكيلا حذر من خطورة الأوضاع في مصر علي المكاتب الأجنبية.
«حلمي» يعود في التقرير ليؤكد أنه لولا الإصلاحات الاقتصادية التي أشار بها علي مبارك وجمال ما كان التقدم ــ علي حد تصريح ــ في مجالات مثل تطور التعليم كما ذكر.
ثم تعود الصحيفة لتأتي بتصريحات من مكتب "دي إل ايه بايبرز" وعلي لسان مديره بالقاهرة «ياقوت» الذي أكد أنه كان دائما علي اتصال بطاقم عمله بالقاهرة وأنهم كانوا يتولون الاستشارات في مجال المضاربة في الأسهم الخاصة والعامة (إم ايه) وفي استثمارات الأسواق العملاقة وذلك منذ 2005 عندما أقاموا شراكتهم مع مكتب (دي إل ايه) "معتوق بسيوني" بالقاهرة.
التقرير يكشف أيضا أن القاهرة كان بها مجموعة من أشرس الخبراء بالعالم في مجال الاستشارات المالية والقانونية ومنها مكاتب شركة (إس إن آر دينتون) والمكتب البريطاني (تاورز آند هاملينز).
ويؤكد التقرير أنهم نجحوا في حث المتحدثة باسم (إس إن آر دينتون) علي التحدث معهم عن تلك الاستشارات اليومية التي كانوا يمنحونها للكبار في مصر منذ عام 1964 عندما فتحوا أول مكتب استشارات أجنبية مالية واقتصادية وقانونية في القاهرة كفرع للشركة البريطانية الأسطورية (دينتون وايلد سابت).
وتشير المتحدثة إلي أن اسمهم قد تغير في عام 2009 عندما اندمجوا مع شركة سونسشاين ناث اند روزينثال) ثم تكشف المتحدثة أن مكتبهم أقيم في عام 1960 لكن القوانين المصرية أجبرت الشركة علي تسجيل نفسها بشكل رسمي في عام 1964 مشيرة إلي أنهم منذ ذلك الوقت يقدمون استشارات اقتصادية ومالية متعددة للكبار غير أنها لا تذكر من هم هؤلاء الكبار.
أما رئيس مجلس إدارة (إس إن آر دينتون) "هيوارد موريس" فقد تحدث قائلا: إن ما يقلقه من الثورة في مصر هو سلامة طاقم العمل لديهم، ويؤكد أنهم من جنسيات أمريكية وبريطانية ومعهم طاقم من المحامين المصريين وأن مدير مكتب القاهرة وشريكهم هو "جي ميخائيل ليسي" لم يتمكنوا من التوصل إليه ليعلن عن رأيه فيما وقع في مصر.
يستمر التقرير غير أن أحدا لا يعطي تفسيرا عن حالة الخوف التي انتابت مكاتب الاستشارات الأجنبية عقب الثورة إلا أن الإجابات واضحة لا تحتاج لتفسير فقد اعتقدوا أن هناك من يعلم بدورهم في الكواليس فخافوا فترك معظمهم مصر وأغلقت المكاتب ومن بقي من العاملين معهم من المحامين الصغار طلبوا منهم البقاء بالمنازل وغلق المكاتب.
مكتب آخر نجده كان عاملا في منح الكبار في نظام مبارك المشورة القانونية والمالية هو (ترويرز آند هاملينز) وقد تأسس في القاهرة عام 1999 علي أيدي "سارة هنتون" التي تحمل الجنسيتين المصرية والبريطانية وهي شريكة في مصر مع مكتب آخر عامل بالقاهرة هو "تيم أرمسبي" ومجال عمله منح الكبار الخبرات المالية والبنكية وهو مجال الخبرة الذي يشتركون في تقديمه جميعا للكبار ومنهم المخلوع وابنه، شريك آخر لـ(ترويرز آند هاملينز) هو "جوناثان أدلنجتون" ويعمل أيضا من القاهرة.
أما المتحدثة باسمهم جميعا فلم توافق علي التعليق علي طبيعة عملهم بالقاهرة ولم تقبل التعليق علي أي استفسارات ولا تنهي الصحيفة معلوماتها عن تلك المكاتب التي قدمت المشورة الفعلية والمباشرة من الناحية البنكية والمالية لكبار رموز نظام مبارك بل لمبارك وجمال إلا بعد أن تحصل علي تصريح أخير من طاهر حلمي مستشار المخلوع وجمال لمدة 20 عاما كانت هي الأخطر علي مصر في فترة حكمهما المتبادل ليؤكد حلمي بقوله: "مهما كانت الفوضي الحاصلة والناتج عنها فإن مصر لا يزال لديها طريق طويل للغاية حتي يمكن أن تصل لما يسمي بالديمقراطية الكاملة.
أما «ياقوت» فيعود ويصرح بأنهم في المكاتب الاستشارية الأجنبية يشاهدون الموقف في مصر ويتساءلون: هل سوف يزيد الثوار من عنفهم تجاه النظام المصري أم لا؟ ويؤكد أن مصر بالنسبة لتلك المكاتب كانت دائما سوقا عملاقة لا يمكن تركها.. ويؤكد أنهم اتفقوا علي العودة لمصر للعمل مع أي نظام جديد يمكن أن تأتي به الأحداث.
أسماء كثيرة عملت في تقديم الاستشارات منها حلمي وحمزة ومحمد طلعت ومحمود غنام وحازم رزق وحاتم سليمان، وكان آخر خبر موثق عنهم في مجلة أكبر 500 البريطانية عدد 2011 حيث حصلوا علي قرض لعميل لهم هو الشركة المصرية للغاز (إي بي جي دي) بملغ 66.5 مليون دولار أمريكي، أما شركة الألبان «جهينة» فقد حصلوا لها علي تعاملات بقيمة 160 مليون دولار أمريكي وفي بنك باركليز بالقاهرة نجدهم مستشارين للكبار بقيمة أعمال 300 مليون دولار أمريكي وهم حضور في معظم صفقات الغاز التي أبرمت في عهد مبارك خاصة تلك التابعة لآبار رأس شقير وفي مجال الاتصالات نجدهم في أعمال شركة إيجيبت تليكوم حتي نوكيا مصر وغيرهم عملوا لحساب حسين سالم وبالأسماء عملوا لحساب الكبار في الحزب الوطني.
مليارات وملايين تتطاير في كل مكان وبهدوء شديد يشبه الهدوء حول اختفاء أرصدة مبارك وجمال وعلاء وسوزان ومن ورائهم معظم الكبار الذين حصلوا علي خدمات خاصة للغاية ومحترفة بشكل يستحيل حاليا معه كشف حقيقة الأموال المصرية المهربة.