فتح ملف عرب 48 من جديدقبل 13 عاما وضع لطفى مشعور (صحفى وإعلامى فلسطينى توفى سنة 2006) شعار «يوم الاستقلال الإسرائيلى هو يوم النكبة بالنسبة إلى الفلسطينيين». وشكلت أحداث ذكرى يوم النكبة هذا العام دليلا جديدا على أهمية هذه الذكرى التى تحولت إلى أساس صلب ليقظة الشعور الوطنى لدى الأقلية العربية فى إسرائيل.
وقد أظهرت اتفاقات أوسلو لعرب إسرائيل التناقض بين هويتهم الإسرائيلية وبين هويتهم العربية ــ الفلسطينية. وكان وراء فتح ملف 1948 من جديد أربعة مبادئ أساسية، هى: المفهوم الجديد لوضع عرب إسرائيل بصفتهم أقلية قومية لها حقوق جماعية، تحول الذكرى التاريخية للنكبة إلى حدث مؤسس لهويتهم القومية، تركيز النضال الشعبى على المطالبة بملكية الأرض، طرح المطالبة بعودة اللاجئين من عرب إسرائيل أو «اللاجئين فى وطنهم» إلى أراضيهم.
وقد تسارعت هذه التوجهات منذ نهاية التسعينيات، وكشفت الاشتباكات العنيفة التى وقعت بين العرب وقوات الشرطة فى أكتوبر 2000 عن هشاشة العلاقات بين اليهود والعرب، وعززت مخاوف اليهود، وزادت من غضب الجانب العربى وإحباطه.
إن عجز الحكومة عن ردم الثغرات القائمة بين العرب واليهود، واستمرار سياسة التمييز والغبن فى حق العرب، عمقا شعور العرب بالإقصاء. كذلك ساهمت عملية «الرصاص المسبوك» فى زيادة مشاعر التضامن التى تربط عرب إسرائيل بإخوانهم فى المناطق (المحتلة)، وأعطى تصاعد قوة الحركة الإسلامية ونضالها من أجل الدفاع عن قدسية الأماكن الإسلامية فى القدس مضمونا جديدا للتضامن مع النضال الفلسطينى. من جهة أخرى، ساهم صعود اليمين فى إسرائيل، ووصول حزب «إسرائيل بيتنا» إلى السلطة، وقيامه بعدد من المبادرات الرامية إلى حرمان العرب فى إسرائيل من حقوقهم، وتزايد مظاهر العنصرية وسط الجمهور اليهودى فى ظهور تيار فكرى يعترض على «نموذج 1948» ويقدم بديلا عنه.
ونشهد فى الفترة الأخيرة رفض فكرة «دولتين لشعبين»، الأمر الذى يعنى رفض يهودية دولة إسرائيل، ويساهم الموقف النقدى إزاء الهوية اليهودية للدولة فى بروز بدائل أخرى تفضلها الأقلية العربية وفى طليعتها فكرة الدولة الثنائية القومية.
تشير هذه التوجهات إلى استمرار تطور المسار التاريخى للوعى الوطنى وسط الفلسطينيين داخل إسرائيل، وتدل على التآكل الذى لحق بمواقف الزعامة العربية تجاه الدولة. لكن على الرغم من ذلك يجب النظر إلى هذه المسائل ضمن سياقها الصحيح، فثمة شك فى أن تكون أغلبية الجمهور العربى فى إسرائيل تؤيد فكرة الدولة الثنائية القومية على الرغم من استعداد هذا الجمهور للتظاهر من أجل تحقيقها.
لم تتغير السياسة الرسمية الإسرائيلية تجاه المواطنين العرب فى إسرائيل والقائمة على تحديد المسموح والممنوع، ولم تعمل الحكومات الإسرائيلية على تقديم بدائل إيجابية تلبى الحاجات المادية للمواطنين العرب من جهة، وتشكل إطارا نظريا لاندماجهم العادل داخل دولة إسرائيل اليهودية من جهة أخرى.
إن استمرار تجاهل البحث عن حلول سريعة من جانب اليهود، ومواصلة التطرف والتآمر ضد أسس الدولة اليهودية من جانب العرب، سيؤديان إلى تدهور داخلى سيدفع ثمنه الطرفان.