وحدى أنام على ترابك
كفنى عينى
بضوء من رحيق الفجر
من سعف النخيل
فلكم ظمئت على ضفافك
رغم أن النيل يجرى
فى ربوعك ألف ميل
ولكم حملت الناى
فى حضن الغروب
ودندنت أوتار قلبى
رغم أن العمر منكسر ذليل
لا تعجبى
إن صار وجه الشمس
خفاشاً بعرض الكون
أو صارت دماء الصبح
أنهاراً تسيل
فزماننا زمن بخيل
لا تسألى القناص عن عينى
ولا قلبى ولا الوجه النحيل
ولتنظرى فى الأفق
إن النهر يبكى
والخيول السمر
عاندها الصهيل
لا تسألينى
عن شباب ضاع منى
واسألى القناص
كيف شدوت أغنية الرحيل ؟
إنى تعلمت الحنان على يديك
وعشت أحمل وردة بيضاء
كالعمر الجميل
الناى أصبح فى الضلوع رصاصة
والوردة البيضاء
فى عينى قتيل
مدى يديك إلى إنى خائف
ولترحمى ضعفى
جنونى
وارحمى الجسد الهزيل
وجهى ينام على ترابك كفنيه
لا تتركيه لنشوة القناص
حين يطارد العصفور فى سفه وتيه
لا تتركى الابن القتيل
يموت موجوعاً بنشوة قاتليه
ولترحمى وجهى
فكم صلى على أعتابك
جناتك الخضراء تلفظه
وينكره ترابك
لا تنكريه فإن هذا الوجه
يحمل لون طينك
حينما كانت خيول المجد
تركض فى رحابك
لا تتركى عينى لشمس الصيف تأكلها
فكم حملت بشائر أمنياتك
ولتسترى جسدى
فكم نبتت على أعشابه الخضراء
أحلى أغنياتك
لا تتركينى فى العراء
أصارع الغربان وحدى
بعدما أكلوا رفاتك
إنى حلمت ككل أطفال المدينة
فى ليالى العيد
وحلمت باللعب الصغيرة والحذاء
وقطعة الحلوى
وبالثوب الجديد
وحلمت يوماً
أن أكون الفارس المغوار
يغرس فى ربوعك
كل أحلام الوليد
زمن سعيد
وطن مجيد
أمل عنيد
لكننى أصبحت فى عينيك
كالطير الشريد
يساقط الزغب الصغير على التراب
جناحى المكسور
ترصده البنادق من بعيد
لم تسألى العصفور
كيف يموت فى فمه الغناء ؟
لم تسألينى كيف أهجر ثدى أمى
ثم تغرقنى الدماء ؟
لم تسألينى
ما الذى جعل العصافير الصغيرة
تكره الأشجار تأوى للعراء ؟
الجوع والحرمان والأمل اللقيط
صقيع أيامى وأحزان الشتاء
فأنا غريب فيك
لا أمل لديك ولا رجاء
الآن صدرك فى عيونى
أضيق الأشياء
الآن وجهك فى عيونى
أصغر الأشياء
الآن قلبك عن عيونى
أبعد الأشياء
حتى الدعاء نسيته
حتى الدعاء
يا أيها القناص
ثمن الرصاصة يشترى خبزاً لنا
وشبابنا قد سال نهراً من دماء بيننا
لم لا يكون سياج أمن حولنا
هذا الوطن ؟
لم لا تكون ثماره ملكاً لنا ؟
لم لا يكون ترابه حقاً لنا ؟
يا أيها القناص أنظر نحونا
سترى بطوناً خاويه
وترى قلوباً داهيه
وترى جراحا داميه
فالأرض ضاقت
ليس لى فيها سند
والناس حولى
لا أرى منهم أحد
حتى الجسد
قد ضاق بى هذا الجسد
لم تسألينى قبل أن أمضى
لماذا غاب ضوء الشمس عن عينى
وأغرقنى ظلامى ؟
لم تسألى جسداً هزيلاً مات جوعاً
كيف تأكلنى عظامى ؟
لم تسألينى
ما الذى جعل الفراشات الجميلة
فى جبين الفجر تبدو كالجراد؟
لم تسألينى
ما الذى جعل الصباح
الأبيض المفتون يكسوه السواد؟
لم تسألينى
كيف تنبت فى بلاد الطهر
أزمنة الفساد؟
لم تسألينى
كيف كان الدماء
يجرى فوق عينى
ثم يقتلنى العطش ؟
لم تسألينى أينا أقسى
وليد ضاق
أم أب بطش ؟
لم تسألينى
ما الذى جعل اليمام يصير ثعباناً
ويشرب من دمك ؟
لم تسألينى
ما الذى جعل الشعاع
الأخضر المنساب
يقتل أنجمك ؟
لم تخبرينى
من إلى سوق النخاسة أسلمك ؟
مازلت كالمجنون فى حزن أسائل :
هذى الحقول الخضر
كيف تكسرت فيها السنابل ؟
هذى العقول الخضر
كيف تفجرت فيها القنابل ؟
إنى أحبك صدقينى
رغم أن الحزن فى قلبى
مليك ظالم
فالسجن بيتى
والأسى سلطانى
كم نمت واليأس العنيد يهزنى
فإذا صحوت أراه فى أجفانى
كم همت فى صمت الشوارع
أسال القطط اللقيطة
عن بقايا الخبز عن عنوانى
كم طفت فوق موائد الطرقات
تلفظنى الشوارع مرة
ويعود يلقينى طريق ثان
لم تسألينى مرة
من ياترى أبكانى ؟
لم تسألينى كيف أصبح
حزن هذا الكون من أحزانى
لم تسألى الوطن الجميل وقد نمت
فى وجهه الأحقاد كيف رمانى ؟
حقى عليه رغيف خبز آمن
وكرامة الإنسان للإنسان
عبثت بنا أيدى الزمان وأظلمت
فينا القلوب وليلها أعمانى
عمر لقيط وارتعاشة عاجز
وأنين بطن وانكسار أمانى
تلك الرؤوس تهيم فى أوكارها
ويصيدنا القناص كالفئران
فأنا شهيدك رغم أنى عاشق
ودمى حرام واسألى سجانى
قد جئت يا أمى
لأطلب ثوب عرسى
من يديك بفرحتى
أعطيتنى أكفانى