قصة الفيلا التي أعادتها 'الهانم' إلي الدولة.. سوزان مبارك تكذب ولا تتجمل
الأسبوع - مصطفي بكري
هل تصدق عزيزي القارئ، أن قرينة السيد رئيس الجمهورية 'السابق' تكذب، وتتلاعب بالوثائق والمستندات، تكتب الأملاك والعقارات بأسماء غير تلك المتعارف عليها، وتدّعي أنها غير متزوجة، وأن
عملها الأساسي هو ربة منزل، كل هذا من أجل ألا يكتشف أحد من 'الناس' أنها اشترت قصر أو مقر 'العروبة' الذي كان الكثيرون يظنون حتي وقت قريب أنه ملك لرياسة الجمهورية وليس لأحد آخر؟!
لقد حاولتُ منذ فترة من الوقت معرفة الحقيقة، مررت علي العديد من مكاتب الشهر العقاري، لكنني فشلت، كانت الاجابة دائمًا واحدة: لا يوجد ما يثبت ملكية سوزان لمقر 'العروبة'، كنت أقول إنني متأكد من المعلومة لكن الرد كان دومًا حاسمًا: لا يوجد شيء يؤكد ذلك.. !!
وبعد الثورة جددت المحاولة، ذهبت إلي مقرات متعددة للشهر العقاري، قلت: ربما أتوصل للمعلومة المدعمة بالوثائق بعد أن انهار النظام، وأن أحدًا لن يخاف سطوتهم بعد أن أسقطهم الشعب، وهكذا وبعد بحث وعناء اتضح أنه لا يوجد دليل واحد أو وثيقة تؤكد أن سوزان مبارك تمتلك شيئًا باسمها في هذه المنطقة. مضيت إلي الشهر العقاري بشمال القاهرة، وجدته قد احترق بعد أن هاجمه البلطجية في أعقاب الثورة، مضيت إلي مكاتب أخري عديدة، وعرفت بعد طول عناء 'أنه تم إخفاء العقد'، وأن السر كله عند زكريا عزمي الذي استدعي ممثلين من الشهر العقاري بمصر الجديدة في عام 2002، ليقوم بنقل ملكية 'مقر العروبة' باسم سوزان.
وبعد جهود عديدة توصلت بالكاد إلي معلومات تشير إلي رقم التسجيل وتاريخه ونشرتها بصحيفة 'الأسبوع' منذ عدة أسابيع، لكنني لم أفقد الأمل في الحصول علي العقد الخاص بالشراء وملحقاته.
أصل الحكاية
هذا المنزل أو الفيلا والذي يحمل رقم 11 ش د. حليم أبوسيف هو في الأصل منزل د. محمد القللي الذي كان معروفًا بأنه شاعر ثورة 1919، وهو في نفس الوقت كان عميدًا لحقوق القاهرة.
لقد قام في الخمسينيات ببناء هذه الفيلا من دورين وبدروم علي مساحة 2000 متر في هذه المنطقة التي تعد من أغلي وأهم مناطق مصر الجديدة، وبعد وفاة د. حليم أبوسيف وزواج أبنائه، كان طبيعيًا أن يستقر كل منهم في منزل خاص، فقيل إنهم قاموا ببيع المنزل في هذا الوقت لإحدي الشركات.
وفي السبعينيات تأسس اتحاد الجمهوريات العربية الذي يضم مصر وليبيا وسوريا، وكان طبيعيًا أن يتم البحث عن مقر لإقامة رئيس الاتحاد في هذا الوقت.
لقد كان مقر الاتحاد يقع في فندق 'هليوبوليس' المواجه لشارع حليم أبوسيف الذي أصبح حاليًا مقر الرئاسة بالاتحادية، ولذلك جري تخصيص فيلا د. حليم أبوسيف مقرًا لإقامة رئيس الاتحاد.
وبعد انهيار اتحاد الجمهوريات العربية المتحدة أصبح منزل حليم أبوسيف مهجورًا من ساكنيه، وهو أمر جذب انتباه الفريق محمد حسني مبارك عندما كان قائدًا للقوات الجوية، وكان يشاهد هذا المنزل كلما فتح زجاج شباك مكتبه المطل علي هذه الفيلا.
وعندما أصدر الرئيس الأسبق أنور السادات قرارًا بتعيين حسني مبارك نائبًا له في منتصف السبعينيات، انتقل مبارك علي الفور إلي المنزل رقم 11 ش د. حليم أبوسيف ليكون قريبًا من قصر الاتحادية وترك منزله بشارع الحجاز بمصر الجديدة.
وقد تولت رئاسة الجمهورية إصلاح المنزل وتطويره في هذا الوقت وصرفت مبالغ طائلة لهذا الغرض وبعد تولي مبارك لرئاسة الجمهورية في أعقاب اغتيال الرئيس الأسبق أنور السادات تم استخدام هذه الفيلا مقرًا لإقامة رئيس الجمهورية، وتولت الرئاسة مسئولية الصرف عليه كاملاً. وفي عام 2002، قررت سوزان مبارك شراء الفيلا وكتابتها باسمها، وكان طبيعيًا أن تطلب من زكريا عزمي أن يأتي لها بمالك العقار، واتضح أن مالك العقار في هذا الوقت هو 'شركة فالي للاستثمار العقاري' وهي شركة مساهمة مصرية ويمثلها السيد/ عبد الرؤوف محمد إسماعيل بصفته رئيس مجلس إدارة الشركة.
كان عبد الرؤوف محمد إسماعيل موجودًا في الولايات المتحدة في هذا الوقت فأرسلت إليه سوزان مبارك بطائرة خاصة لتأتي به إلي القاهرة ليوقع علي عقد بيع الفيلا 'رغم أنفه' ثم يمضي مرة أخري إلي حيث يريد.
كان سعر متر الأرض في هذا الوقت، وفي هذه المنطقة المهمة من مصر الجديدة قد وصل إلي حوالي 20 ألف جنيه علي الأقل، وكانت مساحة الأرض المقامة عليها الفيلا وملحقاتها حوالي 2524 مترًا مربعًا أي بحسبة بسيطة فإن ثمن الأرض بدون قيمة المبني السكني تساوي 480000.50 مليون جنيه إلا أن الغريب أن وثيقة البيع المسجلة بالشهر العقاري شمال القاهرة في 13/1/2002، أشارت إلي أن عملية البيع والشراء تمت بمبلغ 300000.4 ملايين جنيه 'أربعة ملايين وثلاثمائة ألف جنيه فقط'.
لقد آلت الملكية إلي شركة فالي للاستثمار العقاري عن كامل أرض ومباني العقارين رقمي 13، 15 شارع الدكتور حليم أبوسيف بطريق الشراء من شركة مصر الجديدة للاسكان والتعمير بموجب العقد المشهر رقم 2780 لسنة 1998 - شمال القاهرة، وعن زوائد التنظيم بطريق الشراء بموجب العقد المشهر رقم 153 لسنة 2000 شمال القاهرة.
وقد أكد البند الأول من عقد بيع الشركة للعقارين إلي سوزان مبارك أن عملية البيع تمت لأرض فضاء وبها حديقة حسب المعاينة المساحية في 8/1/2002، والعقار الثاني يأخذ رقم 15 ش حليم أبوسيف والمقام علي القطعة رقم '5' تقسيم المربع '905' ح عن خريطة تقسيم مصر الجديدة. والبالغة جملة مساحته 1377 مترًا مربعًا والتعامل عبارة عن فيلا دورين علوي وبدروم، وبالبدروم جراج وثلاث غرف بكل دور شقة حسب المعاينة وقطعة أرض فضاء ناتجة عن تعديل خطوط التنظيم أمام القطعة رقم 5 تقسيم من المربع 905 من خريطة تقسيم شركة مصر الجديدة للاسكان والتعمير ناصية شارعي الدكتور حليم أبوسيف عرض 38 مترًا وعبد القادر مهنا عرض 30 مترًا قسم مصر الجديدة والبالغ مسطحها 18 مترًا مربعًا حسب المعاينة المساحية في 8/1/2002 والحدود والمعالم والأطوال.
وبعد أن قررت سوزان مبارك شراء الفيلا والأرض ونقلها إلي ملكيتها الخاصة تم البحث عن رئيس مجلس إدارة شركة فالي للاستثمار العقاري، وعندما علمت سوزان مبارك أنه موجود في الولايات المتحدة أرسلت طائرة خاصة لتأتي به إلي القاهرة للتوقيع علي عقد البيع بالمبلغ السابق ذكره أربعة ملايين وثلاثمائة ألف جنيه، ولم يستطع مالك الفيلا أن يعترض بالرغم من أن ثمن الأرض وحدها بلغ أكثر من 50 مليون جنيه في هذا الوقت.
غير أن ما يثير الشك أن السيدة سوزان صالح ثابت عندما كتبت عقد شراء الفيلا الذي يحمل رقم 3464/ج/2002 - الزيتون كتبته كما هو واضح في العقد باسم سوزان صالح مصطفي وبالرغم من أن اسمها هو سوزان صالح مصطفي ثابت إلا أنها لم تذكر اسم ثابت حتي لا يتم التعرف عليها.
وحوت بقية البيانات معلومات غير صحيحة من عينة الإقامة: 16 ش إسماعيل رمزي وهذا هو العنوان القديم الذي كانت تقيم فيه هي والرئيس السابق والأسرة قبل تولي مبارك مهام منصب نائب الرئيس.
وكتبت ايضًا أنها ربة منزل وغير متزوجة.
لاحظوا معي أن العقد كُتب في عام 2002 وبالقطع فإن السيدة سوزان مبارك كانت متزوجة من الرئيس السابق منذ الخمسينيات ولا تزال زوجة له حتي الآن، فما الذي يدعوها إلي أن تكتب أنها ربة منزل وأنها غير متزوجة غير الإمعان في التخفي حتي لا يكتشف أحد أنها زوجة رئيس الجمهورية وأنها امتلكت القصر الذي هو بالأساس مقر من مقرات الرئاسة.
وبعد كشف القضية وأبعادها أمام جهاز الكسب غير المشروع وبدء التحقيقات معها أبدت سوزان مبارك استعدادها لإعادة الفيلا إلي الدولة اعترافًا منها بأن الأموال التي حصلت بها علي الفيلا هي أموال غير مشروعة، وهو نفس المنطق الذي تعاملت بمقتضاه مع الأموال التي حصلت عليها في حسابها بالرغم من أنها أموال تبرعات، فأعادتها للدولة ولم تقل لنا لماذا تلقت أموال التبرعات علي حسابها، بالرغم من أن لديها عشرات الحسابات بأسماء جمعيات خيرية مختلفة.
وبعد أن وافق جهاز الكسب غير المشروع علي إعادة هذه الأموال إلي خزينة الدولة قامت بعمل توكيل خاص إلي رئيس مجلس إدارة شركة فالي للاستثمار العقاري في بيع كامل الأرض وبناء العقارين رقمي 13، 15 شارع الدكتور حليم أبوسيف لنفسه بصفته أو للغير. وقد حمل هذا التوكيل رقم 1888 في 16/5/2011.
بقي القول أخيرًا إن سوزان مبارك أرادت أن تنقل ملكية المنزل الرئاسي إليها دون أن يدري أحد بذلك، فإذا بالقدر الإلهي يكشف الفضيحة والتزوير أيضًا.