آخر نكته عضو متألق
عدد الرسائل : 746 بلد الإقامة : """" احترام القوانين : العمل : الحالة : نقاط : 6925 ترشيحات : 3 الأوســــــــــمة :
| موضوع: درس عن نظم الحكم, للدكتور يحيى الجمل 3/5/2011, 10:43 | |
| هذا الدرس, من مقال للدكتور يحية الجمال, أستاذ القانون الشهير, يشرح أنماط الحكم فى الزمن الحديث, بما فيها " الجمهوريات الملكية".رجاء الإستمتاع بمقاله القيم:
من المصرى اليوم,
الجمهوريات الملكيةبقلم د. يحيى الجمل ١٦/ ١١/ ٢٠٠٩ النظام الجمهورى والنظام الملكى نظامان سياسيان فى طريقة الحكم يختلفان فى الجوهر وفى الآليات
جوهر النظام الملكى يقوم على وجود ملك على رأس الدولة يأتى عادة عن طريق نظام معروف للوراثة. والملك عادة ذاته مصونة لا تمس، والملك فى الأنظمة الديمقراطية البرلمانية يملك ولا يحكم أى لا يمارس سلطات معينة بنفسه وإنما يمارس السلطة بواسطة وزرائه الذين يُسألون أمام البرلمان المنتخب.
وأوضح صور النظام الملكى البرلمانى نجدها فى المملكة المتحدة (بريطانيا) والسويد وعدد آخر من بلاد أوروبا. وتوجد ملكيات أخرى غير برلمانية، حيث يأتى الملك عن طريق الوراثة أيضاً، وفقاً لنظام معروف سلفاً، ولكن الملك فى هذه الأنظمة غير البرلمانية يملك ويحكم، والمثل الواضح على ذلك النظام الملكى السعودى، وكذلك بعض الأنظمة الملكية فى أفريقيا وآسيا، وكل الأنظمة الملكية قبل الثورة الفرنسية.
هذا عن جوهر النظام الملكى وآلياته وصوره، والملاحظ أن تطور الأنظمة الملكية يتجه إلى صورة الملكية البرلمانية، حيث يسود الملك ولا يحكم، بحسبان أن الملك يأتى لا عن طريق إرادة شعبية، وإنما يأتى نتيجة نظام وراثى. ويرى بعض علماء السياسة أن النظام الملكى بكل صوره يؤذن بالاختفاء.
ولكن يرى آخرون أن الملكية فى بلد مثل إنجلترا أو مثل السويد نوع من الحفاظ على التقاليد التى لا تؤثر من قريب أو من بعيد على السيادة الشعبية.
يقولون فى إنجلترا إن الملك لا يخطئ، وذلك لأن الملك لا يتصرف، والذى لا يتصرف لا يخطئ، هذه هى الملكية فى آخر صور تطورها.
من ناحية أخرى نجد النظام الجمهورى - الحقيقى - يقوم على جوهر وآليات أخرى.
عرفت الجمهورية فى الفلسفة الإغريقية القديمة، وألّف أفلاطون كتاباً أسماه «الجمهورية».
ولكن النظام الجمهورى الحديث نشأ فى أعقاب الثورة الفرنسية التى زلزلت أنظمة الحكم السابقة عليها واجتثتها من جذورها، وقامت على أساس أن السلطة للشعب، وأن ممثلى الشعب هم الذين يمثلون الإرادة العامة، وأن رئيس الدولة لا يلى منصبه عن طريق الوراثة، وإنما عن طريق الإرادة الشعبية واختيار الناس.
والأنظمة الجمهورية أنواع، ولكن جوهرها واحد، هناك الجمهورية البرلمانية كما كانت فرنسا حتى نهاية الجمهورية الرابعة، وهناك الجمهورية الرئاسية كما هو الحال فى الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك الجمهوريات المختلطة التى تجمع بين بعض خصائص كل من النظامين البرلمانى والرئاسى، مع ميل إلى أحدهما كما هو الحال فى النظام الجمهورى الفرنسى الحالى، الذى يميل إلى النظام الجمهورى البرلمانى مع بعض تأثيرات من النظام الرئاسى تهدف إلى تقوية السلطة التنفيذية واستقرارها.
ونشأ فى فرنسا ما يسمى «قوانين الجمهورية»، وهى ليست قوانين بالمعنى الشكلى، وإنما هى قوانين بالمعنى الموضوعى الذى يوضح جوهر الجمهورية وآلياتها، ويقوم جوهر الجمهورية على أساس كل ما تقوم عليه الأنظمة الديمقراطية من حرية تكوين الأحزاب وحكم الأغلبية وحق الأقلية فى أن تعارض، لكى تصبح أغلبية فى يوم من الأيام، ومن ثم تداول السلطة الذى يعتبر جوهرياً فى النظام الديمقراطى، وسيادة القانون واستقلال السلطة القضائية ضمن توازن للسلطات يجعلها تتعاون ولا تتغلب إحداها على الأخرى، هذا هو جوهر الجمهورية وآلياتها كما عرفتها أنظمة ما بعد الثورة الفرنسية. وقد أثرت الثورة الفرنسية فى القارة الأوروبية تأثيراً حاسماً، كما أن بريقها وصل إلى أرجاء العالم إلا أنه لم يصل إلى المنطقة العربية إلا كمجرد أصداء فكرية ظهرت فى كتابات بعض المفكرين، ولكنها لم تظهر فى الحياة السياسية.
والحقيقة أن الأنظمة السياسية فى الدول العربية تأثرت بميراث طويل لا يعرف فكرة تداول السلطة سواء فى ذلك قبل الميلاد أو بعده. فى مصر القديمة وفى بابل وفى بلاد فارس، كان الملك العضوض الذى لا يتغير إلا بإرادة الأقدار هو الظاهرة الوحيدة. وبعد الميلاد مروراً بالأمويين والعباسيين ومن بعدهم إلى سقوط الإمبراطورية العثمانية ظل الحال هو الحال، لا تغيير ولا تبديل، وإنما هى سلطة واحدة مغروسة لا تبغى حولاً، صحيح جاءت الحملة الفرنسية وأحدثت فى مصر أثراً، وبدأ مع محمد على - بعد زوال الحملة - ما يمكن أن يسمى بدايات الدولة الحديثة، ولكن التربة لم تكن مهيأة لذلك.
والدولة الحديثة فى الفكر السياسى المعاصر هى الدولة التى تنفصل فيها السلطة عن أشخاص الحاكمين، وتصبح «السلطة» وظيفة تمارسها مؤسسات، «وفقاً لقواعد قانونية».
هذا هو معنى الدولة الحديثة، وهو معنى غير موجود فى غالبية - إن لم نقل فى كل - الأنظمة العربية. مازالت شخصنة السلطة هى السمة الغالبة.
مازال لويس الرابع عشر الذى قال «أنا الدولة» والذى اختفى فى بلاده وفيما حولها منذ زمن بعيد، مازال لويس الرابع عشر هذا موجوداً عندنا فى كل دولنا الملكية والجمهورية على حد سواء.
ومن هنا جاز لنا أن نقول إن الأنظمة الجمهورية فى بعض البلاد العربية هى فى جوهرها أنظمة تنفر من جوهر الجمهورية، وتحرص على جوهر النظام الملكى الاستبدادى، وإن ادعت ظلماً أنها دول جمهورية.
ومن هنا جاز لنا أن نقول إن النظام العربى - على قلة ما أبدع فى علوم هذا العصر - أبدع فى النظام السياسى نظاماً اسمه الجمهوريات الملكية.
ولا حول ولا قوة إلا بالله.
|
|