طرق بحث علم نفس النموّوسائل البحث المتبعة في العلوم الاجتماعية وخصوصا في علم النفس الذي صار مؤخرا لدى المتخصصين فيه ميول كبيرة الى “علمنته”، بمعنى اتباع الطريقة التجريبية البحتة لدرجة يتم فيها تصنيفه في فئة العلوم الطبيعية والدقيقة، هي وسائل متعددة وتتطلب رقابة علمية رصينة وحذرة من قبل الباحث، كما أنها المتبعة في دحض فرضية ما أو تأكيدها، وتتعلق جدا بموضوع البحث وبالتخصص النفسي الخاضغ للبحث. وكل تخصص من هذه التخصصات لديه وسائل عدة متبعة تتصل فيه وبطبيعته.
من الجدير بالذكر أن هذا الموضوع هو من أكثر المواضيع أهمية وصعوبة لدارسي هذا التخصص وسنعنى به بالتفصيل أيضا من على صفحات موقعنا في وقت لاحق.
علم نفس النمو (developmental psychology) يتميز بوسائله الخاصة لظروفه الخاصة أيضا وهي كما يقال أفضل الموجود للتوصل الى نتائج عملية يستفيد منها الناس. هذه الطرق هي كالتالي:
1) التجربة: البحث الذي يحاول فيه الباحثون السيطرة على شروط التجربة وتنحية العوامل التي قد تلعب دورا في الظروف العادية، ومحاولة ابقاء العوامل التي يتم فحصها كلاعب وحيد. ايجابيات هذه الطريقة أنها تتمكن من التحكم بكل المتغيرات، ولديها القدرة على التدقيق في العوامل التي تؤثر على مجموعة الامتحان (المفحوصين). لكن المشكلة تكمن بعدم وجود تلك الفرصة المطلقة والكاملة التي تجعل التجربة (الخاضعة لواقع المختبر) تشبه الظروف الحقيقية التي يعيشها الفرد فعلا، لذا فمن الصعوبة بمكان اثبات علاقة سببية للعامل ونتيجته. القصد هو أنه اذا كان هناك عاملا يؤدي لنتيجة معينة فهذا لا يعني بالضرورة أنه العامل الوحيد الذي سبب ذلك وعدم تدخل عوامل أخرى متزامنة. هذا عدا عن مشكلة عدم توفر امكانية لصنع تجربة لكل سؤال بحث سيتم طرحه في هذا التخصص.
2) المشاهدة (في الظروف الحقيقية): من خلال مشاهدات للبيئة الطبيعية، أو محاولة تقليد الظروف الحقيقية من خلال المختبر قد المستطاع. هذه الطريقة تمكن من المقارنة في التصرف لدى مجموعات مختلفة كما أنها تتبع توثيق مفصل للمشاهدات، في العادة يكون توثيقا كميا. ايجابيته تكون في أنه الأقرب للحقيقة ولكن سلبيته في عدم امكانية معرفة السبب الحقيقي الذي يقف وراء هذا التصرف أو هذه المشكلة أو..الخ.
3) تجربة طبيعية: يتم استخدامها عندما لا تتوافر امكانية ابتكار مجموعات بحث وتقسيمها بصورة عشوائية وهو ما يتطلبه المختبر عادة. لذلك فان الاعتناء بقضية اختيار مفحوصين يشبهون بعضهم البعض في أكثر الصفات والعوامل امكانية عدا العامل الخاضع للفحص.
4) دمج بين “المشاهدة” و “التجربة”: اذا رغب الباحثون في فحص أبعاد مختلفة لل”نمو” الذي يتم تتبعه فانهم يقومون بالتحول الى التجربة هكذا والعكس.
5) بحث التغيرات على محور زمني: للاجابة على أسئلة متعلقة بال”نمو” الذي يتطلب وقتا طويلا، يقوم الباحثون باستخدام “بحث طولي” يراقبون فيه الأطفال مثلا لفترة زمنية معينة. هنا أيضا يجب الانتباه الى أهمية التشابه بين الخاضعين للبحث أي المفحصوين وبعضهم البعض في عدة صفات (سواء بيئية او نفسية او شكلية..الخ).
خيار آخر هو “البحث العرضي” والذي يفحص فيه مجموعات عدة من الأطفال في أجيال مختلفة في نقطة زمنية محددة، في هذه الحالة فان الأطفال في مجموعات الأجيال المختلفة يجب أن يكونوا مختلفين عن بعضهم ب”العامل” الخاضع للبحث. ايجابية هذا الخيار في أنه غير مكلف وسريع، وسلبيته تكمن في عدم القدرة على تتبع “سيرورة النمو” (developmental process)، انما نقاط زمنية محددة ولا يمكن اكتشاف تغيرات فردية انما احصاءات وحسب. لهذا يحاول الباحثون الدمج بين الخيارين المتعلقين ببحث التغيرات على محور زمني، يقومون من خلاله ببحث عدة مجموعات جيل في وقت واحد ويواصلون متابعة كل مجموعة على حدى لفترة معينة.
في هذا الفيديو يظهر مثال على طريقة البحث الخامسة المذكورة أعلاه، وهو يعتبر بحث طولي قام بفحص مجموعة من الأطفال في نقطة زمنية محددة ومن ثم دوّن التغير لديهم في نقطة زمنية محددة أخرى بعد أعوام، ووجد علاقة بين سلوك الطفل في النقطة الزمنية الأولى والنقطة الزمنية الثانية، ننوّه الى أن وجود علاقة لا يعني بالضرورة علاقة سببية.
يجدر الاشارة الى أنه بالاضافة الى هذه الطرق المعروضة أعلاه فان الأمر ليس كذلك لدى الرضع الغير قادرين على التعبير عن أنفسهم، وتعتمد طريقة البحث التي تتناول هذه الفئة على “التثبيط” أو “التعويد” (habituation). “التثبيط” هي ظاهرة تتأتّى عن طريق تعريض الطفل لتحفيز(نفسه طوال الوقت) ما بصورة متكررة، الأمر الذي يؤدي الى انخفاض ملحوظ في الالتفات لهذا التحفيز. عندما يتم تغيير هذا التحفيز بعد أن توقف الطفل عن الالتفات اليه، يقوم الباحثون بتغيير التحفيز فاذا لم يستجب الطفل لهذا التحفيز وتجاهله يتم الاستنتاج أن الطفل لا يزال لا يملك القدرة على الشعور به أو فهمه أو تمييزه. اذا لم يكن التحفيز المستخدم هو نفسه المتكرر فلن نحصل على “التثبيط”. استجابة الطفل للتحفيز تقاس عن طريق عدة علامات منها: تغير في دقات القلب(نتيجة للانفعال)، بكاء، درجة حرارة الجسم، الوقت الذي يستغرق فيه الطفل النظر الى التحفيز المستخدم..الخ. بنفس الطريقة يمكن أيضا التوصل الى تفضيلات الطفل لتحفيزات معينة كلون معين أو لعبة معينة أو وجه معين..
--------------
ميساء أحمد