نظرة في صفات الحروف
--------------------------------------------------------------------------------
بمناسبة طرح الأستاذ فرغلي لتجويد الحروف ، وبيان ما يقع من الخطأ في نطقها ، حيث رأيته يذكر صفات كل حرف من الحروف ، أقول :
إن صفات الحروف من الموضوعات المهمة في الدراسات الصوتية التجويدية ، وبمعرفتها يتبن كثير من الفوائد الصوتية ؛ كمعرفة أسباب قلب حرف إلى حرف آخر ـ مثلاً ـ وإدغام حرف في حرفٍ ، وغيرها من الفوائد .
وعندي في صفات الحروف تساؤلات ، منها :
1 ـ هل الصفات التي تُدرس من خلال الجزرية ثفات متفق عليها بحيث لا يُزاد عليها ولا ينقص منها ؟
2 ـ ما حال الصفات التي ذكرها السابقةن ، ولم يتعرض لها ابن الجزري ، كالصفات التي ذكرها مكي بن أبي طالب في كتابه الرعاية .
إن المتأمل في الصفات التي ذكرها ابن الجزري يجد الملحوظات الآتية :
أولاً : إن بعض الصفات لا علاقة لها بالصوت ، ولا تؤثر في طريقة خروج الحرف ، وهي صفة الذلاقة وضدها الإصمات ، فهاتان الصفتان لهما علاقة بالعربية ، حيث يعرف العربي من الحرف المُعرَّب أو الأعجمي ، كما نصَّ على ذلك الخليل في كتاب العين ، قال : (( ... فإذا وردت عليك كلمة رابعية أو خماسية مُعرَّاة من حروف الذلق أو الشفوية ، ولا يكون في تلك الكلمة من هذه الحروف حرف واحد أو اثنان أو فوق ذلك ؛ فاعلم أن تلك الكلمة محدثة مبتدَعة ليست من كلام العرب ؛ لأنك لست واجدًا من يسمع من كلام العرب كلمة واحدة رباعية او خماسية إلا وفيها من حروف الذلق والشفوية واحد أو اثنان أو أكثر ... )) العين 1 : 52 .
وحروف الذلق والشفوية عنده هي ( ر ل ن ف ب م ) ثلاثة ذلقية ، وهي ( ل ن ر ) وثلثة شفوية ( م ب ف ) العين 1 : 51 .
وما كان هذا شأنه من أمر الصفة ، فهو بمعزل عن أن يكون له تأثيرٌ في صوت الحرف .
وإذا كان كذلك فذكره في صفات الحروف فضلة ، بل لا داعي له ، والله أعلم .
ثانيًا : من الصفات ما يكون له أثر في قوة الحرف دون أن يكون له أثر مباشر في نطقه ، فالهمس ـ مثلاً ـ لو نُطِقَ حرف من حروفه بدونه لم يخرج هذا الحرف ، أما الإطباق ، فلا يُتصَّورُ عدم الإتيان به ، وكذا الانفتاح ، لذا لا تجد مقرئًا يُدرِّس التجويد يقول للمتعلم أطبق هذا الحرف أو افتح هذا الحرف .
وذكر الإطباق والانفتاح إنما يفيد في معرفة الحروف التي اشتملت على صفات قوية وصفات ضعيفة .
والذي يظهر لي الآن أنه لو لم تُذكر هاتان الصفتان فإنهما لا تؤثِّران في أداء الحرف من الجهة الصوتية بخلاف ترك الهمس أو الشدة وما يضادهما ، أو ترك القلقلة ، فإن لتركها أو العمل بها أثر في نطق الحرف ، والله أعلم .
ثالثًا : تذكر صفات بعض الحروف ، ولا يُحرَّر المراد بالكيفية ، فالصفير ـ مثلاً ـ في السين والصاد والزاي هل المطلوب الإتيان بالحرف مصفورًا واضح الصفير ، أم المراد أنهما قابلان للصفير ؟
والمراد بكلامي هنا : مالمقدار المطلوب في هذه الصفة ؟
فأنت تقول للمتعلم: قلقل حرف القاف ، ولا تراك تقول له : اصفر حرف الصاد .
رابعًا : صفة الانحراف التي في اللام والراء من حقها أن تُذكر في المخارج دون الصفات ، ولا أثر لمعرفة هذه الصفة في باب الصفات ، ومما يدل على ذلك ما يقع من الغفلة عن التنبيه على مخرج اللام بدقَّة بسبب عدم الكلام عن الانحراف في مخرج اللام، فإنهم يصفون مخرج اللام فيقولون: أدنى حافة اللسان إلى منتهاها مع ما يحاذيها من اللثة العليا .
ويصفون مخرج النون فيقولون : طرف اللسان تحت مخرج اللام قليلاً مع ما يليه من لثة الأسنان العليا .
لاحظ قولهم : تحت مخرج اللام ، واللام لا تخرج من طرف اللسان بل من حافته ، فمن أين جاءت تحتية الطرف للام ؟
جاءت هذه من كونه يقع للام بعد استوائها في هذا المخرج المذكور انحرافٌ للطرف ، فيعمل الطرف مع الحافة عند خروج اللام ، فالحافة أصل في المخرج وعمل الطرف بسبب الانحراف عند نطق اللام .
فقولهم تحت مخرج اللام غير دقيق ، إذ لابدَّ من تقييدة بعبارة المنحرف ، فيقال : تحت مخرج اللام المنحرف ؛ لأنه هو الذي يكون تحته مخرج النون .
أما في الراء ، فهم يشيرون ـ في الغالب ـ إلى الانحراف الكائن في الراء ، حيث ينحرف من الطرف إلى ظهره ، وقد يسميه بعضهم رأس ظهر الطرف .
وإذا تأملت هذه الصفة في الحرفين فإنك لا تجد لها أثرًا في النطق إذ الانحراف مرتبط بالمخرج ، فلو نُطقَا بغير الانحراف لانعدم الحرف أصلاً ، فلو استغنيَ عن ذكرهما بالإشارة إليهما في الحديث عن مخرج اللام والراء .
خامسًا : أغفل ابن الجزري رحمه الله تعالى في ذكر الصفات صفة مهمة ، وهي الغنة ، ومن حقها أن تُذكر في الصفات لأثرها الواضح في النطق .
سادسًا : ألا يمكن صياغة الصفات صياغة تتناسب مع ما يكون له أثر في النطق ، وترك الصفات التي ليس لها أثر مباشرٌ فيه ؛ لأنَّ أهم ما في معرفة الصفات كيفية النطق بالحرف العربي نطقًا سليمًا ، فلو جُعل هذا هو المعيار في ذكر الصفات لاختُزلت بعض الصفات ، ولم يبق منها إلا ما له أثر ظاهر في النطق .
ولا يقال : إن في هذا تغييرًا لما هو مألوفٌ منذ قرون ، فهذا التغيير خاضع للاجتهاد ، ولا زال العلماء يحررون في العلوم ، ويستدرك بعضهم على بعضٍ دون أن يكون في ذلك غضاضة . ولو قيل مثل هذا لابن الجزري لما ترك الصفات التي أوصلها مكي إلى قرابة الأربعين صفة ، لكنه حرَّر واجتهد ، وكل مشكور مأجور .
بل إنني أدعو إلى صياغة علم التجويد صياغة تتناسب مع التطبيق ، وتقلل من التنظيرات والعلل التي ليست من صلب هذا العلم ، وكذا ما دخله من اجتهادات متأخرة صار العمل عليها عند بعض المقرئين ، وليس فيها سند عن المتقدمين ممن ألف في هذا العلم ، وهذه مسألة أراها مهمة للغاية للتجديد في طرح هذا العلم ، وتقريبه بصورة واضحة مشرقة بعيدة عن التعقيد والتطويل الذي لا يفيد كثيرين ممن يريدون تعلم هذا العلم .
ولموضوع علم التجويد كلام غير هذا أرجو أن ييسر الله طرحه في هذا الملتقى ، والله الموفق .
رجاء : أرجو من الإخوة الكرام المشاركة الهادفة والنقد البناء ، والأخذ والعطاء بصدر رحب وسعة بال واحتمال للرأي المقابل والردِّ بالحجج العلمية دون التهويش والأساليب الخطابية التي لا تفيد في ثبوت العلم .
وإني لأرجو أن تكون هذه سمة هذا الملتقى في جميع طروحاته ، والله يتولانا جميعًا ، ويجعلنا ممن يريد وجهه ، ويخدم كتابه إنه سمبع مجيب .
__________________
الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض